(الصفحة 206)عمل السحر و مايلحق به
مسألة 16 : عمل السحر وتعليمه وتعلّمه والتكسّب به حرام ، والمراد به مايعمل من كتابة أو تكلّم أو دخنة أو تصوير أو نفث أو عقد ونحو ذلك يؤثّر في بدن المسحور، أو قلبه أو عقله، فيؤثّر في إحضاره، أو إنامته، أو إغمائه، أو تحبيبه، أو تبغيضه، ونحو ذلك .
ويلحق بذلك استخدام الملائكة، وإحضار الجنّ وتسخيرهم، وإحضار الأرواح وتسخيرها، وأمثال ذلك ، بل يلحق به ـ أو يكون منه ـ الشعبذة; وهي إراءة غير الواقع واقعاً بسبب الحركة السريعة .
وكذلك الكهانة; وهي تعاطي الأخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان، بزعم أنّه يلقي إليه الأخبار عنها بعض الجانّ ، أو بزعم أنّه يعرف الاُمور بمقدّمات وأسباب يستدلّ بها على مواقعها .
والقيافة; وهي الاستناد إلى علامات خاصّة في إلحاق بعض الناس ببعض، وسلب بعض عن بعض على خلاف ما جعله الشارع ميزاناً للإلحاق وعدمه; من الفراش وعدمه.
والتنجيم; وهو الإخبار عن البتّ و الجزم عن حوادث الكون; من الرخص والغلاء والجدب والخصب، وكثرة الأمطار وقلّتها، وغير ذلك من الخير والشرّ والنفع والضرر، مستنداً إلى الحركات الفلكيّة والنظرات والاتّصالات الكوكبيّة، معتقداً تأثيرها في هذا العالم على نحو الاستقلال أو الاشتراك مع الله ـ تعالى عمّا يقول الظالمون ـ دون مطلق التأثير، ولو بإعطاء الله ـ تعالى ـ إيّاها إذا كان عن دليل قطعيّ.
وليس منه الإخبار عن الخسوف والكسوف والأهِلّة، واقتران الكواكب
(الصفحة 207)
وانفصالها، بعد كونه ناشئاً عن اُصول وقواعد سديدة، والخطأ الواقع منهم أحياناً ناشئ من الخطأ في الحساب وإعمال القواعد كسائر العلوم1.
1 ـ قد وقع التعرّض في هذه المسألة لجملة من العناوين المحرّمة التي
منها :
عمل السحر وتعليمه وتعلّمه والتكسّب به; فإنّه حرام بلا خلاف(1) ظاهراً ، بل ربما يدّعى أنّه ضروريّ(2) ، والظاهر أنّ المراد كونه من ضرورة الفقه لا ضروريّ الدِّين ، والأخبار الواردة في ذلك مستفيضة، ويدلّ على حرمته ثبوت حدّ القتل في مورده مع عدم ثبوت مثل هذا الحدّ حتّى في الزنا إلاّ في بعض موارده; كالزنا مع الإحصان(3)، أو مع ذات النسب(4)، ومثلهما .
وبالجملة: لا إشكال في حرمته، والتعبيرات الواقعة بالإضافة إليه في الروايات تدلّ على بلوغه في الحرمة المرتبة العالية .
ففي موثّقة السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه(عليهما السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : ساحر المسلمين يُقتل وساحر الكفّار لا يقتل ، قيل : يارسول الله لِمَ لا يُقتل ساحر
- (1) الخلاف 5: 329 مسألة 15، منتهى المطلب 2: 1014، الطبعة الحجريّة، كفاية الفقه، المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 440، مستند الشيعة 14: 111، جواهر الكلام 22: 75، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 257، مصباح الفقاهة 1: 445.
- وفي مجمع الفائدة والبرهان 8 : 78، أنّه إجماع (إجماعيّ خ ل) بين المسلمين.
- (2) جواهر الكلام 22: 75، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 257.
- وفي إيضاح الفوائد ج1 / 405: كلّ ذلك محرّم في شريعة الإسلام، ومستحلّه كافر. وكذا في التنقيح الرائع ج2 / 12 مثله، إلاّ أنّ فيه: والكلّ حرام.
- (3) وسائل الشيعة 28: 61 ـ 67، كتاب الحدود، أبواب حدّ الزنا ب1.
- (4) وسائل الشيعة 28: 113 ـ 116، كتاب الحدود، أبواب حدّ الزنا ب19.
(الصفحة 208)
الكفّار؟ قال : لأنّ الشرك أعظم من السّحر ; لأنّ السحر والشرك مقرونان(1) .
وفي رواية أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : ثلاثة لا يدخلون الجنّة : مدمن خمر، ومدمن سحر، وقاطع رحم ، الحديث(2) .
وفي رواية أبي البختري، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه(عليهما السلام)، أنّ عليّاً (عليه السلام) قال : من تعلّم شيئاً من السحر قليلاً أو كثيراً فقد كفر، وكان آخر عهده بربّه وحدّه أن يُقتل إلاّ أن يتوب(3) .
ثمّ إنّه حكى الشيخ الأعظم (قدس سره) عن بعض أهل اللغة: أنّ السحر ما لطف
مأخذه ودقّ(4). وعن بعضهم: أنّه صرف الشيء عن وجهه(5) ، وعن ثالث: أنّه
- (1) الكافي 7: 260 ح1، تهذيب الأحكام 10: 147 ح583، الفقيه 3: 371 ح1752، علل الشرائع: 546 ب338 ح1، وعنها وسائل الشيعة 17: 146، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب25 ح2، وج28: 365، كتاب الحدود، أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ب1 ح1.
- وفي بحار الأنوار 79: 212 ح9 عن العلل، وفي ص214 ح13 عن النوادر للراوندي: 90 ح24، وفي مستدرك الوسائل 13: 106، 107، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب22 ح14906 و14908، وج18: 191، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ب1 ح22474 و22476 عن الجعفريّات: 128 ودعائم الإسلام 2: 482 ح1725 باختلاف يسير.
- (2) الخصال: 179 صدر ح243، معاني الأخبار: 330 صدر ح1، وعنهماوسائل الشيعة15: 346، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس ب49 صدر ح19، وج17: 148، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب26 ح6 وج25: 304، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة ب9 صدر ح21، وبحارالأنوار 79: 129 ح15.
- (3) قرب الإسناد: 152 ح554، وعنه وسائل الشيعة 17: 148، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب25 ح7 وبحار الأنوار 79: 210 ح1.
- وفي وسائل الشيعة 28: 367، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ب3 ح2 عن تهذيب الأحكام 10: 147 ح586.
- (4) الصحاح 1: 555، القاموس المحيط 2: 108.
- (5) النهاية في غريب الحديث والأثر 2: 346.
(الصفحة 209)
الخدع (1)، وعن رابع: أنّه إخراج الباطل في صورة الحقّ(2) ،(3).
والتحقيق أن يُقال ـ بعد كون معنى السحر كما يقتضيه ملاحظة موارد استعماله ومشتقّاته هو الصرف ـ : إنّ التأمّل القرآني يقتضي الذهاب إلى ثبوت أمرين في السحر، خصوصاً ما ورد في قصّة السحرة مع موسى (عليه السلام) :
أحدهما: كون الصور المبدعة فيه تخيّليّة، لا بمعنى التخيّل المجامع لاحتمال الخلاف ، بل بمعنى التخيّل المقرون بزعم كونها الصور الواقعيّة والاُمور الحقيقيّة .
ثانيهما : تأثير تلك الصور المرئيّة ونظيرها حقيقةً وتكويناً ، فانظر إلى قوله ـ تعالى ـ : {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِهِى خِيفَةً مُّوسَى}(4) ، حيث جمع فيه بين كون الحبال والعصيّ يخيّل أنّها تسعى، وبين حصول الخوف لموسى النبيّ (عليه السلام) ، مع أنّه كان طرف المقابلة .
وكذا يستفاد ممّا ورد في قصّة الملكين النازلين ببابل بعد شيوع السحرة المموّهون بعد نوح (عليه السلام) (5)، وكان الغرض من إنزالهما تعليم الناس السحر بواسطة نبيّ الوقت ليستطيعوا إبطال السحر الرائج ، وفي هذه القصّة قوله ـ تعالى ـ :
- (1) الصحاح 1: 555، معجم تهذيب اللغة 2: 1640.
- (2) مجمل اللّغة: 488، تاج العروس 6: 503، لسان العرب 3: 253.
- (3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 258.
- (4) سورة طه 20: 66 ـ 67.
- (5) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 267 ـ 268 قطعة من ح1، التفسير المنسوب إلى الإمام أبي محمّد الحسن بن علي العسكري(عليهما السلام) : 473 ـ 474 قطعة من ح304، وعنهما بحار الأنوار 59: 320 قطعة من ح3، وفي وسائل الشيعة 17: 147، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب25 ح4 عن العيون.
- وفي البرهان في تفسير القرآن 1: 293ـ 294 قطعة من ح569 عن تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) .
(الصفحة 210)
{فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِى بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِى}(1) ; فإنّ ظاهره تأثير السحر في حصول التفرقة جدّاً حقيقة ، وكذا قوله ـ تعالى ـ : {وَ مِن شَرِّ النَّفَّـثَـتِ فِى الْعُقَدِ}(2) الظاهر في ثبوت الشرّ واقعاً لهذه الطائفة ، وغير ذلك من الموارد .
وبالجملة : السحر لا يكون قادراً على تغيير الحقيقة النوعيّة وإيجاد الصور الواقعيّة ، بل له القدرة على إيجاد الصور التخيّليّة الموجبة لأثرات تكوينيّة خاصّة ، ولعلّه لذلك يكون أصل معناه الصرف . قال في مجمع البحرين : {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا}(3); أي مصروفاً عن الحقّ(4) ، ويظهر ذلك من بعض الروايات أيضاً ، ولا منافاة بين ما ذكرناه، وبين المعنى الذي ذكره بعض أهل اللغة; من أنّ السحر ما لطف مأخذه ودقّ ; فإنّ لطافة المأخذ ودقّته لا يرجع إلى تغيير الحقيقة النوعيّة، كما لايخفى .
ثمّ إنّ عمدة الفرق بين السحر والمعجزة ترجع إلى أمرين :
الأوّل : ما عرفت من أنّ السحر لا يقدر على الحقيقة النوعيّة وإيجاد الصور الواقعيّة ، بل له القدرة على إيجاد الصور التخيّليّة; وإن كان يترتّب عليها آثار تكوينيّة حقيقيّة .
وأمّا المعجزة، فهي قادرة على إيجاد الصور الواقعيّة ، غاية الأمر أنّ خرق العادة الموجود فيه إنّما هو بالإضافة إلى تقريب الأسباب ورفع الموانع ; فجعل الشجر اليابس أخضر في فصل الشتاء مرجعه إلى تقريب الأزمنة المؤثّرة في ذلك عادةً
- (1) سورة البقرة 2: 102.
- (2) سورة الفلق 113: 4.
- (3) سورة الإسراء 17: 47.
- (4) مجمع البحرين 2: 823 .