(الصفحة 126)
ولا مجال لتوهّم ثبوت عدم الخلاف فضلاً عن الإجماع على عدم الفصل، خصوصاً مع ما عرفت من الوسائل (1) .
وأمّا بالنسبة إلى بيع العنب ممّن يعلم أنّه يجعله خمراً، خصوصاً بالإرادة المحقّقة حال المعاملة والبيع، فالأخبار فيه وإن كانت متعارضة، إلاّ أنّه لا وجه للحكم باعتبار الأخبار المجوّزة وإن كانت موافقة للعمومات الدالّة على الجواز في الكتاب; لمخالفتها للكتاب من جهة اُخرى غير قابلة للتخصيص، ولحكم العقل، وللأخبار المستفيضة الواردة في الخمر(2)، فهل ترى من نفسك ثبوت اللعن بالإضافة إلى غارس الخمر، والجواز لبيع العنب مع العلم بصرفه في الخمر وثبوت هذا القصد في حال البيع ؟!
وأمّا بالنسبة إلى بيع الخشب ممّن يعمله آلة للّهو أو القمار، فرواية ابن اُذينة(3)وإن كانت دالّة على الجواز بالإضافة إلى البرابط، إلاّ أنّه لا مجال للأخذ بها; للمخالفة مع الكتاب الناهي عن التعاون على الإثم والعدوان بعد وضوح الإباء عن التخصيص، كما لايخفى . وحكم العقل على ما عرفت(4) .
فالحكم في الجميع المنع وإن كانت المراتب مختلفة بالشدّة والضعف ، ولذا ذكر في المتن أنّ المسألة من جهة النصوص مشكلة، واستظهر أنّها معلّلة .
هذا ، ولكن يبقى في النفس شيء; وهو أنّه كيف يمكن الحكم بعدم التفصيل
- (1) في ص: 121.
- (2) وسائل الشيعة 17: 223، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب55، وج25: 375، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة ب34.
- (3) تقدّمت في ص120.
- (4) في ص118 ـ 119.
(الصفحة 127)
بالإضافة إلى الرواية الصحيحة الصريحة(1) في التفصيل والحكم بأنّه لا فرق بين البرابط والأصنام والصلبان ، كما لو فرض إمكان حمل مطلق الأخبار المجوّزة على التقيّة ، فالتعليل في جملة منها(2) بأنّا نبيع تمرنا ممّن نعلم أنّه يصنعه خمراً، لا يلائم التقيّة بوجه، ولا مجال لذكر هذه العلّة، فتدبّر جيّداً .
- (1) وهي صحيحة ابن اُذينة المتقدِّمة في ص: 120.
- (2) مثل روايتي أبي كهمس و ابن موسى المتقدّمتين في ص120.
(الصفحة 128)بيع السلاح من أعداءالدين
مسألة 11 : يحرم بيع السلاح من أعداء الدِّين حال مقاتلتهم مع المسلمين ، بل حال مباينتهم معهم بحيث يخاف منهم عليهم . وأمّا في حال الهدنة معهم أوزمان وقوع الحرب بين أنفسهم ومقاتلة بعضهم مع بعض، فلابدّ في بيعه من مراعاة مصالح الإسلام والمسلمين ومقتضيات اليوم ، والأمر فيه موكول إلى نظر والي المسلمين، وليس لغيره الاستبداد بذلك .
ويلحق بالكفّار من يعادي الفرقة الحقّة من سائر الفرق المسلمة، ولا يبعد التعدّي إلى قطّاع الطريق وأشباههم ، بل لايبعد التعدّي من بيع السلاح إلى بيع غيره لهم ممّا يكون سبباً لتقويتهم على أهل الحقّ; كالزاد والراحلة والحمولة ونحوها1.
1 ـ في بيع السلاح من أعداء الدِّين ومخالفي الإسلام والمسلمين فروض :
الأوّل : حال مقاتلتهم مع المسلمين وتحقّق الحرب الفعليّة بين الطرفين ، والأقوال في أصل المسألة كثيرة، كالروايات الواردة فيها، التي منها :
رواية أبي بكر الحضرمي قال : دخلنا على أبي عبدالله (عليه السلام) فقال له حكم السرّاج : ما تقول فيمن يحمل إلى الشام السروج وأداتها؟ فقال : لابأس، أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)، إنّكم في هدنة، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السروج والسلاح (1).
ورواية هند السرّاج قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أصلحك الله إنّي كنت أحمل
- (1) الكافي 5: 112 ح1، تهذيب الأحكام 6: 354 ح1005، الاستبصار 3: 57 ح187، وعنها وسائل الشيعة 17: 101، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب8 ح1.
(الصفحة 129)
السلاح إلى أهل الشام فأبيعه منهم (فيهم خ ل)، فلمّا عرّفني الله هذا الأمر ضقت بذلك وقلت: لا أحمل إلى أعداء الله ، فقال لي : إحمل إليهم وبعهم; فإنّ الله يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم ـ يعني الروم ـ وبعه ، فإذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا، فمن حمل إلى عدوّنا سلاحاً يستعينون به علينا فهو مشرك(1) .
ورواية السرّاج، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : إنّي أبيع السلاح ، قال: لا تبعه في فتنة(2) .
والسؤال وإن كان مطلقاً، إلاّ أنّ الجواب قرينة على أنّ المراد بيع السلاح من أعداء الدِّين، ويؤيّده قوله ـ تعالى ـ : {وَقَـتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ}(3) ، ولكن في غير نسخة الوسائل السرّاد ، واستشكل عليه بأنّ المراد منه إن كان هو ابن محبوب المعروف، فهو لا يروي عن الصادق (عليه السلام) بلا واسطة ، وإن كان المراد منه غيره فلابدّ وأن يبحث في حاله، مع أنّه في محكي الاستبصار عن السرّاد عن رجل . وعليه: فالرواية مرسلة، والظاهر أنّ نسخة الوسائل غير صحيحة(4) .
وصحيحة عليّ بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : سألته عن حمل المسلمين إلى المشركين التجارة ؟ قال : إذا لم يحملوا سلاحاً فلا بأس(5) .
- (1) الكافي 5: 112 ح2، الفقيه 2: 107 ح448، تهذيب الأحكام 6: 353 ح1004، الاستبصار 3: 58 ح189، وعنها وسائل الشيعة 17: 101، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب8 ح2.
- (2) الكافي 5: 113 ح4، تهذيب الأحكام 6: 354 ح1007، الاستبصار 3: 57 ح186، وعنها وسائل الشيعة 17: 102، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب8 ح4.
- (3) سورة البقرة 2: 193.
- (4) مصباح الفقاهة 1 ذ ص 303.
- (5) مسائل علي بن جعفر: 176 ح320، قرب الإسناد: 264 ح1047، وعنهما وسائل الشيعة 17: 103، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب8 ح6، وفي بحار الأنوار 103: 61 ب8 ح1 عن قرب الإسناد.
(الصفحة 130)
ورواية الصدوق عن جعفر بن محمّد، عن آبائه (عليهم السلام) في وصيّة النبيّ(صلى الله عليه وآله)لعليّ (عليه السلام) قال : يا عليّ كفر بالله العظيم من هذه الاُمّة عشرة : القتّات ـ إلى أن قال : ـ وبائع السلاح من أهل الحرب(1) ; أي الحرب مع المسلمين والمقاتلين معهم ، والقتّات بالتشديد كما في مجمع البحرين(2) النـمّام المزوّر ، كما أنّه ربما يستعمل ويُراد به بائع القتّ; وهي الرطب من علف الدوابّ ويابسه ، والظاهر أنّ المناسب للحكم بالكفر ولو مجازاً الأوّل دون الثاني .
ورواية أبي القاسم الصيقل قال : كتبت إليه: إنّي رجل صيقل أشتري السيوف وأبيعها من السلطان ، أجائز لي بيعها ؟ فكتب (عليه السلام) : لا بأس به(3) . والظاهر أنّ المراد من السلطان سلطان المسلمين وإن كان جائراً غير محقّ .
ورواية محمّد بن قيس قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الفئتين تلتقيان من أهل الباطل أبيعهما (أنبيعهما خ ل) السلاح؟ فقال : بعهما ما يكنّهما الدرع والخفّين ونحو هذا(4) .
ثمّ إنّ الشيخ (قدس سره) بعد أن ذكر أنّ الروايات الواردة في المقام على طوائف قال ما ملخّصه : أنّه يمكن الجمع بينها بحمل الطائفة المانعة على صورة قيام الحرب بينهم وبين المسلمين، وحمل الطائفة المجوّزة على صورة الهدنة وعدم المنازعة ، والشاهد
- (1) الفقيه 4: 257 ح821 ، وعنه وسائل الشيعة 17: 103، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب8 ح7.
- (2) مجمع البحرين 3: 1437.
- (3) تهذيب الأحكام 6: 382 ح1128، وعنه وسائل الشيعة 17: 103، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب8 ح5.
- (4) الكافي 5: 113 ح3، تهذيب الأحكام 6: 354 ح1006، الاستبصار 3: 57 ح188، وعنها وسائل الشيعة 17: 102، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب8 ح3.