(الصفحة 69)
القابليّة له، وفي الصورة الثانية كما إذا اشترى الثوب النجس للّبس ولو فرض فيه عدم القابليّة فضلاً عن صورة القابليّة .
وأمّا الصورة الأخيرة التي حكم فيها بعدم الجواز كمثال السكنجبين، فالوجه فيه ما ذكرنا(1) من أنّه لا يمكن بقاء السكنجبين بعنوانه مع تحقّق الطهارة له بالاتّصال بالكرّ ونحوه; لتوقّف الطهارة على الامتزاج الموجب للاستهلاك، وقد ذكرنا سابقاً في كتاب الطهارة اعتبار الامتزاج(2) لو اُريد تطهير الماء المتنجّس فضلاً عن مثل السكنجبين، ولأجله ذكرنا فيه أنّه لا يقبل التطهير; لأنّه ما دام كونه كذلك لا يطهر، و في فرض الطهارة يخرج عن العنوان المزبور ، فوجه الفرق بين الصور الثلاثة ظاهر.
هذا كلّه بالإضافة إلى المتنجّس . وأمّا الكلام في نجس العين من حيث أصالة حلّ الانتفاع به في غير ما ثبتت حرمته، أو أصالة العكس. فاعلم أنّه قد استظهر الشيخ الأعظم (قدس سره) من الأكثر أصالة حرمة الانتفاع بنجس العين(3)، بل عن صاحب الحدائق نسبة ذلك إلى الأصحاب(4)، بل عن بعض الإجماع على ذلك(5) .
أقول : الأدلّة الواردة في خصوص نجس العين التي يمكن الاستدلال بها في بادئ
- (1) في ص 56.
- (2) تفصيل الشريعة فى شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، المياه: 75 ـ 76 و 175 ـ 177.
- (3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 97.
- (4) الحدائق الناضرة 18: 89 .
- (5) الخلاف 6: 91 ـ 92 مسألة 19، غنية النزوع: 213، تذكرة الفقهاء 10: 25 و 31، التنقيح الرائع 2: 5، وحكاه في مفتاح الكرامة 12: 44 ومكاسب الشيخ عنها وعن حاشية الإرشاد لفخر الدِّين، ولكن لم نعثر عليه في الحاشية المطبوعة. نعم، جاء في هامش مفتاح الكرامة: حاشية إرشاد الأذهان في التجارة ص44 س12 (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم 2474).
(الصفحة 70)
النظر لهذا القول، هي الآية الدالّة على تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير الآية(1)، وقد عرفت(2) أنّ قوله ـ تعالى ـ : {ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَـلـِثَ} وإن كان لا يشمل المتنجّس، إلاّ أنّ المراد هو تحريم الأكل للمقابلة ، ورواية تحف العقول المتقدّمة(3)الدالّة على النهي عن بيع شيء من وجوه النجس; أي العنوانات النجسة مشتملاً على التعليل المتقدّم(4).
وقد مرّ أنّ المستفاد من الآية المذكورة تحريم ما يراد غالباً من تلك العناوين من أكل الميتة وشرب الدم وأكل لحم الخنزير ومثلها، وإلاّ فالانتفاع بالدم بمثل ما هو المتداول في زماننا من تزريقه إلى من يحتاج إلى التزريق من المرضى، أو من عرض له اصطدام مثل السيّارة، فلا يستفاد تحريمه من الآية بوجه ، فلا مجال لأن يقال: إنّ التحريم المتعلّق بالذوات يعمّ جميع الأفعال المرتبطة بها، بل المتفاهم العرفي هو خصوص الفعل المناسب لها، كما أنّ تحريم الاُمّهات والبنات ومثلهما لا يستفاد منه إلاّ تحريم النكاح معهنّ، لا النظر ومثله .
كما أنّ اشتمال رواية تحف العقول على التعليل بقوله (عليه السلام) : «فجميع تقلّبه فى ذلك حرام» لا يدلّ على حرمة الانتفاع بالعناوين النجسة بجميع الانتفاعات، ولوبملاحظة ما قدّمنا من أنّ العلّة المذكورة للأحكام لا تلزم أن تكون ارتكازيّة، بل يمكن أن تكون تعبّدية كما مثّلنا لذلك سابقاً(5) ، خصوصاً مع الاحتمال الذي ذكره
- (1) سورة البقرة 2: 173.
- (2) في ص 59 ـ 60.
- (3) في ص 11.
- (4) في ص11، 32 و 61.
- (5) في ص 61.
(الصفحة 71)
الشيخ من أن يكون المراد من «جميع التقلّب» الذي هو حرام، جميع أنواع التعاطي لا الاستعمالات(1) .
وظاهر المتن في المسألة الاُولى من مسائل المكاسب المحرّمة، أنّ أصل الانتفاع بالعذرة في التسميد لا مانع منه وإن استشكل في جواز بيعه لذلك ، وقد حكي عن مبسوط الشيخ الطوسي (قدس سره) أنّ سرجين ما لا يؤكل لحمه وعذرة الإنسان وخرء الكلاب لايجوز بيعها، ويجوز الانتفاع بها في الزروع والكروم و اُصول الشجر بلا خلاف(2) . وعن العلاّمة في كتابيه التذكرة والقواعد جواز اقتناء الأعيان النجسة لفائدة(3).
هذا، ويرد على الإجماع المدّعى في المقام ما أوردناه على دعوى الإجماع بالإضافة إلى المتنجّس .
وعليه: فلا مجال للحكم بأنّ الأصل الأوّلي في الأعيان النجسة هي حرمة الانتفاع، بل الظاهر هي الحلّية في غير ما ثبتت حرمته، كالمتنجّس على ماعرفت(4) .
- (1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 101.
- (2) المبسوط 2: 167.
- (3) تذكرة الفقهاء 12: 138، قواعد الأحكام 2: 6.
- (4) في ص 56 ـ 69.
(الصفحة 72)بيع الترياق و الهرّة و ما كان آلة للحرام
مسألة 6 : لا بأس ببيع الترياق المشتمل على لحوم الأفاعي مع عدم ثبوت أنّها من ذوات الأنفس السائلات، ومع استهلاكها فيه ـ كما هو الغالب بل المتعارف ـ جاز استعماله وينتفع به . وأمّا المشتمل على الخمر فلايجوز بيعه; لعدم قابليّته للتطهير، وعدم حلّية الانتفاع به مع وصف النجاسة حال الاختيار ـ الذي هو المدار ـ لا الجواز عند الاضطرار1.
1 ـ قال في مجمع البحرين : الترياق ما يستعمل لدفع السُمّ من الأدوية والمعاجين، وهو روميّ معرَّب .
ويقال : الدِّرياق . وقيل : مأخوذ من الريق، والتاء زائدة، ووزنه «تفعال» بكسر التاء; لما فيه من ريق الحيّات(1) ، انتهى .
ويظهر منه أنّه يكون من المأكولات، وجوّز في المتن بيعه وإن كان مشتملاً على لحوم الأفاعي بشرطين :
أحدهما : عدم ثبوت أنّ الأفاعي من ذوات الأنفس السائلات; لما مرّ(2) من اختصاص حرمة الميتة ونجاستها بما إذا كانت له نفس سائلة، فاللازم في الحكم بالجواز عدم إحراز كونها من ذوات الأنفس السائلات حتّى لا تحرز نجاستها .
ثانيهما : استهلاك المقدار المأخوذ من الأفاعي لئلاّ يتحقّق أكل الخبيث المحرّم وإن لم يكن نجساً ، فمع وجود هذين الشرطين لا مانع من جواز بيعه; لوجود المنفعة المحلّلة المقصودة فيه; وهو دفع السمّ كما عرفت .
- (1) مجمع البحرين: 1 / 224.
- (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات وأحكامها: 55 ـ 56، المسألة الثالثة.
(الصفحة 73)
نعم ، ما كان منه مشتملاً على الخمر التي تكون نجسة من دون فرق بين قليلها وكثيرها فلايجوز بيعه; لعدم وجود العلّة المذكورة فيه; لعدم قابليّته للتطهير وعدم حلّية الانتفاع به مع وصف النجاسة حال الاختيار ـ الذي هو المدار ـ لا الجواز عند الاضطرار. وقد تقرّر في محلّه(1) من كتاب النجاسات أنّ استهلاك العين النجسة ولو كانت في غاية القلّة لايوجب بقاء المتنجّس بها على الطهارة .
وما تقدّم من الشيخ الطوسي في الدم من التفصيل بين ما تراه العين وما لاتراه، قد مرّ عدم دلالة مستنده على ذلك(2) ، غاية الأمر عدم دلالته على لزوم الاجتناب عن الذي علم بملاقاته للنجاسة ، واحتمل أن تكون الملاقاة بالإضافة إلى خارج الظرف، الذي هو خارج عن محلّ الابتلاء بالنسبة إلى ما في الظرف من المائع أكلاً، أو وضوءاً أو غيرهما، وإلاّ ففي صورة العلم بالوقوع في داخل الظرف يتنجّس ما فيه من المائع; سواء كان الدم مرئياً فيه أو مستهلكاً، والظاهر أنّ الشيخ غير قائل بهذا التفصيل في مطلق النجاسات، بل في خصوص الدم لاختصاص دليله به .
وفي المقام إذا كان الترياق مشتملاً على الخمر ولو كانت في غاية القلّة يكون نجساً، ولايجوز الأكل بوجه إلاّ في صورة الاضطرار، كما ربما حكي ذلك بالإضافة إلى بعض الأشربة المستعملة بعنوان الدواء للحلقوم; فإنّ مقتضى القاعدة عدم الجواز في صورة الاختيار; لاشتماله على مقدار من الخمر ولو كان في غاية القلّة .
وأمّا الترياق المتداول في هذه الأزمنة، فلايكون مشتملاً على لحوم الأفاعي، بل مأخوذاً من جلد ما يسمّى في الفارسية بالخشخاش ولا يكون من المأكولات، بل يستفاد من دخانه بمعونة بعض الآلات المعدّة لذلك، وبيعه وإن لم يكن غير جائز
- (1،2) أي في تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات وأحكامها: 109ـ 111.