(الصفحة 5)
المکاسب المحرمة
(الشكر والتقدير)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، الصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أهل بيته الطيّبين ، واللعن على أعدائهم إلى قيام يوم الدين .
أمّا بعد ، فقد روي عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال : إذا أراد الله بعبد خيراً فقّهه في الدين . وممّن أنعم الله عليه بهذه الكرامة في هذا العصر سماحة الفقيه المجاهد المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني متّع الله المسلمين بطول بقائه ، حيث جعله الله من أعلى فقهاء الشيعة، ووفّقه لتأليف موسوعة تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، الذي كان من أكبر تأليفاته وأحسن شروح هذا الكتاب وأقدمه . وكان الإمام الراحل يهتمّ بهذا الشرح .
وهذا المجلّد الذي بين يديك الطبعة الاُولى من كتاب المكاسب من هذه الموسوعة القيّمة ، نسأل الله تعالى دوام عمر المؤلّف والتوفيق لإكمالها .
ولا يخفى عليك أنّ الماتن القائد للثورة الإسلاميّة الإمام الخميني (قدس سره)
(الصفحة 6)
وإن بحث مبسوطاً في المباحث الاستدلاليّة عن المكاسب المحرّمة والبيع في مجلس درسه ، بحيث قرّرت في سبع مجلّدات ، وتعمّق فيها تعمّقاً يُعجب أَهل الدقّة والنظر ، ولكنّه (قدس سره) سلك مسلك الاختصار في بيان فروع المكاسب المحرّمة في التحرير بالنسبة إلى ما طرحها الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) من البحث ، وحيث كان هذا المجلّد شرحاً لهذا الكتاب ، فطبعاً يؤثّر ذلك في اختصاره بالنسبة إلى بقيّة المجلّدات والمباحث .
وقد تمّ هذا المشروع بإشراف حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّدرضا الفاضل القاساني و جهود المحقّقين الأعزّاء حجج الإسلام والمسلمين الشيخ عباد الله السرشار الطهراني الميانجي والشيخ إبراهيم الأميري والسيّد محمّد علي الميرصانع ، والشيخ رضا علي المهدوي ، الذين بذلوا غاية جهودهم في استخراج المصادر وتصحيح المتون . شكر الله مساعيهم وجزاهم الله خير الجزاء .
مركز فقه الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)
محمّد جواد الفاضل اللنكراني
(الصفحة 7)
(كتاب المكاسب والمتاجر)
وهي أنواع كثيرة نذكر جلّها والمسائل المتعلّقة به في طيّ كتب
مقدّمة تشتمل على مسائل :
التكسّب بالأعيان النجسة
مسألة 1 : لا يجوز التكسّب بالأعيان النجسة بجميع أنواعها على إشكال في العموم، لكن لايترك الاحتياط فيها بالبيع والشراء وجعلها ثمناً في البيع، وأُجرة في الإجارة، وعوضاً للعمل في الجعالة، بل مطلق المعاوضة عليها ولو بجعلها مهراً أو عوضاً في الخلع ونحو ذلك ، بل لا يجوز هبتها والصلح عليها بلا عوض، بل لايجوز التكسّب بها ولو كانت لها منفعة محلّلة مقصودة; كالتسميد في العذرة ، ويستثنى من ذلك العصير المغليّ قبل ذهاب ثلثيه بناءً على نجاسته ، والكافر بجميع أقسامه حتى المرتدّ عن فطرة على الأقوى، وكلب الصيد ، بل والماشية
والزرع والبستان والدور1.
1 ـ الظاهر أنّ المكسب والمتجر مصدران ميميان(1)، كما فيما حكي عن مولانا
(الصفحة 8)
أميرالمؤمنين (عليه السلام) من أنّه كان يقول على المنبر : الفقه ثمّ المتجر(1) .
والبحث في حكم المسألة تارةً: من جهة الحكم التكليفي، واُخرى: من جهة الحكم الوضعي وإن كان التعرّض في المتن لهذه المسألة إنّما هو بالإضافة إلى الحكم التكليفي فقط ، والظاهر أنّ متعلّق الحرمة التكليفيّة في المعاملة ليس مجرّد إيقاع صورتها، بل الإنشاء الواقعي بقصد حصول النقل والانتقال ولو مع العلم بعدم التأثير في ذلك، كما فيما إذا كانت محرّمة ولو لم تكن باطلة، كالبيع وقت النداء(2) إذا قلنا بحرمته; فإنّه لا يكون فاسداً ، بل ربما يقال(3) بأنّ النهي في المعاملة يدلّ على صحّتها في صورة عدم الإرشاد إلى البطلان، كأكثر النواهي الواردة في المعاملات بل العبادات ; كقوله : لا تصلِّ في جلد ما لايؤكل لحمه ، ومثله (4). فالغرض هنا بيان متعلّق النهي التكليفي; سواء كانت المعاملة فاسدة أو صحيحة، وهو لا يكون إلاّ الإنشاء الواقعي الملازم لقصد حصول النقل والانتقال .
وبعبارة اُخرى: هنا اُمور متعدّدة لا ينبغي الخلط بينها : أحدها: النهي التكليفي بمعنى الحرمة ، وثانيها: النهي الوضعي للإرشاد إلى البطلان ، وثالثها: كون النهي التكليفي دالاًّ على الفساد أو على الصحّة ، أو أنّه لا دلالة له على شيء من الأمرين . والبطلان في المقام ليس من جهة دلالة النهي التكليفي عليه ، بل من جهة بعض الأدلّة العامّة أو الخاصّة ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
- (1) الكافي 5: 150 ح1، تهذيب الأحكام 7: 6 ح16، الفقيه 3: 121 ح519، وعنها وسائل الشيعة 17: 381، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب1 ح1، وفي بحارالأنوار 103: 117 ح16 عن روضة الواعظين: 465.
- (2) سورة الجمعة 62: 9.
- (3) مصباح الفقاهة 1: 22 ـ 23 و56 ـ 60.
- (4) وسائل الشيعة 4: 345 ـ 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب2.
(الصفحة 9)
هذا، وأمّا النهي التحريمي المتعلّق بالعبادة فلا يكاد يجتمع مع صحّة العبادة، كالنهي عن صوم يوم العيدين; ضرورة أنّ النهي يدلّ على المبغوضيّة وكون الصوم يوم العيدين مبعّداً ومبغوضاً، وهو لا يتلائم مع قصد التقرّب المعتبر في صحّة العبادة، بخلاف مادّة الاجتماع في اجتماع الأمر والنهي، كالصلاة في الدار المغصوبة; فإنّ التحقيق هناك مغايرة متعلّق الأمر مع متعلّق النهي وإن وقع بينهما الاتّحاد في الخارج، وفي الحقيقة لم يتعلّق النهي هناك بالعبادة ، بل بعنوان آخر .
وهذا بخلاف صوم يوم العيدين; فإنّ النهي قد تعلّق بعنوان العبادة، وليس النهي راجعاً إلى حرمة التشريع.
ضرورة أنّ الصائم أحد اليومين يستحقّ العقوبة من حيث نفس الصوم لا من حيث التشريع ، مع أنّه ربما يقال بعدم إمكانه من حيث هو، فكونه عبادة منهيّاً عنها ترجع إلى أنّها لو كانت مأموراً بها ولو على سبيل الاستحباب لكان قصد القربة معتبراً في صحّتها ، مع أنّه لو كان بنحو التشريع لم يلزم أن يكون بصورة النهي، ولم يستحقّ العقاب إلاّ على التشريع، لا على الصوم في المثال المذكور. فانقدح إمكان اجتماع العبادة مع الحرمة التكليفيّة غير التشريعيّة وإن لم تكن صحيحة .
أمّا من جهة الحكم التكليفي، فمن الأدلّة المهمّة في هذا الباب ـ وإن لم تكن
عامّة لجميع الموارد قوله ـ تعالى ـ : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِى وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ
إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ}(1) إلى آخر الآية الشريفة ; نظراً إلى أنّ الحرمة لا يمكن أن تتعلّق بالأعيان; لأنّ موضوع التكاليف الخمسة هو فعل المكلّف وعمله، فلا محالة يكون