(الصفحة 201)
وهو غير ما نحن فيه من إعدام ما يوجب الضلال(1) .
ومنها : قوله ـ تعالى ـ : { وَ اجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ}(2) نظراً إلى أنّ كتب الضلال من مصاديق قول الزور .
واُورد عليه بأنّ قول الزور قد فسّر بالكذب، وقد مرّ(3) في بحث الغناء تفسير قول الزور بالغناء، وإن اُجيب عن ذلك بأنّه لا منافاة بين التفسيرين; فإنّ كلاًّ منهما لبيان المصداق، والقرآن لا يختصّ بطائفة ولا بمصداق(4)، ولكن مرّت منّا المناقشة في ذلك، كما أشرنا إليها في الجواب عن الآية الاُولى .
وكيف كان، فالآية بكلا تفسيريها أجنبيّة عن المقام، ولا يمكن الاستدلال بها فيه .
ومنها : بعض فقرات رواية تحف العقول المعروفة التي سلكنا مسلكاً للحكم باعتبارها(5)، مثل :
قوله (عليه السلام) : إنّما حرّم الله الصناعة التي هي حرام كلّها التي يجيء منها الفساد محضاً(6) ، بدعوى أنّ مفهوم الحصر يقتضي حرمة الصناعة المحرّمة بجميع منافعها التي منها الحفظ .
وفيه : أنّ حرمة الصناعة لا تلازم حرمة الحفظ، كما ذكرنا في بحث التصوير
- (1) حاشية كتاب المكاسب للايرواني 1: 152.
- (2) سورة الحجّ 22: 30.
- (3) في ص: 164 ـ 165.
- (4) مصباح الفقاهة 1: 404.
- (5) في ص 13 ـ 15.
- (6) تحف العقول: 335، وعنه وسائل الشيعة 17: 85 ، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب2 قطعة من ح1، والحدائق الناضرة 18: 70.
(الصفحة 202)
من حرمة الإيجاد وعدم حرمة الاقتناء بوجه(1) .
وقوله (عليه السلام) : وما يكون منه وفيه الفساد محضاً ـ إلى قوله :ـ وجميع التقلّب فيه من جميع وجوه الحركات كلّها إلخ(2) .
وقد عرفت في أوائل الكتاب(3) أنّ صدق التقلّب في مثل ذلك ممنوع، وقد مثّلنا هناك أنّ صاحب الميتة إذا نقل الميتة من المنزل إلى محلّ بعيد للتحفّظ عن عفونتها لا يصدق على عمله التقلّب، وهكذا الحفظ في المقام .
وقوله (عليه السلام) : أو يقوى به الكفر والشرك من جميع وجوه المعاصي، أو باب يوهن به الحقّ، فهو حرام محرّم بيعه وشراؤه وإمساكه(4) .
وفيه: أنّه خارج عن المدّعى ; لأنّ الغرض من الحفظ ومثله ليس هو الإضلال وحصول الوهن للحقّ، وإلاّ فهو حرام بلا إشكال .
ومنها: حسنة عبد الملك بن أعين، حيث سأل الإمام (عليه السلام) عن ابتلائه بالنجوم ـ الى أن قال ـ : فقال لي : تقضي؟ قلت : نعم ، قال : أحرق كتبك(5). بناءً على كون الأمر بالإحراق للوجوب، لا للإرشاد عن الابتلاء بالنجوم .
وفيه: أنّ استفصال الإمام (عليه السلام) عن القضاء بالنجوم دليل على عدم وجوب
- (1) في ص157 ـ 161.
- (2) تحف العقول: 335 ـ 336، وعنه وسائل الشيعة 17: 85 ، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب2 قطعة من ح1 والحدائق الناضرة 18 : 70.
- (3) في ص11.
- (4) تحف العقول: 333، وعنه وسائل الشيعة 17: 84 ـ 85 ، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب1 قطعة من ح1 والحدائق الناضرة 18: 68.
- (5) الفقيه 2: 175 ح779، وعنه وسائل الشيعة 11: 370، كتاب التجارة، أبواب آداب السفر ب14 ح1 وروضة المتّقين 4: 196 ـ 197.
(الصفحة 203)
الإهراق مع عدم القضاء .
وأمّا التمسّك بالإجماع(1) في المقام، فيدفعه ـ مضافاً إلى فرض تحقّقه ـ أوّلاً: أنّه لاأصالة للإجماع في مثل المسألة ممّا كانت له أدلّة متعدّدة ووجوه مختلفة وإن ناقشنا في الجميع كما عرفت ، وثانياً: أنّه دليل لبّي لا إطلاق له يشمل جميع فروض المدّعى .
وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّه لم ينهض دليل معتبر على الحكم بالحرمة في جميع صور المسألة، خصوصاً إذا عمّمنا الحفظ للحفظ عن ظهر القلب، كما هو ظاهرهم، وقد صرّح به الشيخ الأنصاري (قدس سره) في آخر البحث(2) .
ثمّ الظاهر أنّ المراد بالضلال في العنوان مقابل الهداية، فكتاب الضلال إن كان الغرض من تأليفه وجمعه إضلال الناس وإغوائهم وانحرافهم عن طريق الحقّ، فلا إشكال في كونه مصداقاً لكتاب الضلال ، وإن كان مثله بحسب الغالب المتعارف لا يكون جميع مطالبه من الصدر إلى الذيل كذلك، بل مختلط نوعاً ، غاية الأمر أنّ أكثره كذلك وإن لم يكن موضوعاً للإضلال والانحراف ، بل مترتّباً عليه الضلالة، ولو كان ذلك لأجل قصور إدراكه عن الوصول إلى عمق المطلب وحقيقته، كبعض مسائل الفلسفة والعرفان ، فالظاهر أنّه بالإضافة إليه يكون كذلك وإن كان بالإضافة إلى غيره لا يكون كذلك .
وأمّا الكتب السماويّة، كالتوراة والإنجيل، فالظاهر عدم كونها من هذا القبيل ; أمّاعلى تقديرعدم التحريف فواضح، وأمّاعلى تقديرالتحريف كماهوالظاهر، فالدليل على العدم كونها منسوخة بنظر المسلمين وباعتقادهم، فلا معنى لحصول الإضلال
- (1) مفتاح الكرامة 12: 206، جواهر الكلام 22: 58 ـ 59.
- (2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 238.
(الصفحة 204)
بالإضافة إليهم، وإن كانت عبارة الشيخ في المبسوط المتقدّمة(1) دالّة على هذا المعنى.
وأمّا الكتب المصنّفة لغيرنا، فإن كانت في مثل موضوع الفقه والاُصول والتاريخ والشعر والأدب ونحوها، فالظاهر أنّها ليست من كتب الضلال . وأمّا إن كانت في الموضوعات الاعتقاديّة المخالفة لعقائد الشيعة، فهي من كتب الضلال، كالموضوعة في الجبر والتجسيم، والولاية غير الحقّة، ومثل ذلك .
ومن الأسف ما نراه بالوجدان في هذا العصر من وجود كتب مختلفة متعدّدة في ردّ عقائد الشيعة الإماميّة الحقّة ، وأصلها ينشأ من الاستعمار والاستكبار العالمي وإن كان لبعض المعاندين مدخليّة في ذلك غير قابلة للإنكار ، كما نرى في بعض تأليفاتهم في الحطّ من شأن الشخصيّات والرموز الشيعيّة العظيمة; مثل فاطمة الزهراء ـ سلام الله عليها ـ التي افتخر باُمومتها الأئمّة المعصومون (عليهم السلام) (2) ، فكلّها من كتب الضلال بلا إشكال .
ثمّ إنّك عرفت أنّ عنوان مورد البحث لم يقع موضوعاً للحكم في شيء من الأدلّة حتّى يؤخذ بإطلاقه، ويحكم بثبوت الحرمة في جميع الموارد ، بل مقتضى تناسب الحكم والموضوع أنّه إذا كان الغرض من حفظ كتب الضلال الجواب عنها وعن شبهاتها، وكان الشخص أهلاً لذلك وقادراً على النقض والحلّ، لا يكون الحفظ محرّماً بالإضافة إليه .
نعم ، اللازم عليه رعاية عدم الوصول إلى غير الصالح ولو في شطر من الزمان .
هذا، ولو كان الغرض مجرّد الاطّلاع على مطالب الكتاب من دون أن يكون
- (1) في ص198.
- (2) تفسير العياشى 2: 303 ح 120، الارشاد للشيخ المفيد 2:15 و 97 ـ 98، مقاتل الطالبيّين: 70، مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4:36 و 51، الاحتجاج 1:422 و ج 2:96.
(الصفحة 205)
الشخص قادراً على الجواب لأجل قصور مرتبته العلميّة ، ومن دون أن يصير متأثّراً من مطالبه بوجه; للعلم الإجمالي بمخالفته للعقائد الحقّة، فيمكن أن يقال بأنّ المستفاد من المتن الجواز; لعدم خوف الضلال وخشية الزلل; للحكم فيه بعدم الجواز بالإضافة إلى العوام الذين يخشى عليهم الزلل .
وقد فرّع على ذلك أنّ اللازم عليهم التجنّب عن مثل الكتب المشتملة على خلاف عقائد المسلمين، خصوصاً إذا كانت مشتملة على شبهات يكونوا عاجزين عن دفعها وحلّها، وقد عرفت(1) في أوائل البحث أنّه ليس المراد بالكتاب ما هو معناه الاصطلاحي المشتمل على صفحات متكثّرة ، بل يشمل المجلاّت المطبوعة وشبهها، كبعض المجلاّت المنتشرة في زمن الطاغوت، والوجه فيه واضح .