(الصفحة 35)
ومن مصاديق الأعيان النجسة: الكلب وإن لم يعطف على لحم الخنزير في الآيتين المتقدّمتين المشتملتين على لحم الخنزير(1) ، ولعل العلّة في عدم ذكره معه عدم تعارف أكل لحمه والاستفادة منه بخلاف الخنزير وإن كان مشتركاً معه عندهم في هذه الجهة، ولكن حيث إنّ بعض مصاديقه داخل وباق في المستثنى منه، وبعض مصاديقه أخرجه في ذيل العبارة في أصل المسألة المذكورة في المتن، فاللازم بيان حكم جميع المصاديق، خصوصاً مع أنّه إنّما ينتفع به في هذه الأزمنة لبعض الأغراض المهمّة; كالتجسّس بالإضافة إلى الموادّ المخدّرة بالنسبة إلى المسافرين الداخلين من مملكة إلى اُخرى .
فنقول: له مصداقان متيقّنان في جانبي النفي والإثبات :
أمّا المصداق المتيقّن في جانب النفي، فهو كلب الهراش الذي لا يترتّب عليه أيّة فائدة من الاصطياد والحراسة أصلاً ، بل الغرض نفسه وعنوانه كما يرى بالنسبة إلى الغربيّين الملازمين للكلب نوعاً، وهو داخل في أجزاء ما يعيشونه وفي منازلهم، بل وفي محالّ نومهم واستراحتهم، وربما يعدّون له الموادّ الغذائيّة وينظّفونه في الحمّام وغيره، ويكون معهم أينما كانوا ، ومن المؤسف سراية هذه الجهة إلى بعض الممالك الإسلاميّة والجوامع المتشرّعة شيئاً فشيئاً ، ولعلّ السرّ في ذلك أنّ وراء هذه القضيّة الاستكبار العالمي المخالف لعقائد الإسلام والساعي إلى تخريب عقائد المسلمين وتزلزل عقيدتهم، وإيقاف الثورة الإسلاميّة الموجبة لقطع أيادي المستعمرين وسلب منافعهم ودفع سلطتهم .
وكيف كان، فالمصداق المتيقّن في جانب الإثبات، فهو كلب الصيد المنسوب إلى
(الصفحة 36)
السلوق الذي هي قرية باليمن وأكثر كلابها صيود وإن كانت النسبة بين الصيود وبين السلوقي عموماً من وجه .
وبين هذين المصداقين المتيقّنين مصاديق متعدّدة; من كلب غير السلوقي، وكلب غير الصيد منه، وكلب الموارد المذكورة في المتن، والكلب في المثال الذي ذكرنا، والكلاب غير المعلَّمة والمعلَّمة .
والروايات الواردة في هذا المجال على طائفتين :
الاُولى : ما يتوهّم منها الإطلاق والدلالة على حرمة التكسّب بالكلب مطلقاً، ولكن لا يجوز التمسّك بإطلاقها; لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة وإن كان يوجد بينها روايات صحيحة أو موثّقة.
كموثّقة السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : السحت ثمن الميتة، وثمن الكلب، وثمن الخمر، ومهر البغي، والرشوة في الحكم، وأجر الكاهن(1) .
ورواية الحسن بن علي الوشّاء قال : سُئل أبو الحسن الرضا (عليه السلام) عن شراء المغنّية؟ قال : قد تكون للرجل الجارية تلهيه، وما ثمنها إلاّ ثمن الكلب، وثمن الكلب سحت، والسّحت في النار(2) .
وهذه الرواية تدلّ على أنّ المراد بالسحت الحرمة وإن كنّا قد قلنا باستعماله في المكروه كما عرفت(3) .
- (1) الكافي 5: 126 ح2، تهذيب الأحكام 6: 368 ح1061، الخصال: 329 ح25، تفسير القمّي 1: 170، وعنها وسائل الشيعة 17: 93، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب5 ح5.
- (2) الكافي 5: 120 ح4، تهذيب الأحكام 6: 357 ح1019، الاستبصار 3: 61 ح202، وعنها وسائل الشيعة 17: 124، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب16 ح6.
- (3) في ص: 19.
(الصفحة 37)
الثانية : ما يدلّ على جواز بيع كلب الصيد، مثل :
رواية محمّد بن مسلم وعبد الرحمن بن أبي عبدالله، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت، ثمّ قال : ولا بأس بثمن الهرّ(1) .
ورواية أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث : أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال : ثمن الخمر، ومهر البغي، وثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت(2) .
ورواية أبي عبدالله العامري قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ثمن الكلب الذي لايصيد؟ فقال : سحت ، وأمّا الصيود فلا بأس(3) .
وقبل الخوض في بيان المراد من هذه الروايات ومقابلاتها يبدو في النظر أنّه ينبغي التنبيه على اُمور ذكر بعضها الإمام الماتن (قدس سره) :
الأوّل : أنّ إنكار المفهوم في القضايا المفهوميّة التي في رأسها القضايا الشرطيّة كما حقّقناه في الاُصول في بحثه(4)، لا يرجع إلى عدم مدخليّة القيد في الحكم المذكور فيها بحيث كان وجوده كالعدم وذكره كعدم الذكر، وإلاّ يبقى السؤال على المتكلِّم الحكيم أنّه لِمَ أتى بهذا القيد الذي وجوده كالعدم، بل مرجعه إلى عدم ثبوت العلّية التامّة المنحصرة لثبوت الحكم . وعليه: فلا ينافي ثبوت الحكم في مورد آخر أيضاً ، فمرجع نفي المفهوم في قضيّة «إن جاءك زيد فأكرمه» هو عدم كون مجيئه علّة
- (1) تهذيب الأحكام 6: 356 ح1017، وعنه وسائل الشيعة 17: 119، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب14 ح3.
- (2) تهذيب الأحكام 7: 135 ذ ح599، وعنه وسائل الشيعة 17: 94، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 7 وص 119 ب14 ح6 وص 225 ب 55 ذ ح6.
- (3) الكافي 5: 127 ح5، وعنه وسائل الشيعة 17: 118، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب14 ح1.
- (4) سيرى كامل در اصول فقه 8 : 445 ـ 449.
(الصفحة 38)
منحصرة لثبوت الحكم بوجوب الكلام، ومن الممكن قيام أمر آخر مقام المجيء في الوجوب، كصيرورته طالب العلم مثلاً .
الثاني : أنّ تخصيص الحكم بالكلب المنسوب إلى السلوقي ـ مع كونه قرية خاصّة في مملكة اليمن، ودين الإسلام مبنيّ على التوسعة العالميّة والأبديّة الزمانيّة ـ في غاية البُعد، خصوصاً مع أنّ الأئمّة (عليهم السلام) والرواة الحاكين عنهم (عليهم السلام) لم يكونوا من أهل تلك القرية، وخصوصاً مع ثبوت الكلاب غير المعلّمة للصيد فيها كثيراً ، غاية الأمر أكثريّة العكس التي لاتوجب الانصراف بوجه; لأنّ غلبة الوجود لا تكون منشأً للانصراف، وغلبة الاستعمال غير واقعة .
الثالث : أنّه ذكر الاُستاذ الماتن (قدس سره) أنّه لا يوجد في شيء من الأخبار الواردة في حكم بيع الكلاب جوازاً ومنعاً، المذكورة في كتاب التجارة من الوسائل في أبواب مختلفة إشعار بثبوت وصف كونه معلّماً، وهذا بخلاف الأخبار المذكورة في كتاب الصيد والذباحة; فإنّ كثيراً منها مشعر بذلك(1) .
الرابع : أنّه أفاد أيضاً أنّه لا يكون من الكلب الذي يصيد أو لا يصيد هو الصيد وعدمه بالإضافة إلى خصوص الحيوان الذي يحلّ أكل لحمه كالغزال ، بل المراد الاصطياد ولو بالإضافة إلى محرّم الأكل كالكلب بالإضافة إلى مثل الذئب لتوقّف حراسة الماشية عليه(2) .
الخامس : أنّ الحكم في المقام لا يرتبط بقضيّة المفهوم ; لأنّ التعرّض في الروايات قد وقع بالإضافة إلى كلا القسمين جوازاً ومنعاً، فقد وقع التعرّض للمنع بالنسبة إلى الكلب الذي لا يصيد أو لايصطاد، وللجواز في الرواية الأخيرة بالإضافة إلى
- (1، 2) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني(رحمه الله) 1: 102 ـ 104.
(الصفحة 39)
الصيود، حيث حكم بنفي البأس فيه .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ ظاهر لفظ الصيود باعتبار كون هذا الوزن من صيغ المبالغة، كالأكول والعنود واللجوج وأمثالها ، إلاّ أنّه بملاحظة وقوعه جواباً عن السؤال عن الكلب الذي لا يصيد أو ليس بكلب الصيد(1)، يكون المراد به وجود ملكة الاصطياد فيه والقدرة عليه وإن لم يكن موضوعه موجوداً بالفعل بعد وضوح عدم كون المراد هو الاشتغال بالفعل بالاصطياد في الخارج ، كما أنّ الظاهر اعتبار وجود الملكة بالفعل، فلا يكفي وجوده فيما انقضى حتّى يجري فيه النزاع الجاري في مسألة المشتقّ من كونه حقيقة فيما يكون متلبّساً بالمبدأ في الحال أو الأعمّ منه وممّن تلبّس به في الماضي، فلو زالت عنه القدرة لهرم أو مرض أو كسر أو غيرها يكون خارجاً عن هذا العنوان.
ثمّ إنّ احتمال كون المراد بالصيود الكلب السلوقي، يدفعه ـ مضافاً إلى كونه خلاف الظاهر، ولا مجال لدعوى الانصراف; سواء قلنا بأنّ منشأه غلبة الوجود أو غلبة الاستعمال، وإلى ما عرفت في بعض المقدّمات ـ عدم كون السائل (ظاهراً) والإمام (عليه السلام) من أهل تلك القرية التي ربما لا يستمع مملكتها في طول السنة فضلاً عن تلك القرية . نعم ، ربما انعكس الأمر وقيل: إنّ المراد بالسلوقي في بعض كلمات الفقهاء هو خصوص الصيود مطلقاً، لكنّه أيضاً خلاف الظاهر ، وعلى أيّ لا يرتبط بالرواية الواردة فيها هذا العنوان .
هذا كلّه بالإضافة إلى كلب الصيد .
وأمّا الكلاب الاُخر التي استثناها في الذيل، فالظاهر عدم وجود دليل خاصّ
- (1) الفقيه 3: 105 ح435، وعنه وسائل الشيعة 17: 94، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب5 ح8.