(الصفحة 269)
لايجوز بمجرّد الإكراه ولو كان الضرر المتوعّد به على تركه كثيراً معتدّاً به ، بل ولو كان بالغاً حدّ الحرج .
الفرض الثالث : الدخول في ولاية الجائر للقيام بمصالح المسلمين وإخوان الدِّين ، وفي المتن: بل لو كان دخوله فيها بقصد الإحسان إلى المؤمنين ودفع الضرر عنهم، كان راجحاً .
واستدلّ الشيخ الأعظم (قدس سره) على الجواز في هذه الصورة بوجوه، عمدتها: أنّ الولاية إن كانت محرّمة لذاتها، كان ارتكابها لأجل المصالح ودفع المفاسد التي هي أهمّ من مفسدة انسلاك الشخص في أعوان الظَلَمة بحسب الظاهر، وإن كانت لاستلزامها الظلم على الغير ، فالمفروض عدم تحقّقه هنا .(1)
ولكنّه أورد عليه بعض الأعلام (قدس سره) بأنّه إن كان المراد من المصالح حفظ النفوس والأعراض ونحوهما، فالمدّعى أعمّ من ذلك، وإن كان المراد منها أنّ القيام باُمور المسلمين، والإقدام على قضاء حوائجهم، وبذل الجهد في كشف كرباتهم من الاُمور المستحبّة، والجهات المرغوب بها في نظر الشارع المقدّس ، فلا شبهة أنّ مجرّد ذلك لايقاوم الجهة المحرّمة; فإنّ المفروض أنّ الولاية من قبل الجائر حرام في نفسها، وكيف ترتفع حرمتها لعروض بعض العناوين المستحبّة عليها(2) .
أقول : يمكن أن يقال بانصراف أدلّة حرمة الولاية المذكورة ـ وإن كانت ذاتية كما هو ظاهرها ـ بالانصراف عن الصورة المفروضة ، فالحرمة لا تكون مرتفعة بالاُمور المستحبّة ، بل دليلها قاصر عن الشمول لهذه الصورة .
- (1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 2: 72.
- (2) مصباح الفقاهة 1: 670.
(الصفحة 270)
ومنه يظهر أنّه لايشمل صورة حفظ النفوس والأعراض ونحوهما بطريق أولى ، ولا تلزم ملاحظة الأهمّ من مصلحة الاُمور المذكورة ومفسدة الإنسلاك في أعوان الظلمة ، بل اللازم رعاية المصلحة .
والظاهر أنّ قبول عليّ بن يقطين(1) الولاية من قبل الرشيد ـ لعنه اللهـ كان من هذا القبيل .
وكذلك قوله ـ تعالى ـ حكاية عن يوسف (عليه السلام) مخاطباً للملك: {اجْعَلْنِى عَلَى خَزَآلـِنِ الاَْرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ}(2)، فتدبّر .
- (1) قرب الإسناد : 305 ح1198، وعنه وسائل الشيعة 17: 198، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب46 ح16، وبحار الأنوار 48: 158 ح32.
- وفي نفس البحار ص38 ح14 وص59 ـ 60 ح72 و73 وص136ـ 137 ح10ـ 12 وص158 ح31، وعوالم العلوم 21: 99 ح6 و106 ح16 وص378 ح38 عن الإرشاد للمفيد 2: 225ـ 229 وإعلام الورى 2: 19 ـ 22 ومناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) لابن شهرآشوب 4: 288 ـ 289، والخرائج والجرائح 1: 334ـ 336 ح25 و 26 وج2: 656 ح9، وعيون المعجزات: 260ـ 261 وقضاء حقوق المؤمنين للصوري: 24 ح25، والكافي 5: 110 ح3.
- وفي إثبات الهداة 3: 193ـ 195 ح73 و74 عن إعلام الورى والإرشاد وكشف الغمّة 2: 224ـ 227 نقلا من الإرشاد.
- وفي وسائل الشيعة 1: 444، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء ب32 ح3 عن الإرشاد.
- وفي مدينة المعاجز 6: 202ـ 206 ح1946 و1947 وص344ـ 350 ح2042 و2043 عن دلائل الإمامة: 322 ح273، وإعلام الورى والإرشاد والمناقب، والثاقب في المناقب: 449ـ 453 ح379 و380 وعيون المعجزات والخرائج والجرائح.
- وفي الصراط المستقيم 2: 192 ح21 عن الخرائج والجرائح وغيره مختصراً.
- ورواه في الفصول المهمّة 2: 947 ـ 949، ونور الأبصار: 304 ـ 305.
- (2) سورة يوسف 12: 55.
(الصفحة 271)
وأمّا قبول علي بن موسى الرضا(عليهما السلام) الولاية(1) من قبل المأمون ـ لعنة الله عليه ـ فهو إمّا أن يكون بالإكراه المقرون بتوعيد القتل، كما هو الظاهر وله قرائن وشواهد . وإمّا أن يكون صوريّاً لم يترتّب عليه فعل وانفعال، كما يشهد به قرائن اُخرى ، وعلى كلا التقديرين فله حكم خاصّ .
- (1) وسائل الشيعة 17: 201ـ 206، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب48، وبحار الأنوار 49: 128ـ 156 ب13، وعوالم العلوم 22: 243ـ 286 ب5 ـ 7.
(الصفحة 272)
مسألة 25 : ما تأخذه الحكومة من الضريبة على الأراضي مع شرائطها ـ جنساً أو نقداًـ و على النخيل والأشجار، يُعامل معها معاملة ما يأخذه السلطان العادل، فيبرأ ذمّة الدافع عمّا كان عليه من الخراج الذي هو اُجرة الأرض الخراجيّة ، ويجوز لكلّ أحد شراؤه وأخذه مجّاناً وبالعوض، والتصرّف فيه بأنواع التصرّف ، بل لو لم تأخذه الحكومة وحوّل شخصاً على من عليه الخراج بمقدار، فدفعه إلى المحتال يحلّ له، وتبرأ ذمّة المحال عليه عمّا عليه ، لكن الأحوط ـ خصوصاً في مثل هذه الأزمنة ـ رجوع من ينتفع بهذه الأراضي، ويتصرّف فيها في أمر خراجها ـ وكذلك من يصل إليه من هذه الأموال شيء ـ إلى حاكم الشرع أيضاً .
والظاهر أنّ حكم السلطان المؤالف كالمخالف، وإن كان الاحتياط بالرجوع إلى الحاكم في الأوّل أشدّ1.
1 ـ لا إشكال في أنّ الأراضي الخراجيّة ملك لجميع المسلمين(1)، ولابدّ من أن تصرف منافعها ـ سواء كانت خراجاً أو مقاسمة ـ في مصالح جميع المسلمين . وكذا لا إشكال في أنّ أمر الخراج والمقاسمة بيد الإمام (عليه السلام) مع حضوره(2) . وأمّا مع غيبته كما في زماننا هذا، فقد ذكر السيّد الطباطبائي في تعليقة المكاسب أقوالاً متعدّدة في هذا المجال (3).
والظاهر أنّه يجوز دفعه إلى السلطان اختياراً; من دون فرق بين المؤالف والمخالف وإن كان الثاني غاصباً للخلافة والإمامة ، ويبدو في بادئ النظر أنّه لا يجوز الأخذ
- (1 ، 2) حاشية كتاب المكاسب للسيّد اليزدي 1: 233، حاشية كتاب المكاسب للايرواني 1: 355، مصباح الفقاهة 1: 830 .
- (3) حاشية كتاب المكاسب للسيّد اليزدي 1: 234 ـ 236.
(الصفحة 273)
منه ، كما أنّه لا يجوز أخذه ويكون ضامناً، إلاّ أنّه قد دلّت الروايات الكثيرة(1) على جواز الردّ إليه والأخذ منه تسهيلاً على الشيعة بعدم وقوعهم في الحرج في المعاملات ومثلها .
نعم ، الظاهر عدم جواز دفع الصدقات إلى الجائر، كما هو مقتضى القاعدة، وإن كان ربما يستأنس من بعض الروايات سيّما مع ملاحظة التعليل في بعضها الجواز(2)، لكنّه مجرّد استئناس لا دليل عليه .
هذا، وقد احتاط في المتن وجوباً رجوع من ينتفع بهذه الأراضي، ويتصرّف فيها في أمر خراجها ـ وكذلك من يصل إليه من هذه الأموال شيء ـ إلى الفقيه وحاكم الشرع أيضاً، خصوصاً فيما إذا أخذه السلطان الغاصب وإن كان الاحتياط فيه أشدّ، كما لايخفى .
- (1) وسائل الشيعة 9: 251 ـ 254، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة ب20، وج15: 155 و157، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ ب71 ح1 و6، وج17: 213ـ 221، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب51 ـ 53.
- (2) راجع وسائل الشيعة 9: 251 ـ 253، كتاب الزكاة أبواب المستحقّين للزكاة ب20.