(الصفحة 72)بيع الترياق و الهرّة و ما كان آلة للحرام
مسألة 6 : لا بأس ببيع الترياق المشتمل على لحوم الأفاعي مع عدم ثبوت أنّها من ذوات الأنفس السائلات، ومع استهلاكها فيه ـ كما هو الغالب بل المتعارف ـ جاز استعماله وينتفع به . وأمّا المشتمل على الخمر فلايجوز بيعه; لعدم قابليّته للتطهير، وعدم حلّية الانتفاع به مع وصف النجاسة حال الاختيار ـ الذي هو المدار ـ لا الجواز عند الاضطرار1.
1 ـ قال في مجمع البحرين : الترياق ما يستعمل لدفع السُمّ من الأدوية والمعاجين، وهو روميّ معرَّب .
ويقال : الدِّرياق . وقيل : مأخوذ من الريق، والتاء زائدة، ووزنه «تفعال» بكسر التاء; لما فيه من ريق الحيّات(1) ، انتهى .
ويظهر منه أنّه يكون من المأكولات، وجوّز في المتن بيعه وإن كان مشتملاً على لحوم الأفاعي بشرطين :
أحدهما : عدم ثبوت أنّ الأفاعي من ذوات الأنفس السائلات; لما مرّ(2) من اختصاص حرمة الميتة ونجاستها بما إذا كانت له نفس سائلة، فاللازم في الحكم بالجواز عدم إحراز كونها من ذوات الأنفس السائلات حتّى لا تحرز نجاستها .
ثانيهما : استهلاك المقدار المأخوذ من الأفاعي لئلاّ يتحقّق أكل الخبيث المحرّم وإن لم يكن نجساً ، فمع وجود هذين الشرطين لا مانع من جواز بيعه; لوجود المنفعة المحلّلة المقصودة فيه; وهو دفع السمّ كما عرفت .
- (1) مجمع البحرين: 1 / 224.
- (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات وأحكامها: 55 ـ 56، المسألة الثالثة.
(الصفحة 73)
نعم ، ما كان منه مشتملاً على الخمر التي تكون نجسة من دون فرق بين قليلها وكثيرها فلايجوز بيعه; لعدم وجود العلّة المذكورة فيه; لعدم قابليّته للتطهير وعدم حلّية الانتفاع به مع وصف النجاسة حال الاختيار ـ الذي هو المدار ـ لا الجواز عند الاضطرار. وقد تقرّر في محلّه(1) من كتاب النجاسات أنّ استهلاك العين النجسة ولو كانت في غاية القلّة لايوجب بقاء المتنجّس بها على الطهارة .
وما تقدّم من الشيخ الطوسي في الدم من التفصيل بين ما تراه العين وما لاتراه، قد مرّ عدم دلالة مستنده على ذلك(2) ، غاية الأمر عدم دلالته على لزوم الاجتناب عن الذي علم بملاقاته للنجاسة ، واحتمل أن تكون الملاقاة بالإضافة إلى خارج الظرف، الذي هو خارج عن محلّ الابتلاء بالنسبة إلى ما في الظرف من المائع أكلاً، أو وضوءاً أو غيرهما، وإلاّ ففي صورة العلم بالوقوع في داخل الظرف يتنجّس ما فيه من المائع; سواء كان الدم مرئياً فيه أو مستهلكاً، والظاهر أنّ الشيخ غير قائل بهذا التفصيل في مطلق النجاسات، بل في خصوص الدم لاختصاص دليله به .
وفي المقام إذا كان الترياق مشتملاً على الخمر ولو كانت في غاية القلّة يكون نجساً، ولايجوز الأكل بوجه إلاّ في صورة الاضطرار، كما ربما حكي ذلك بالإضافة إلى بعض الأشربة المستعملة بعنوان الدواء للحلقوم; فإنّ مقتضى القاعدة عدم الجواز في صورة الاختيار; لاشتماله على مقدار من الخمر ولو كان في غاية القلّة .
وأمّا الترياق المتداول في هذه الأزمنة، فلايكون مشتملاً على لحوم الأفاعي، بل مأخوذاً من جلد ما يسمّى في الفارسية بالخشخاش ولا يكون من المأكولات، بل يستفاد من دخانه بمعونة بعض الآلات المعدّة لذلك، وبيعه وإن لم يكن غير جائز
- (1،2) أي في تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات وأحكامها: 109ـ 111.
(الصفحة 74)
بحسب الحكم الأوّلي، إلاّ أنّه لا يبعد أن يقال بالحرمة بالعنوان الثانوي، كبيع السلاح من أعداء الدِّين على ما سيأتي إن شاء الله(1) ; نظراً إلى أنّ عالم الاستكبار حيث يكون بصدد هدم الإسلام وتضعيف المسلمين، يكون في الباطن مروّجاً لإشاعته، خصوصاً بين الشباب لتخديرهم ومنعهم من ممارسة دورهم في التصدّي لما يسعى الاستعمار إليه من نهب ثرواتهم والسيطرة على بلدانهم الإسلامية، ووضع اليد على كلّ ما وهبهم الله تعالى من خيرات وما منَّ عليهم من بركات ، وإن كان بحسب الظاهر ينادي بأعلى صوته بالمخالفة معه في جميع الأبعاد من الزرع والتهيئة والحمل والنقل إلى الممالك المختلفة، لكنّه مخالفة ظاهريّة لا جدّية .
ولذلك نرى على ما نقل الموثّقون المطّلعون أنّ قيمة السكائر في البلدان المترقّية تكون أكثر من قيمتها في بلدان غيرها بكثير ، بحيث لا يمكن شراء مقدار منه في الاُولى بأضعاف القيمة الرائجة في الثانية .
ومن هذا يعلم أنّ غرضهم إشاعة هذه الاُمور جدّاً بين المسلمين ليسهل عليهم الوصول إلى أغراضهم الفاسدة التي يكون هدم أساس الإسلام في أولويّاتها ، خصوصاً بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية بعد مجاهدات كثيرة و تحمّل مشقّات عديدة من مؤسّسها الإمام الماتن (قدس سره) ، ومن تبعه من الناس أعمّ من الروحاني وغيره .
- (1) ص128 ـ 138، مسألة 11.
(الصفحة 75)
مسألة 7 : يجوز بيع الهرّة ويحلّ ثمنها بلا إشكال . وأمّا غيرها من أنواع السباع، فالظاهر جوازه إذاكان ذامنفعة محلّلة مقصودة عندالعقلاء.وكذا الحشرات بل المسوخ أيضاً إذا كانت كذلك، فهذا هو المدار في جميع الأنواع، فلا إشكال في بيع العلق الذي يمصّ الدم الفاسد، ودود القزّ، ونحل العسل وإن كانت من الحشرات، وكذا الفيل الذي ينتفع بظهره وعظمه وإن كان من المسوخ1.
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : بيع الهرّة التي تكون من السباع وإن كانت كثيرة في المنازل وغيرها، والظاهر أنّه لا مانع من الجواز فيه; لعدم كونها من الأعيان النجسة، وثبوت المنفعة المحلّلة المقصودة لها، وقد نفى الإشكال في المتن عن جواز بيعها ، ويدلّ عليه بعض الروايات، مثل:
موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبدالله، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: . . . ولا بأس بثمن الهرّ(1) .
الثاني : غير الهرّة من أنواع السباع ، وقد استظهر في المتن الجواز إذا كان ذا منفعة محلّلة مقصودة عند العقلاء ، والظاهر أنّه لا مانع من جواز بيعها، خصوصاً جلود بعضها على ما سيجيء من دلالة بعض الروايات عليه، مثل:
صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه قال : سألته عن جلود السباع وبيعها وركوبها أيصلح ذلك؟ قال : لا بأس ما لم يسجد عليها(2) ، مضافاً إلى أنّه
- (1) تهذيب الأحكام 6: 356 ح1017، وعنه وسائل الشيعة 17: 119، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب14 ح3.
- (2) مسائل عليّ بن جعفر: 189 ح382، وعنه وسائل الشيعة 17: 172، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب37 ح5.
(الصفحة 76)
مقتضى القاعدة .
الثالث : الحشرات بل المسوخ أيضاً إذا كانت لها منفعة محلّلة مقصودة كما في المتن ، وعليه: فيجوز بيع العلق الذي يمصّ الدم الفاسد، ودود القزّ ونحل العسل، وكذا الفيل الذي ينتفع بظهره وعظمه كصنع المشط منه; لأنّه ـ مضافاً إلى جريان سيرة المتشرّعة عليه ـ يكون على طبق القاعدة ومقتضاها ، وما عن الشيخ في المبسوط(1) من دعوى الإجماع على عدم جواز بيع المسوخ وحرمة الانتفاع بها غير ثابتة. وشبهة النجاسة في الجميع مندفعة كمانعيّة مجرّد النجاسة عن جواز البيع.
و هنا روايات دالّة على الجواز في بعضها، مثل :
رواية عبدالحميد بن سعد قال : سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن عظام الفيل يحلّ بيعه أوشراؤه الذي يجعل منه الأمشاط؟فقال:لابأس، قدكان لأبي منه مشط أو أمشاط(2).
والظاهر أنّ الراوي هو عبد الحميد بن سعد; وهو من رجال صفوان، وقد وثّقهم جماعة، مثل رجال البزنطي وابن أبي عمير وإن كان الجميع قابلاً للمناقشة; لأنّ الوثاقة عندهم لا تدلّ على الثبوت واقعاً، وقد ناقشنا(3) فيما اشتهر في باب أصحاب الإجماع من تصحيح ما يصحّ عنهم، وقلنا بأنّ العبارات الواردة في شأنهم لا تدلّ على أزيد من الإجماع على وثاقة أنفسهم، ولا دلالة في شيء منها على تصحيح مايصحّ عنهم بوجه .
نعم ، قد مرّ في صحيحة ابن أبي يعفور المعروفة الواردة في بحث العدالة المذكورة
- (1) المبسوط: 2 / 166.
- (2) الكافي 5: 226 ح1، تهذيب الأحكام 6: 373 ح1083 و ج7: 133 ح585، وعنهما وسائل الشيعة 17: 171، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب37 ح2.
- (3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحدود: 448 ـ 452.