(الصفحة 53)
مسألة 4 : لا إشكال في جواز بيع الأرواث إذا كانت لها منفعة . وأمّا الأبوال الطاهرة فلا إشكال في جواز بيع بول الإبل ، وأمّا غيره ففيه إشكال، لا يبعد الجواز لو كانت له منفعة محلّلة مقصودة1.
1 ـ الكلام في المسألة في أمرين :
الأوّل : بيع الأرواث الطاهرة والعذرات غير النجسة كروث الأنعام الثلاثة; لما أفاده الشيخ في عبارته المتقدّمة من وجود المقتضى و عدم المانع; لأنّ المفروض أوّلاً: الطهارة وعدم النجاسة ، وثانياً: ثبوت المنفعة العقلائيّة المقصودة لها كالاستفادة منها في مقام إيجاد الحرارة في الشتاء في مثل الكرسي ونحوه .
الثاني : بيع الأبوال الطاهرة كأبوال الأنعام الثلاثة، والتقييد بالطهارة فيها دون الأرواث ; إمّا لأجل أنّ الأرواث لا تشمل غير الطاهرة، بل يطلق عليه العذرة ومثلها، وعلى هذا التقدير يكون الحكم بجواز البيع ظاهراً ، وإمّا لعدم اختصاص الحكم بالأرواث الطاهرة، بل الأرواث النجسة إذا كانت لها منفعة محلّلة مقصودة كذلك، كما عرفت في مثل الدم(1) . والّذي يخطر بالبال استعمال كلمة «الروث» في موثّقة ابن بكير المفصّلة المعروفة الدالّة على فساد الصلاة في أجزاء الحيوان غير المأكول في رديف سائر أجزائه كشعره و وبره(2) .
ولكنّ الذي يساعده النظر عدم شمول الأرواث لغير الطاهرة، خصوصاً مع ملاحظة ما تقدّم من(3) البحث في عذرة الإنسان وغيرها .
- (1) في ص28.
- (2) الكافي 3: 397 ح1، تهذيب الأحكام 2: 209 ح818 ، وعنهما وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب2 ح1.
- (3) في ص16 ـ 34.
(الصفحة 54)
وكيف كان ، فالكلام في الأبوال الطاهرة تارةً: يقع بالإضافة إلى الإبل، واُخرى:بالنسبة إلى غيره; كالبقر والغنم والحمار ومثلها .
أمّا الكلام بالنسبة إلى الأوّل، فنقول : قد نقل الشيخ في أوّل البحث وجود الإجماع على الجواز(1) وإن ناقش فيه في ذيل كلامه; لمخالفة العلاّمة في بعض كتبه(2)وابن سعيد في النزهة(3)، واستدلّ على الجواز ـ مضافاً إلى الإجماع المذكور بجواز شربه اختياراً ـ لما ورد في بعض الروايات من أنّ «أبوال الإبل خير من ألبانها»(4)وبروايتين واردتين في هذا المجال :
إحداهما: موثّقة عمّار بن موسى، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سُئل عن بول البقر يشربه الرجل ، قال : إن كان محتاجاً إليه يتداوى به يشربه، وكذلك أبوال الإبل والغنم(5) .
ثانيتهما : رواية سماعة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شرب الرجل أبوال الإبل والبقر والغنم تنعت له من الوجع، هل يجوز له أن يشرب؟ قال : نعم، لابأس به(6)،(7).
- (1) جامع المقاصد 4: 14.
- (2) نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 2: 463.
- (3) نزهة الناظر: 78.
- (4) الكافي 6: 338 ح1، تهذيب الأحكام 9: 100 ح437، وعنهما وسائل الشيعة 25: 114، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المباحة ب59 ح3.
- (5) تهذيب الأحكام 1: 284 ح832 ، وعنه وسائل الشيعة 25: 113، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المباحة ب60 ح1.
- (6) طب الأئمّة (عليهم السلام) : 62 ـ 63، وعنه وسائل الشيعة 25: 115، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المباحة ب59 ح7.
- (7) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 21 ـ 22.
(الصفحة 55)
والظاهر أنّ المراد من الاحتياج إليه للتداوي ليس هو الاضطرار الرافع للحكم عقلاً ونقلاً; ضرورة أنّ المراد بالاضطرار هناك هو الاضطرار العقلي المسوّغ لأكل الميتة و شرب الخمر ونحوهما ، بل المراد به هو المدخليّة للتداوي وإن لم يكن مضطرّاً إليه، كالتداوي بسائر الأدوية ، وبمثل هاتين الروايتين يقع التخصيص بالإضافة إلى تحريم الخبائث المذكور في الرواية (1)، كما أنّه ظهر جواز البيع للتداوي وإن كان في غير الإبل كالبقر والغنم ونحوهما، ولأجل ما ذكرنا نفى البُعد في المتن عن الجواز في غير الإبل لو كانت له منفعة محلّلة مقصودة، فظهر الكلام بالنسبة إلى المقام الثاني أيضاً .
- (1) أي في رواية تحف العقول المتقدِّمة في ص11 .
(الصفحة 56)بيع المتنجّس
مسألة 5 : لا إشكال في جواز بيع المتنجّس القابل للتطهير، وكذا غير القابل له إذا جاز الانتفاع به مع وصف نجاسته في حال الاختيار، كالدهن المتنجّس الذي يمكن الانتفاع به بالإسراج وطلي السفن، والصبغ والطين المتنجّسين، والصابون ونحو ذلك . وأمّا ما لا يقبل التطهير، وكان جواز الانتفاع به متوقّفاً على طهارته ـ كالسكنجبين النجس ونحوه ـ فلايجوز بيعه والمعاوضة عليه1.
1 ـ المتنجّس الذي يراد بيعه على أقسام :
الأوّل : المتنجّس القابل للتطهير، ولا إشكال في جواز بيعه; سواء كان جواز الانتفاع به متوقّفاً على تطهيره; كالظروف التي يستفاد منها في الأكل أو الشرب، أم لم يكن كذلك كالخشب ونحوها، والوجه فيه واضح ; لوجود المقتضي وعدم المانع; لفرض ثبوت المنفعة المحلّلة المقصودة، ولا دليل على مانعيّة النجاسة فضلاً عن المتنجّس .
الثاني : المتنجّس غير القابل للتطهير إذا جاز الانتفاع به مع وصف نجاسته في حال الاختيار، كالدهن المتنجّس الذي يمكن الانتفاع به في الإسراج وطلي السفن ونحوهما، وسائر الأمثلة المذكورة في المتن، والظاهر أنّه لا إشكال في جواز بيعه ; لأنّ المفروض جواز الانتفاع به في حال الاختيار في هذه الصورة; أي مع وصف النجاسة أيضاً وإن لم يكن قابلاً للتطهير .
الثالث : المتنجّس المذكور مع فرض توقّف جواز الانتفاع به على طهارته كالسكنجبين النجس ، وفي هذا القسم لايجوز بيعه لعدم ثبوت المنفعة المحلّلة المقصودة له في هذه الحالة، وإمكان تطهيره بالماء الكرّ أو الجاري إنّما يتحقّق مع فرض الاستحالة والخروج عن العنوان; لأنّ مجرّد الاتّصال بواحد منهما لايوجب
(الصفحة 57)
ثبوت وصف الطهارة له; لأنّ بقاء العنوان لا يلائم مع ذلك ، فما دام كونه كذلك غير طاهر، ومع خروجه عنه يخرج عن عنوان هذا القسم . ولا بأس أن تجعل تتمّة البحث في أنّ الأصل الأوّلي في المتنجّس جواز الانتفاع أو عدمه، فنقول :
بعد الاتّفاق ظاهراً على أنّ مقتضى أصالة الحلّية والجواز وبعض الآيات الظاهرة في أنّه خلق الله لنا ما في الأرض جميعاً(1) هو الجواز، ربما يتوهّم حكومة بعض الأدلّة ـ الدالّة على المنع ـ عليهما، كعدّة من الآيات وجملة من الروايات .
فمن الآيات قوله ـ تعالى ـ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالاَْنصَابُ وَالاَْزْلَـمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَـنِ فَاجْتَنِبُوهُ}(2). نظراً إلى أنّ المتنجّس من مصاديق الرجس، فيجب الاجتناب المطلق عنه .
والعمدة في الجواب أوّلاً: أنّ الظاهر أنّ الرجس عبارة عن القذارة الباطنيّة كالشرك ومثله، ولا تشمل القذارة الظاهريّة حتّى الأعيان النجسة، ويؤيّده «آية التطهير»(3) الدالّة على إذهاب الرجس عن أهل البيت الشامل لنفس الرسول(صلى الله عليه وآله)، كما بيّناه في رسالتنا في هذه الآية(4)، وإطلاقه على بعض الأعيان النجسة كالكلب لعلّه إنّما هو لأجل ملازماته من عدم دخول الملائكة بيتاً فيه كلب ، وعلى أيّ فلا يشمل المتنجّسات قطعاً ، كما أنّه تؤيّده نفس الآية الدالّة على أنّ الميسر والأنصاب والأزلام رجس; ضرورة عدم ثبوت القذارة الظاهرية فيها .
وثانياً : أنّ وجوب الرجس إنّما تفرّعت في الآية على الرجس الذي يكون من
- (1) سورة البقرة 2: 29.
- (2) سورة المائدة 5: 90.
- (3) سورة الأحزاب 33: 33.
- (4) آية التطهير رؤية مبتكرة: 121 ـ 124.