(الصفحة 7)
(كتاب المكاسب والمتاجر)
وهي أنواع كثيرة نذكر جلّها والمسائل المتعلّقة به في طيّ كتب
مقدّمة تشتمل على مسائل :
التكسّب بالأعيان النجسة
مسألة 1 : لا يجوز التكسّب بالأعيان النجسة بجميع أنواعها على إشكال في العموم، لكن لايترك الاحتياط فيها بالبيع والشراء وجعلها ثمناً في البيع، وأُجرة في الإجارة، وعوضاً للعمل في الجعالة، بل مطلق المعاوضة عليها ولو بجعلها مهراً أو عوضاً في الخلع ونحو ذلك ، بل لا يجوز هبتها والصلح عليها بلا عوض، بل لايجوز التكسّب بها ولو كانت لها منفعة محلّلة مقصودة; كالتسميد في العذرة ، ويستثنى من ذلك العصير المغليّ قبل ذهاب ثلثيه بناءً على نجاسته ، والكافر بجميع أقسامه حتى المرتدّ عن فطرة على الأقوى، وكلب الصيد ، بل والماشية
والزرع والبستان والدور1.
1 ـ الظاهر أنّ المكسب والمتجر مصدران ميميان(1)، كما فيما حكي عن مولانا
(الصفحة 8)
أميرالمؤمنين (عليه السلام) من أنّه كان يقول على المنبر : الفقه ثمّ المتجر(1) .
والبحث في حكم المسألة تارةً: من جهة الحكم التكليفي، واُخرى: من جهة الحكم الوضعي وإن كان التعرّض في المتن لهذه المسألة إنّما هو بالإضافة إلى الحكم التكليفي فقط ، والظاهر أنّ متعلّق الحرمة التكليفيّة في المعاملة ليس مجرّد إيقاع صورتها، بل الإنشاء الواقعي بقصد حصول النقل والانتقال ولو مع العلم بعدم التأثير في ذلك، كما فيما إذا كانت محرّمة ولو لم تكن باطلة، كالبيع وقت النداء(2) إذا قلنا بحرمته; فإنّه لا يكون فاسداً ، بل ربما يقال(3) بأنّ النهي في المعاملة يدلّ على صحّتها في صورة عدم الإرشاد إلى البطلان، كأكثر النواهي الواردة في المعاملات بل العبادات ; كقوله : لا تصلِّ في جلد ما لايؤكل لحمه ، ومثله (4). فالغرض هنا بيان متعلّق النهي التكليفي; سواء كانت المعاملة فاسدة أو صحيحة، وهو لا يكون إلاّ الإنشاء الواقعي الملازم لقصد حصول النقل والانتقال .
وبعبارة اُخرى: هنا اُمور متعدّدة لا ينبغي الخلط بينها : أحدها: النهي التكليفي بمعنى الحرمة ، وثانيها: النهي الوضعي للإرشاد إلى البطلان ، وثالثها: كون النهي التكليفي دالاًّ على الفساد أو على الصحّة ، أو أنّه لا دلالة له على شيء من الأمرين . والبطلان في المقام ليس من جهة دلالة النهي التكليفي عليه ، بل من جهة بعض الأدلّة العامّة أو الخاصّة ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
- (1) الكافي 5: 150 ح1، تهذيب الأحكام 7: 6 ح16، الفقيه 3: 121 ح519، وعنها وسائل الشيعة 17: 381، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب1 ح1، وفي بحارالأنوار 103: 117 ح16 عن روضة الواعظين: 465.
- (2) سورة الجمعة 62: 9.
- (3) مصباح الفقاهة 1: 22 ـ 23 و56 ـ 60.
- (4) وسائل الشيعة 4: 345 ـ 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب2.
(الصفحة 9)
هذا، وأمّا النهي التحريمي المتعلّق بالعبادة فلا يكاد يجتمع مع صحّة العبادة، كالنهي عن صوم يوم العيدين; ضرورة أنّ النهي يدلّ على المبغوضيّة وكون الصوم يوم العيدين مبعّداً ومبغوضاً، وهو لا يتلائم مع قصد التقرّب المعتبر في صحّة العبادة، بخلاف مادّة الاجتماع في اجتماع الأمر والنهي، كالصلاة في الدار المغصوبة; فإنّ التحقيق هناك مغايرة متعلّق الأمر مع متعلّق النهي وإن وقع بينهما الاتّحاد في الخارج، وفي الحقيقة لم يتعلّق النهي هناك بالعبادة ، بل بعنوان آخر .
وهذا بخلاف صوم يوم العيدين; فإنّ النهي قد تعلّق بعنوان العبادة، وليس النهي راجعاً إلى حرمة التشريع.
ضرورة أنّ الصائم أحد اليومين يستحقّ العقوبة من حيث نفس الصوم لا من حيث التشريع ، مع أنّه ربما يقال بعدم إمكانه من حيث هو، فكونه عبادة منهيّاً عنها ترجع إلى أنّها لو كانت مأموراً بها ولو على سبيل الاستحباب لكان قصد القربة معتبراً في صحّتها ، مع أنّه لو كان بنحو التشريع لم يلزم أن يكون بصورة النهي، ولم يستحقّ العقاب إلاّ على التشريع، لا على الصوم في المثال المذكور. فانقدح إمكان اجتماع العبادة مع الحرمة التكليفيّة غير التشريعيّة وإن لم تكن صحيحة .
أمّا من جهة الحكم التكليفي، فمن الأدلّة المهمّة في هذا الباب ـ وإن لم تكن
عامّة لجميع الموارد قوله ـ تعالى ـ : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِى وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ
إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ}(1) إلى آخر الآية الشريفة ; نظراً إلى أنّ الحرمة لا يمكن أن تتعلّق بالأعيان; لأنّ موضوع التكاليف الخمسة هو فعل المكلّف وعمله، فلا محالة يكون
(الصفحة 10)
متعلّق الحرمة هو جميع الانتفاعات بهذه الأشياء، ومن جملتها التكسّب بها والتجارة عليها .
هذا، ولكن ربما يقال ـ بعد وضوح أنّ الحرمة في الآية هي الحرمة التكليفيّة ـ إنّ النظر في الآية الكريمة إنّما هو إلى الأكل والشرب ; لأنّهما المتعارفان بالإضافة إلى تلك الأشياء ، فلا دلالة لها على حرمة التكسّب بها لبعض الانتفاعات المحلّلة، كاشتراء الميتة لأن يأكلها كلبه المتعلّق به، أو للدفن في أرض البستان لتقوية النباتات ، وقد شاع في زماننا هذا المؤسّسات المبنية على إهداء الدم وبيعه وشرائه للمرضى المحتاجين إليه وتزريقه للمعالجة . وما يمكن أن يقال من أنّ حذف المتعلّق قرينة على العموم، فهو على تقدير صحّته إنّما هو فيما إذا لم يكن هناك انصراف إلى بعض التصرّفات، أفترى أنّه يستفاد من الآية حرمة النظر إلى الاُمور المذكورة فيها أو النقل المكاني مثلاً ; فهذا دليل على الانصراف; كالتحريم المتعلّق بالاُمّهات والبنات، كما لايخفى.
ومثل الآية المتقدّمة في عدم الدلالة قوله ـ تعالى ـ في أواخر سورة البقرة : {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنزِيرِ}(1) إلى آخره .
وأمّا قوله ـ تعالى ـ : {وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ}(2) الدالّ على وجوب الهجرة المطلقة عن الرجز، فتماميّة دلالته متوقّفة على أن يكون المراد بـ «الرُّجز» بالضمّ هي النجس الفقهي في مقابل الطاهر، مع أنّ المراد به كما يظهر من التفاسير(3) هو صنم خاصّ ، فالرجسيّة من هذه الجهة . وعليه: فالآية لا دلالة لها على حكم المقام .
- (1) سورة البقرة 2: 173.
- (2) سورة المدّثّر 74: 5.
- (3) مجمع البيان 10: 153، الجامع لأحكام القرآن 19: 66.
(الصفحة 11)
وقوله ـ تعالى ـ : {وَ ثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}(1) لا يكون قرينة على أنّ المراد بـ «الرُّجز» هي النجاسة; لأنّ الثياب كناية عن نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) أو مطلق أقربائه ، والتطهير يراد به إزالة وسخ الشرك عنهم; كما كان هو الرائج بينهم في زمان نزول الآية التي هي أوّل آية نزلت على النبيّ(صلى الله عليه وآله) أو ثانيتها ، فتدبّر .
ومن الأدلّة العامّة رواية تحف العقول المفصّلة المشتملة على قوله (عليه السلام) : وأمّا وجوه الحرام من البيع والشراء فكلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا هو منهيّ عنه من جهة أكله أو شربه أو كسبه (لبسه ظ) أو نكاحه أو ملكه أو إمساكه أو هبته أو عاريته، أو شيء يكون فيه وجه من وجوه الفساد; نظير البيع بالربا، أو البيع للميتة، أو الدم، أو لحم الخنزير، أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحش والطير، أو جلودها، أو الخمر، أو شيء من وجوه النجس، فهذا كلّه حرام ومحرّم ; لأنّ ذلك كلّه منهيّ عن أكله وشربه ولبسه وإمساكه والتقلّب فيه، فجميع تقلّبه في ذلك حرام(2) . وهي ظاهرة بل صريحة في الحرمة التكليفيّة، خصوصاً بلحاظ قوله (عليه السلام) : «فجميع تقلّبه في ذلك حرام».
ولا يقدح في جواز التمسّك به للمدّعى ما ذكرنا من قيام الإجماع أو الضرورة على جواز التقلّب المكاني بالإضافة إلى مثل الميتة خوفاً من التعفّن ونحوه ; لأنّ العامّ المخصَّص حجّة فيما عدى مورد التخصيص، كما قد حقّق في محلّه من علم الاُصول(3)، بخلاف ما ذكرنا من أنّ مثل جواز النقل المذكور دليل على أنّ المحرّم في
- (1) سورة المدّثّر 74: 4.
- (2) تحف العقول: 333، وعنه وسائل الشيعة 17: 84 ، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب2 قطعة من ح1، وبحار الأنوار 103: 46 قطعة من ح11.
- (3) سيرى كامل در اصول فقه 8 : 59 ـ 108 .