(الصفحة 266)
إجارة الحائض لكنس المسجد ومثلها(1) .
الفرض الثاني : الدخول في الولاية من قبل الجائر مكرهاً عليه ، ويظهر من المتن أوّلاً الجواز في هذه الصورة إلاّ بالإضافة إلى الدم; فإنّ مشروعيّة التقيّة إنّما هي لأن تحقن بها الدماء، فلا تسوّغ التقيّة إراقة الدم ، لكنّه أشكل في المتن في إطلاق حكم التقيّة بالنسبة إلى غير إراقة الدم ، وشموله لبعض أنواع الظلم، كالأمثلة المذكورة في المتن ، بل منع من ذلك .
ولعلّ الوجه فيه ما ذكرناه في بعض موارد هذا الشرح; من أنّه لا مجال للالتزام برفع الحرمة عن العمل المكره عليه في غير الدم مطلقاً; أي ولو كان العمل المكره عليه أعظم من حيث مرتبة الحرمة، وأشدّ ممّا توعّد به من الضرر المالي أو العرضي مثلاً ، كما لو فرض إكراه الشخص على ا لزنا بزوجة ذات بعل; فإنّه هل يمكن توهّم الجواز بمجرّد كون الضرر المتوعّد به ماليّاً أو عرضياً لا يبلغ العمل المكره عليه من حيث مرتبة الحرمة بوجه، كسبّه مثلاً ولو بمحضر من الناس .
ولا ينافي ذلك ما اشتهر من قصّة عمّار وأبويه(2) ، حيث إنّ العمل المكره عليه والقول على طبق مقالتهم وإن كان مرتبطاً بالشرك وبإنكار الرسالة المحمّدية(صلى الله عليه وآله)، إلاّ أنّ ما توعّد به على الترك كان هو القتل، كما ارتكبوه بالإضافة إلى من لم يطعهم
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 17 ـ 37.
- (2) الكشف والبيان، المعروف بـ «تفسير الثعلبي» 6: 45، تفسير البغوي 3: 98، الكشّاف 2: 636، مجمع البيان 6: 191، التفسير الكبير للفخر الرازي 7: 273ـ 274، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10: 180، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، المعروف بتفسير البيضاوي 3: 241، تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان 4: 309، إرشاد العقل السليم، المعروف بـ «تفسير أبي السعود» 4: 384، وسائل الشيعة 16: 226 و 230، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهي ب29 ذح2 و13، وتفسير كنز الدقائق 5: 404 و 405 و 407.
(الصفحة 267)
وانصرفوا عن قتل مَن أطاعوهم ، ولذا وردت الآية الشريفة(1) وقوله ـ تعالى ـ : {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُو مُطْمَـلـِنُّم بِالاِْيمَـنِ}(2).
ومحصّل المقال في هذا المجال أن يقال ـ وعلى الله الاتّكال ـ : إنّه إذا كان الأمر الذي وقع التوعيد عليه عند عدم الإتيان بالمكره عليه هو القتل يسوغ بسبب هذا النحو من الإكراه كلّ محرّم سوى القتل وإن كان في أعلى درجة الكبر، كالشرك الذي صرّح في بعض الروايات بأنّه أكبر الكبائر(3).
و لعّله يدلّ عليه قوله ـ تعالى ـ : {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِى وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَ لِكَ لِمَن يَشَآءُ}(4) ، والظاهر أنّه لا فرق بين أنواع الشرك ولو الشرك في العبادة ، كما كان هو المعمول بين أعراب الجاهليّة والشائع في بدو الإسلام .
وأمّا القتل المكره عليه، فلا يجوز بالإكراه الذي تكون مشروعيّة رفعه
تحقّن الدماء وحفظها . وأمّا إذا كان الأمر الذي وقع التوعيد عليه غير القتل
من المال والعرض ومثلهما، فالظاهر أنّه لا مجال للالتزام برفع الإكراه في مثله ،
بل لابدّ من ملاحظة النسبة من حيث الأهمّية، فهل يتوهّم الحلّية في المثال
الذي ذكرناه بمجرّد عروض لطمة لعرضه ولو ببعض المراتب الضعيفة، أو عروض خسارة ماليّة عليه ولو كانت كثيرة جدّاً ، إلاّ أن يتمسّك بالإطلاق في
- (1) أي قوله تعالى ـ في سورة آل عمران آية 28:(لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَـفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَ لِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِى شَىْء إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَــةً) إلخ.
- (2) سورة النحل 16: 106.
- (3) وسائل الشيعة 15: 319، 322، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح2 ،8 وبحار الأنوار 79: 6 ح7 وج88 : 26.
- (4) سورة النساء 4: 48.
(الصفحة 268)
حديث الرفع (1)، ومن الواضح عدم الجواز.
نعم، يشكل الأمر في الموارد التي لم تظهر أهمّية أحد الطرفين خصوصاً مع ظهور كلامهم في الإطلاق، وعدم وقوع التعرّض لهذه الجهة إلاّ في مثل المتن الذي عرفت أنّ ظاهر ابتداء كلامه الجواز بمجرّد تحقّق الإكراه . نعم ، قد وقعت الخدشة منه في كتاب البيع(2) في بعض الاُمور التي اعتبره الشيخ الأنصاري (قدس سره) في الإكراه، لكنّه أمر آخر يغاير المقام .
وكيف كان، لا مجال للالتزام بأنّ الإكراه يرفع الحرمة عن كلّ محرّم سوى الدم ، بل لابدّ من ملاحظة الموارد ومراتب الحرمة .
ومنه ينقدح الإشكال بل المنع في الموارد المذكورة في المتن من هتك أعراض طائفة من المسلمين، ونهب أموالهم، وسبي نسائهم، ومثل ذلك من الموارد; فإنّه
- (1) الفقيه 1: 36 ح132، الخصال: 417 ح9، التوحيد: 353 ح24، وعنها وسائل الشيعه 7: 293، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة ب37 ح2، وج8 : 249، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب30 ح2.
- وفي ج15: 369 ـ 370، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس ب56 ح1 ـ 3 عن الخصال والتوحيد: 353 ح24 والكافي 2: 462، 463 ح1 و 2.
- و في ج16: 218، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهي ب25 ح10 عن تفسير العيّاشي 1: 160 ح534.
- وفي ج23: 237، كتاب الأيمان ب16 ح3 ـ 6 عن نوادر ابن عيسى: 74 ـ 75 ح157ـ 160 والمحاسن 2: 70 ح1195.
- وفي بحار الأنوار 5: 303 ـ 305 ح13 ـ 18 عن الخصال والتوحيد ونوادر ابن عيسى، وفي ج104: 154 ح60 وص195 ح12 وص288 ح24 عن المحاسن.
- وفي مستدرك الوسائل 12: 23 ـ 25 ح13402 ـ 13408، 13410 و 13411 عن الاختصاص: 31 وتفسير العيّاشي ونوادر ابن عيسى وفقه الرضا (عليه السلام) : 386 ودعائم الإسلام 1: 274 وج2: 95 ح299.
- (2) كتاب البيع للإمام الخميني(رحمه الله) 2: 84 .
(الصفحة 269)
لايجوز بمجرّد الإكراه ولو كان الضرر المتوعّد به على تركه كثيراً معتدّاً به ، بل ولو كان بالغاً حدّ الحرج .
الفرض الثالث : الدخول في ولاية الجائر للقيام بمصالح المسلمين وإخوان الدِّين ، وفي المتن: بل لو كان دخوله فيها بقصد الإحسان إلى المؤمنين ودفع الضرر عنهم، كان راجحاً .
واستدلّ الشيخ الأعظم (قدس سره) على الجواز في هذه الصورة بوجوه، عمدتها: أنّ الولاية إن كانت محرّمة لذاتها، كان ارتكابها لأجل المصالح ودفع المفاسد التي هي أهمّ من مفسدة انسلاك الشخص في أعوان الظَلَمة بحسب الظاهر، وإن كانت لاستلزامها الظلم على الغير ، فالمفروض عدم تحقّقه هنا .(1)
ولكنّه أورد عليه بعض الأعلام (قدس سره) بأنّه إن كان المراد من المصالح حفظ النفوس والأعراض ونحوهما، فالمدّعى أعمّ من ذلك، وإن كان المراد منها أنّ القيام باُمور المسلمين، والإقدام على قضاء حوائجهم، وبذل الجهد في كشف كرباتهم من الاُمور المستحبّة، والجهات المرغوب بها في نظر الشارع المقدّس ، فلا شبهة أنّ مجرّد ذلك لايقاوم الجهة المحرّمة; فإنّ المفروض أنّ الولاية من قبل الجائر حرام في نفسها، وكيف ترتفع حرمتها لعروض بعض العناوين المستحبّة عليها(2) .
أقول : يمكن أن يقال بانصراف أدلّة حرمة الولاية المذكورة ـ وإن كانت ذاتية كما هو ظاهرها ـ بالانصراف عن الصورة المفروضة ، فالحرمة لا تكون مرتفعة بالاُمور المستحبّة ، بل دليلها قاصر عن الشمول لهذه الصورة .
- (1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 2: 72.
- (2) مصباح الفقاهة 1: 670.
(الصفحة 270)
ومنه يظهر أنّه لايشمل صورة حفظ النفوس والأعراض ونحوهما بطريق أولى ، ولا تلزم ملاحظة الأهمّ من مصلحة الاُمور المذكورة ومفسدة الإنسلاك في أعوان الظلمة ، بل اللازم رعاية المصلحة .
والظاهر أنّ قبول عليّ بن يقطين(1) الولاية من قبل الرشيد ـ لعنه اللهـ كان من هذا القبيل .
وكذلك قوله ـ تعالى ـ حكاية عن يوسف (عليه السلام) مخاطباً للملك: {اجْعَلْنِى عَلَى خَزَآلـِنِ الاَْرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ}(2)، فتدبّر .
- (1) قرب الإسناد : 305 ح1198، وعنه وسائل الشيعة 17: 198، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب46 ح16، وبحار الأنوار 48: 158 ح32.
- وفي نفس البحار ص38 ح14 وص59 ـ 60 ح72 و73 وص136ـ 137 ح10ـ 12 وص158 ح31، وعوالم العلوم 21: 99 ح6 و106 ح16 وص378 ح38 عن الإرشاد للمفيد 2: 225ـ 229 وإعلام الورى 2: 19 ـ 22 ومناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) لابن شهرآشوب 4: 288 ـ 289، والخرائج والجرائح 1: 334ـ 336 ح25 و 26 وج2: 656 ح9، وعيون المعجزات: 260ـ 261 وقضاء حقوق المؤمنين للصوري: 24 ح25، والكافي 5: 110 ح3.
- وفي إثبات الهداة 3: 193ـ 195 ح73 و74 عن إعلام الورى والإرشاد وكشف الغمّة 2: 224ـ 227 نقلا من الإرشاد.
- وفي وسائل الشيعة 1: 444، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء ب32 ح3 عن الإرشاد.
- وفي مدينة المعاجز 6: 202ـ 206 ح1946 و1947 وص344ـ 350 ح2042 و2043 عن دلائل الإمامة: 322 ح273، وإعلام الورى والإرشاد والمناقب، والثاقب في المناقب: 449ـ 453 ح379 و380 وعيون المعجزات والخرائج والجرائح.
- وفي الصراط المستقيم 2: 192 ح21 عن الخرائج والجرائح وغيره مختصراً.
- ورواه في الفصول المهمّة 2: 947 ـ 949، ونور الأبصار: 304 ـ 305.
- (2) سورة يوسف 12: 55.