(الصفحة 236)
مسألة 21 : يجب على كلّ من يباشر التجارة وسائر أنواع التكسّب تعلّم أحكامها والمسائل المتعلِّقة بها ليعرف صحيحها عن فاسدها، ويسلم من الربا ، والقدر اللازم أن يكون عالماً ـ ولو عن تقليد ـ بحكم التجارة والمعاملة التي يوقعها حين إيقاعها، بل ولو بعد إيقاعها إذا كان الشكّ في الصحّة والفساد فقط ، وأمّا إذا اشتبه حكمها من جهة الحرمة والحلّية ـ لا من جهة مجرّد الصحّة والفساد ـ يجب الاجتناب عنها، كموارد الشكّ في أنّ المعاملة ربويّة، بناءً على حرمة نفس المعاملة أيضاً، كما هو كذلك على الأحوط1.
1 ـ كما أنّه يجب على كلّ من يباشر التجارة وسائر أنواع التكسّب، تعلّم الأحكام الوجوبيّة العباديّة التي قد تتحقّق في ضمنها، كالخمس بالإضافة إلى ما يرتبط به ممّا يفضل من الأرباح عن مؤونة السنة وسائر الاُمور المتعلّقة له إذا كان كسباً له، كالمعدن والكنز وغيرهما، وكالزكاة فيما إذا تحقّق النصاب في ملكه وكان كسبه متعلِّقاً للزكاة، كالحنطة والشعير والغنم والإبل وغيرهما .
كذلك يجب عليه تعلّم أحكام نفس التجارة وسائر أنواع التكسّب من حيث الصحّة والفساد، ومن حيث الحلّية والحرمة كما في الربا، بناءً على ثبوت الحرمة التكليفيّة للمعاملة الربويّة أيضاً ، والدليل على وجوب التعلّم في الأمرين واحد ، مضافاً إلى ما اشتهر في المقام عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) من قوله : الفقه ثمّ المتجر(1) ، فلا إشكال في لزوم التعلّم ليعرف الصحيح من الفاسد ويسلم من الرِّبا .
- (1) الكافي 5: 150 ح1، الفقيه 3: 121 ح519، تهذيب الأحكام 7: 6 ح16، وعنها وسائل الشيعة 17: 381، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب1 ح1.
- وفي بحار الأنوار 103: 117 ح16 عن روضة الواعظين: 465.
- وفي مستدرك الوسائل 13: 248 ح15265 عن عوالي اللئالي 3: 201 ح31.
(الصفحة 237)
لكنّ القدر اللازم كما في المتن أنّه إذا كان الأمر دائراً بين الصحّة والفساد من دون أن يكون هناك حكم تكليفيّ متعلّق بنفس المعاملة، كما إذا دار الأمر بين كون المعاملة واجدة لشرط التأثير، أو فاقدة له ، فاللاّزم أن يكون عالماً بحكم المعاملة ولو عن تقليد ، إمّا حين إيقاعها، وإمّا بعد الإيقاع من دون ترتيب الأثر عليها; لجريان أصالة الفساد وعدم ترتّب الأثر، ولا مجال لجريان أصالة الصحّة، أمّا بالإضافة إلى صورة عدم الإيقاع بعد فواضح .
وأمّا بالإضافة إلى صورة الإيقاع; فلأنّ مجرى أصالة الصحّة إنّما هي الشبهات الموضوعيّة، دون الشبهات الحكميّة المفروضة في المقام ، فإذا شككنا مثلاً في أنّ العقد الواقع هل يكون إيجابه مقدّماً على القبول أم لا ؟ وفرض لزوم تأخّر القبول مطلقاً، فأصالة الصحّة تحكم بصحّة العقد الواقع . وأمّا إذا شككنا في أنّ العقد الواقع مع غير الصيغة العربيّة قطعاً، وشككنا في اعتبار العربيّة مثلاً، فلا مجال لإجراء أصالة الصحّة والحكم بها، كما لايخفى .
وإذا كان الأمر دائراً بين الحلّية والحرمة مضافاً إلى الصحّة والفساد، فاللازم أن يكون عالماً بحكم المعاملة حين الإيقاع، ولا مجال لإجراء أصالة الحلّية; فإنّها وإن كانت جارية في الشبهات الحكميّة والشبهات الموضوعيّة معاً ، فكما أنّه يجري فيما إذا دار أمر مايع بين أن يكون خلاًّ أو خمراً ، كذلك يجري في مثل شرب التتن من الشبهات الحكميّة، كما في المثال المعروف في باب أصالة البراءة من علم الاُصول(1).
والوجه في عدم جريانها في المقام ولزوم الاجتناب عن المعاملة التي يريد إيقاعها مع الشكّ في حلّيتها، هو أنّ جريان أصالة الحلّية ومثلها إنّما هو فيما إذا
- (1) فرائد الاُصول (تراث الشيخ الأعظم) 2: 46 ـ 49 وغيره.
(الصفحة 238)
تفحّص بالمقدار اللازم وصار مأيوساً عن الظفر بدليل الحرمة، والمفروض في المقام القدرة على تعلّم الحكم ولو تقليداً .
فانقدح أنّه لا مجال لجريان أصالة الصحّة مطلقاً، ولا لجريان أصالة الحلّية حال الإيقاع; إذ لا معنى لها بعده، كما لايخفى .
ثمّ إنّه ظهر أنّ قوله في المتن : «إذا كان الشكّ في الصحّة والفساد فقط» راجع إلى أصل المطلب لا خصوص ما بعد الإيقاع ; لأنّه لا معنى للزوم الاجتناب بالإضافة إلى هذه الصورة ، فالتفصيل مرتبط بأصل المطلب . غاية الأمر أنّ عدم جريان أصالة الصحّة بالإضافة إلى الصورتين ، وأمّا عدم جريان أصالة الحلّية فإنّما يتصوّر بالنسبة إلى صورة عدم الإيقاع .
ثمّ إنّ التشقيق في التجارة وجعل دوران أمرها بين الصحيحة والباطلة، وبين الحلّية والحرمة التكليفيّة مضافة إلى الوضعيّة، كما يدلّ عليه أصل التفصيل، ويشعر به قوله: «لا من جهة مجرّد الصحّة والفساد» ربما يظهر منه أنّه لا يكون في التجارة شقّاً ثالثاً متمحّضاً في الحكم التكليفي المشتبه في المقام كما هو المفروض ، مع أنّه يوجد فيها هذا الشق، كالبيع وقت النداء الذي يدلّ على تحريمه قوله ـ تعالى ـ : {وَ ذَرُواْ الْبَيْعَ}(1) ، والظاهر أنّه في فرض مثله المشتبه لا مجال لإجراء أصالة الحلّية أيضاً; لما ذكرنا من الوجه .
ثمّ إنّ التحقيق في باب الربا من جهة ثبوت الحكمين في المعاملة الربويّة وعدمه وإن كان محلّه غير المقام، خصوصاً مع وجود فروع كثيرة وثبوت الحيل الشرعيّة فيها أو عدمه، إلاّ أنّه ينبغي الإشارة في كمال الإجمال إلى أنّ المراد من
(الصفحة 239)
قوله ـ تعالى ـ : {وَحَرَّمَ الرِّبَواْ}(1) بعد قوله : {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}(2) ، وإن كان هي الحرمة الوضعيّة بقرينة حلّية البيع التي لا محالة يكون المراد منها هي الحلّية الوضعيّة الإمضائية ، إلاّ أنّ التعبيرات في الكتاب العزيز بمثل قوله : {فَأْذَنُواْ بِحَرْب مِّنَ اللَّهِ}(3).
وفي الروايات بأنّ الربا أعظم من الزنا بذات المحرم، وفي بعضها إضافة في بيت الحرام(4) ربما يلائم الحرمة التكليفيّة الشديدة، خصوصاً مع التوجّه إلى عدم ثبوت المراتب في الحكم الوضعي وهو البطلان، وثبوته في الحكم التكليفي من أجل ثبوت المعاصي الكبيرة والصغيرة، واختلاف المعاصي الكبيرة، وعمدتها الشرك بالله تعالى، كما هو المذكور في محلّه .(5)
- (1 ،2) سورة البقرة 2: 275.
- (3) سورة البقرة 2: 279.
- (4) وسائل الشيعة 18: 117 ـ 118، كتاب التجارة، أبواب الربا ب1 ح1، 5، 6، 12، 18، 19 و22، والوافي 17: 375 ح17458، وص381 ح17472 و 17473، وبحار الأنوار 103: 116 ح5 وص117 ح13 وص119 ح22، ومستدرك الوسائل 13: 331 ح15503.
- (5) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، الاجتهاد و التقليد: 344.
(الصفحة 240)
مسألة 22 : للتجارة والتكسّب آداب مستحبّة ومكروهة :
أمّا المستحبّة: فأهمّها: الإجمال في الطلب والاقتصاد فيه بحيث لا يكون مضيّعاً ولا حريصاً .
ومنها : إقالة النادم في البيع والشراء لو استقاله .
ومنها : التسوية بين المتبايعين في السعر، فلا يفرّق بين المماكس وغيره، بأن يقلّل الثمن للأوّل ويزيده للثاني . نعم ، لابأس بالفرق بسبب الفضل والدِّين ونحو ذلك ظاهراً .
ومنها : أن يقبض لنفسه ناقصاً ويُعطي راجحاً1.
1 ـ يدلّ على استحباب الإجمال في الطلب والاقتصار فيه بالنحو المذكور في المتن رواية عبدالله بن سليمان قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : إنّ الله ـ عزّوجلّ ـ وسّع في أرزاق الحمقى ليعتبر العقلاء، ويعلموا أنّ الدُّنيا ليس ينال ما فيها بعمل ولا حيلة(1) .
ومرسلة ابن فضّال، عمّن ذكره، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيّع، ودون طلب الحريص الراضي بدنياه، المطمئنّ إليها ، ولكن أنزل
- (1) الكافي 5: 82 ح10، تهذيب الأحكام 6: 322 ح884، وعنهما وسائل الشيعة 17: 48، كتاب التجارة، أبواب مقدّماتها ب13 ح1 والوافي 17: 55 ح16850.
- وفي مرآة العقول 19: 30 ح10 عن الكافي.
- وفي ملاذ الأخيار 10: 258 ح5 عن التهذيب.
- وفي بحار الأنوار 103: 28 ح47 ومستدرك الوسائل 13: 33 ح14663 عن علل الشرائع: 92 ب83ح1.
- وفي بحار الأنوار 103: 34 ذح 63 عن تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 1: 14، وفي ص35 ح70 عن التمحيص: 53 ح102.