(الصفحة 253)
فالمحكي عن جمع من الكتب الفقهيّة الكراهة(1) ، وعن جمع كثير من الكتب الاُخرى الحرمة(2) .
ويدلّ على التحريم في الجملة ـ مع أنّه خلاف الأصل، وخلاف قاعدة السلطنة على الأموال ـ روايات :
منها : صحيحة أبي الفضل سالم الحنّاط قال : قال لي أبو عبدالله (عليه السلام) : ما عملك؟ قلت : حنّاط، وربما قدمت على نفّاق، وربما قدمت على كساد فحبست ، قال : فما يقول من قبلك فيه؟ قلت : يقولون: محتكر ، فقال : يبيعه أحدٌ غيرك؟ قلت : ما أبيع أنا من ألف جزء جزءاً ، قال : لا بأس، إنّما كان ذلك رجل من قريش يقال له: حكيم بن حزام ، وكان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كلّه ، فمرّ عليه النبيّ(صلى الله عليه وآله)فقال : يا حكيم بن حزام إيّاك أن تحتكر(3) ، فإنّ التحذير عن الاحتكار لا يلائم إلاّ مع حرمته.
- (1) المقنعة: 616 ، المبسوط في فقه الإماميّة 2: 195، الكافي في الفقه: 283، المراسم العلويّة: 171، شرائع الإسلام 2: 21، المختصر النافع: 201، مختلف الشيعة 5: 69 مسألة 31، اللمعة الدمشقيّة: 61، جواهر الكلام 22: 477 ـ 481.
- (2) المقنع: 372، الاستبصار 3: 115 ذح 408، المهذّب 1: 346، السرائر 2: 238ـ 239، تحرير الأحكام 2: 254، منتهى المطلب 2: 1006، إيضاح الفوائد 1: 409، الدروس الشرعيّة 3: 180، جامع المقاصد 4: 40، مسالك الأفهام 3: 191، الروضة البهيّة 3: 218 و 298، التنقيح الرائع 2: 42، رياض المسائل 8 : 171ـ 172، مفتاح الكرامة 12: 353ـ 354، مستند الشيعة 14: 44 ـ 48، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 4: 363 ـ 367.
- (3) الكافي 5: 165 ح4، تهذيب الأحكام 7: 160 ح707، الاستبصار 3: 115 ح410، الفقيه 3: 169 ح747، وعنها وسائل الشيعة 17: 428، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب28 ح3، وروضة المتّقين 7: 244.
- وفي الوافي 17: 391 ح17493 عن الكافي والتهذيب والفقيه.
- وفي مرآة العقول 19: 155 ح4 عن الكافي.
- وفي ملاذ الأخيار 11: 268 ح12 عن التهذيب.
(الصفحة 254)
والظاهر أنّ المراد من قوله : «ما أبيع أنا من ألف جزء جزءاً» هو الكناية عن تعدّد من يبيع بحيث تكون النسبة بينه، وبين غيره من البايعين كالواحد أو أقلّ بالإضافة إلى الألف ، كما أنّ التحذير عن الاحتكار لا يرجع إلى تحقّقه مع اشتراء طعام المدينة بمجرّد دخوله ، بل مرجعه إلى إمكان تحقّق الاحتكار بعد ذلك ، فتدبّر .
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يحتكر الطعام ويتربّص به هل يصلح ذلك؟قال: إن كان الطعام كثيراً يسع الناس فلابأس به، وإن كان الطعام قليلاً لا يسع الناس فإنّه يكره أن يحتكر الطعام ويترك الناس ليس لهم طعام(1) ; فإنّ الظاهر أنّ المراد بالكراهة الحرمة لا الكراهة المصطلحة في مقابلها .
ويؤيّده تقييد الكراهة بصورة كون الطعام قليلاً لا يسع الناس ، مع أنّ الكراهة الاصطلاحية مطلقة كما سيجيء إن شاء الله تعالى .
ومثلها : صحيحة اُخرى للحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سُئل عن الحكرة؟ فقال : إنّما الحكرة أن تشتري طعاماً وليس في المصر غيره فتحتكره، فإن كان في المصر طعام أو متاع (يباع خ ل) غيره فلا بأس أن تلتمس بساحتك (بسلعتك خل) الفضل(2) .
- (1) الكافي 5: 165 ح5، تهذيب الأحكام 7: 160 ح708، الاستبصار 3: 115 ح411، وعنها وسائل الشيعة 17: 424، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب27 ح2.
- وفي الوافي 17: 391 ح17494 عن الكافي والتهذيب.
- وفي مرآة العقول 19: 156 ح5 عن الكافي.
- وفي ملاذ الأخيار 11: 268 ح13 عن التهذيب.
- (2) الفقيه3: 168 ح746، التوحيد: 389 ح36، الكافي5: 164 ح3، تهذيب الأحكام7: 160 ح706، الاستبصار 3: 115 ح409، وعنها وسائل الشيعة 17: 427ـ 428، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب28 ح1 و2.
- وفي الوافي 17: 390 ح17492 عن الكافي والفقيه والتهذيب.
- وفي مرآة العقول 19: 155 ح3 عن الكافي.
- وفي ملاذ الأخيار 11: 267 ح11 عن التهذيب.
(الصفحة 255)
ولا تكون هذه الصحيحة متّحدة مع ما قبلها بعد اختلاف السؤال وكونه في إحداهما من الحلبي وفي الثانية من غيره ولو فرض وحدة الحلبي فيهما .
ومنها: مرسلة الصدوق المعتبرة قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): لا يحتكر الطعام إلاّ خاطئ(1).
ومنها : ما في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه إلى مالك الأشتر قال : فامنع من الاحتكار; فإنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) منع منه ، وليكن البيع بيعاً سمحاً بموازين عدل، وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع، فمن قارف حكرة بعد نهيك إيّاه فنكِّل به وعاقبه في غير إسراف(2) .
ومنها : رواية أبي مريم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : أيّما رجل اشترى طعاماً فكبسه أربعين صباحاً يريد به غلاء المسلمين ثمّ باعه فتصدّق بثمنه لم يكن كفّارة لما صنع(3) .
- (1) الفقيه 3: 169 ح749، تهذيب الأحكام 7: 159 ح701، الاستبصار 3: 114 ح403، وعنها وسائل الشيعة 17: 426، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب27 ح8 و 12، وروضة المتّقين 7: 246.
- وفي الوافي 17: 394 ح 17501، وملاذ الأخيار 11: 265 ح6 عن التهذيب.
- وفي مستدرك الوسائل 13: 274 ح15336 عن دعائم الإسلام 2: 35 ح77.
- (2) نهج البلاغة لصبحي صالح: 438 قطعة من كتاب 53، وعنه وسائل الشيعة 17: 427، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب27 ح13، وبحار الأنوار 33: 607 قطعة من ح744، وج103: 89 ذح9، ومستدرك الوسائل 13: 275 ح15339.
- وفي بحار الأنوار 77: 258 ـ 259 قطعة من ح1 عن تحف العقول: 140ـ 141.
- (3) الأمالي للطوسي: 676 ح1427، وعنه وسائل الشيعة 17: 425، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب27 ح6، وبحار الأنوار 103: 89 ح10.
(الصفحة 256)
قال الشيخ الأعظم (قدس سره) بعد ذكر الرواية : وفي السند بعض بني فضّال ، والظاهر أنّ الرواية مأخوذة من كتبهم التي قال العسكري (عليه السلام) عند سؤاله عنها : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا(1) ، ففيه دليل على اعتبار ما في كتبهم، فيستغنى بذلك عن ملاحظة من قبلهم في السند ، وقد ذكرنا أنّ هذا الحديث أولى بالدلالة على عدم وجوب الفحص عمّا قبل هؤلاء من الإجماع الذي ادّعاه الكشّي(2) على تصحيح ما يصحّ عن جماعة(3) ، انتهى .
أقول: قد مرّ منا مكرّراً أنّ الإجماع الذي ادّعاه الكشّي ومثله غايته الدلالة على كون أصحاب الإجماع مجمعين علىوثاقتهم بحيث لايكون فيهم ترديدمن هذه الجهة، وأمّا عدم لزوم رعاية حال من قبلهم في السند فلا دلالة للإجماع المذكور عليه .
والظاهر أنّ ما أفاده العسكري (عليه السلام) من القول المزبور أيضاً راجع إلى وثاقة بني فضّال في مقام نقل الرواية وحكايتها ، وأمّا عدم لزوم رعاية حال من قبلهم في السند من حيث الوثاقة وعدمها فلا ، فتدبّر .
وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّ ملاحظة أخبار الباب وروايات المسألة تدلّ على حرمة الاحتكار في الجملة وإن كانت مخالفة لقاعدة السلطنة على الأموال ، وأمّا كون موردها خصوص ا لطعام أو الأعمّ، فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى .
كما أنّه يأتي حكم التفصيل بين الثلاثة أيّام في الغلاء، والخصب في الأربعين كما
- (1) الغيبة للطوسي: 389 ح355، وعنه وسائل الشيعة 27: 142، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب11 ح13، وبحار الأنوار 2: 252 ح72 وج51: 358، وعوالم العلوم 3: 573 ح73.
- (2) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشي»: 238، الرقم 431 وص375، الرقم 705 وص556، الرقم 1050.
- (3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 4: 366 ـ 367.
(الصفحة 257)
في رواية السكوني الآتية ، وأنّه هل للحدّين خصوصيّة، أو أنّ المناط هي الضرورة والاحتياج نفياً وإثباتاً ، فانتظر .
ثمّ إنّ هنا بعض ما يؤيّد القول بالحرمة، مثل إلزام المحتكر بالبيع; فإنّ الإلزام كما سيجيء(1) لا يلائم الكراهة; إذ لا وجه للإلزام فيها .
المقام الثالث : في مورد الاحتكار ومجراه، ظاهر عبارة بعض اللّغويّين ـ مثل ما تقدّم(2) ـ أنّ مورده الطعام ، إلاّ أن يقال : إنّ ذكره إنّما هو من باب المثال أو الغلبة ، وفي بعض الروايات عدم الاختصاص بالطعام ، ففي رواية السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه (عليهم السلام) ، عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) قال : الحكرة في ستّة أشياء: في الحنطة والشعير والتمر والزيت والسمن والزبيب(3) .
وفي صحيحة حمّاد ـ التي هي مثل صحيحة الحلبي المتقدّمة ـ إضافة قوله : وسألته عن الزيت (الزبيب خل)؟ فقال : إذا كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه(4) .
وفي رواية أبي البختري، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه(عليهما السلام)، أنّ عليّاً (عليه السلام) كان ينهى عن الحكرة في الأمصار ، فقال : ليس الحكرة إلاّ في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن(5) .
- (1) فى ص259.
- (2) في ص: 252.
- (3) الخصال: 329 ح23، وعنه وسائل الشيعة 17: 426، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب27 ح10 وبحار الأنوار 103: 87 ح2.
- (4) الكافي 5: 164 ذح 3، تهذيب الأحكام 7: 160 ذح 706، الاستبصار 3: 115 ذح409، وعنها وسائل الشيعه 17: 428، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب28 ح2.
- (5) قرب الإسناد : 135 ح472، وعنه وسائل الشيعة 17: 426، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب27 ح7 وبحار الأنوار 103: 87 ح1.