(الصفحة 135)
ويمكن دعوى إلغاء الخصوصيّة وإن لم يكن هناك ما يدلّ على التعميم .
ثمّ إنّه أفاد سيّدنا العلاّمة الماتن (قدس سره) في كلّ المسألة كلاماً مفصّلاً في كتابه في المكاسب المحرّمة ينبغي إيراده مع رعاية كمال التلخيص; لكثرة فوائده، سيّما مع ملاحظة شدّة ذوقه السياسي وحدّة بصره في الاُمور الاجتماعيّة ، قال بعد ذكر أنّ المراد بالسلاح ليس مطلق ما ينطبق عليه عنوانه كائناً ما كان ، بل ما كان سلاح الحرب فعلاً، وهو يختلف بحسب الأزمنة ، وبعد ذكر أنّ المراد من أعداء الدِّين هي الدولة المخالفة لا الأشخاص .
ثمّ اعلم أنّ هذا الأمر ـ أي بيع السلاح من أعداء الدِّين ـ من الاُمور السياسية التابعة لمصالح اليوم، فربما تقتضي مصالح المسلمين بيع السلاح، بل إعطاءه مجّاناً لطائفة من الكفّار.
وذلك مثل ما إذا هجم على حوزة الإسلام عدوّ قويّ لا يمكن دفعه إلاّ بتسليح هذه الطائفة التي يكون المسلمون في أمن منهم، وربما تقتضي المصالح ترك بيع السلاح وغيره ممّا يتقوّى به الكفّار مطلقاً; سواء كان موقع قيام الحرب أو التهيّؤ له، أم زمان الهدنة والصلح والمعاقدة.
والوجه في الأخير احتمال أنّ تقويتهم موجب للهجمة على بلاد المسلمين ولو بعد حين; فإنّ هذا الاحتمال منجّز بالإضافة إلى هذا الأمر الخطير، ولا فرق في ذلك بين الخوف على حوزة الإسلام من غير المسلمين، أو على حوزة حكومة الشيعة من غيرها ولو كان هو المخالفين .
وبالجملة: إنّ هذا الأمر من شؤون الحكومة، وليس أمراً مضبوطاً، بل تابع لمصلحة اليوم، فلا الهدنة موضوع مطلقاً لدى العقل، ولا المشرك والكافر كذلك .
فالتمسّك بالاُصول والقواعد الظاهريّة في مثل المقام في غير محلّه.
(الصفحة 136)
والظاهر عدم استفادة شيء زائد من الأخبار الواردة في هذا المجال، ولو فرض خلاف ذلك فلا مناص عن تقييده أو طرحه .
ثمّ شرع في بيان أنّ الأخبار التي استدلّ بها على التفصيل ـ تارةً: بين زمان الهدنة وغيره مطلقاً، واُخرى: على التفصيل كذلك بين المخالفين والكفّار ـ قاصرة عن إثبات هذا التفصيل في المقامين، واستنتج أنّه لا يمكن القول بالجواز بمجرّد عدم الحرب والهدنة ، بل لابدّ من النظر إلى مقتضيات اليوم وصلاح المسلمين والملّة ، فلايستفاد أمر زائد عمّا هو مقتضى حكم العقل ، كما أنّ رواية عليّ بن جعفر (عليه السلام) (1)ورواية الصدوق(2) المشتملة على وصية النبيّ(صلى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام) لا دلالة لهما على عدم الجواز منهم مطلقاً; لأنّ التحقيق عدم إطلاقهما .
ثمّ بيّن الوجه في ذلك ، ثمّ قال : فالمتحصّل من الروايات عدم الفرق بين المخالفين وغيرهم في الحكم، وعدم التفصيل بين الهدنة والمحاربة، كما نسب إلى المشهور(3) ، انتهى ملخّصاً .
ولعلّ كلامه في المتن ناظر إلى هذا الأمر الذي أفاده ، والوجه في عدم التعليق على رعاية المصالح في صورة المباينة واضح .
هذا ، ويستفاد من كلامه المتين أنّ المسائل الفقهيّة لا تكون على نسق واحد وفي سياق واحد ، بل مع ملاحظة الموضوعات واختلافها يختلف الحكم، فليست مسائل الجهاد مثلاً في رديف مسائل الطهارة والنجاسة في إجراء مثل قاعدة الإطلاق والتقييد بمجرّد ظهور أدلّتها بدواً في ذلك ، بل لابدّ من ملاحظة
- (1، 2) تقدّمتا في ص129 ـ 130.
- (3) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني(رحمه الله) 1: 226 ـ 232.
(الصفحة 137)
الخصوصيّات ، ولا يرجع هذا إلى القياس والاستحسان .
ثمّ إنّه مع هذه الرؤية التي لاحظتها في بيع السلاح من أعداء الدِّين تعلم أنّ مقتضى حكم العقل ـ الذي يؤيّده بعض الأخبار المتقدّمة ـ أنّ كلّ ما يوجب تقوية أعداء الله وأعداء الشيعة محكوم بالحرمة وعدم الجواز وإن لم يكن مرتبطاً ببيع السلاح بالمعنى الذي ذكره ، فنقل أسرار المسلمين في أبعاده المختلفة إليهم، وصيرورة المسلم جاسوساً لهم ناقلاً الأخبار إليهم كذلك .
كما أنّ جعل الإمكانات الماليّة والإعانة لهم من هذه الحيثيّة كذلك، وأولى من ذلك بيع النفط لهم وتمكينهم منه الموجب لإمكان استفادتهم من كثير من تجهيزاتهم ، ومن الأسف عدم توجّه كثير من رؤساء البلدان الإسلاميّة إلى هذه الجهة في زماننا بالإضافة إلى إسرائيل الغاصب الجاني غايته، بحيث يكون عديم النظر في التاريخ .
كما أنّ ترويجهم وإيجاد الرعب لهم في قلوب المسلمين، الموجب لخوفهم وتقوّي الأعداء، كذلك إذا كان الغرض متعلّقاً بذلك .
وكذلك تضعيف عقائد المسلمين، وإيجاد التزلزل والاضطراب بينهم، والتشكيك فيما يعتقدونه، والطعن في قداسة الروحانيّين وشخصيّاتهم، والاتّهام بالإضافة إلى المسؤولين الموجب لضعف عقيدتهم تجاه الثورة الإسلاميّة .
ومن هذا الباب الإعانة لهم في نشر التوطئة والتمهيد للمقدّمات التي تقرّبهم إلى الوصول إلى مقاصدهم المنحرفة .
ويدخل في هذا القسم بعض المطبوعات حيث ينشرون الأكاذيب، والنسل الحديث لأجل صغر سنّه وعدم دركه الصحيح ربما يتأثّر من هذه الاُمور ويتخيّل ثبوت الحقيقة والواقعيّة له، خصوصاً مع أنّ جملة من متنوّري الفكر بحسب
(الصفحة 138)
الاصطلاح قد مضى كثير من عمرهم في الجامعات الأمريكيّة والأوروبيّة المضادّة بطبعها للإسلام والمسلمين ، فاللاّزم على المسلم في هذا اليوم الالتفات إلى عمق هذه الاُمور ورعاية أنظارهم ومقاصدهم.
وممّا يؤسّف عليه عدم الالتفات إلى ذلك من كثير ممّن لاقيناه ورأيناه في العديد من البلدان الإسلاميّة ، المفتقرة إلى الوحدة و الاتّحاد صوناً لبلادهم من تجاوز الأجانب ودسائس المشركين ، ومع ذلك نرى أنّ خطيب صلاة الجمعة في مسجد النبيّ(صلى الله عليه وآله) وفي محضره يواجه الشيعة الإماميّة ويتّهمهم بالشرك والخروج عن دائرة الإسلام، مع أنّهم شاركوا الناس في الصلاة ولم يكن غرضهم إلاّ الإتيان بالحجّ أو العمرة المفردة اللّتين هما من العبادات الاجتماعيّة الإسلاميّة سيّما الحجّ ، عجباً من هذا الجهل والعناد وعدم التوجّه إلى ما يقولون، وإلى أنّ مثل هذا الأمر غاية مراد المشركين المريدين للاختلاف الموجب لتحقّق السيادة لأعدائهم ، وقد شاعت هذه الجملة من الأعداء، فرّق تسد ، نستعين بالله عليهم وعلى مقاصدهم السيّئة، ونعوذ بالله من الشيطان الرجيم .
(الصفحة 139)تصوير ذوات الأرواح و غيرها و بيع الصور المحرّمة واقتناؤها
مسألة 12 : يحرم تصوير ذوات الأرواح من الإنسان والحيوان إذا كانت الصورة مجسّمة، كالمعمولة من الأحجار والفلزات والأخشاب ونحوها ، والأقوى جوازه مع عدم التجسيم وإن كان الأحوط تركه . ويجوز تصوير غير ذوات الأرواح، كالأشجار والأوراد ونحوها ولو مع التجسيم، ولا فرق بين أنحاء التصوير من النقش والتخطيط والتطريز والحك وغير ذلك .
ويجوز التصوير المتداول في زماننا بالآلات المتداولة ، بل الظاهر أنّه ليس من التصوير . وكما يحرم عمل التصوير من ذوات الأرواح مجسّمة، يحرم التكسّب به وأخذ الاُجرة عليه .
هذا كلّه في عمل الصور ، وأمّا بيعها واقتناؤها واستعمالها والنظر إليها، فالأقوى جوازذلك كلّه حتّى المجسّمات. نعم، يكره اقتناؤهاوإمساكهافي البيت1.
1 ـ في هذه المسألة أيضاً فروع :
الأوّل :تصوير ذوات الأرواح من الإنسان والحيوان مع كون الصورة مجسّمة، كالأمثلة المذكورة في المتن، وقد حكم فيه في المتن بالحرمة، والظاهر أنّه لا خلاف في حرمته بين الأصحاب(1) ، بل ربما ادّعي عليه الإجماع(2) ، وهذا الفرع هو القدر المتيقّن من الروايات الدالّة على الحرمة، كقول علي (عليه السلام) : إيّاكم وعمل الصور; فتسألوا(3) عنها يوم القيامة .(4)
- (1) كفاية الفقه، المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 427، جواهر الكلام 22: 41.
- (2) جامع المقاصد 4: 23، مجمع الفائدة والبرهان 8 : 56 ـ 57، رياض المسائل 8 : 58، جواهر الكلام 22: 41.
- (3) فى المستدرك: فانّكم تسألون، بدل «فتسألون».
- (4) الخصال: 635 قطعة من ح 10، و عنه بحارالأنوار 10: 113 قطعة من ح 1 ومستدرك الوسائل 13: 210، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب75 ح1