(الصفحة 143)
الشجر وشبهه(1) . وفي بعضها التصدير بالقسم(2) الموجب لحصول التأكّد الشديد بالإضافة إلى ذلك .
ومنها : مرسل ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : من مثّل تمثالاً كلّف يوم القيامة أن ينفخ فيه الروح(3) .
فإنّ ظاهره البدوي وإن كان هو الشمول لمطلق التمثال، ولا مانع من ذلك في نفسه، كما حكي لنا من صيرورة نقش الأسد على الستر أسداً بأمر الإمام (عليه السلام) ، وأكله المستهزئ له بأمره ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ المراد صورة وجود النقص من هذه الجهة وإن كان فيه الكمال من جهات اُخر، كالجسميّة ونحوها .
والحكاية على ما روي عن البحار، عن علي بن يقطين قال : استدعى الرشيد رجلاً يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن جعفر(عليهما السلام) ويقطعه ويخجله في المجلس، فانتدب له رجل معزّم(4) ، فلمّا اُحضرت المائدة عمل ناموساً(5) على الخبز، فكان كلّما رام خادم أبي الحسن (عليه السلام) تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه، واستفزّ(6)
- (1) الكافي 6: 476 ح3، وعنه وسائل الشيعة 5: 305، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن ب3 ح6 ومرآة العقول 22: 367 ح3.
- (2) الكافي 6: 527 ح7، المحاسن 2: 458 ح2580، وعنهما وسائل الشيعة 5: 304، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن ب3 ح4، وج17: 296، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب94 ح1، وبحار الأنوار 14: 74 ح15 وج79: 288 ح10.
- (3) الكافي 6: 527 ح4، المحاسن 2: 455 ح2569، وعنهما وسائل الشيعة 5: 304، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن ب3 ح2، وفي بحارالأنوار 79: 287 ح5 عن المحاسن، وفي مرآة العقول 22: 438 ح4 عن الكافي.
- (4) المعزَّم: الراقي الذي يعمل بالعزيمة، والرّقى لنفع أو ضرر.
- (5) الناموس: ما يتنمَّس به من الاحتيال.
- (6) استفزّه الضحك: استخفّه وغلب عليه حتّى جعله يضطرب لشدّة ضحكه.
(الصفحة 144)
هارون الفرح والضحك لذلك، فلم يلبث أبو الحسن (عليه السلام) أن رفع رأسه إلى أسد مصوّر على بعض الستور، فقال له : يا أسد الله خذ عدوّ الله . قال: فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع، فافترست ذلك المعزّم، فخرَّ هارون وندماؤه على وجوههم مغشيّاً عليهم، وطارت عقولهم خوفاً من هول ما رأوه ، الخبر (1).
فمفاد الرواية إلزامه بنفخ الروح فيمن مثّل التمثال لأجل أن يصير كاملاً، والمفروض أنّه غير قادر على ذلك; لأنّ إفاضة الروح إنّما هي له تعالى ، فالأمر وإن كان للتعجيز، إلاّ أنّ العجز بلحاظ ما ذكر لا من جهة عدم قابليّة المحلّ .
ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن تماثيل الشجر والشمس والقمر ؟ فقال : لا بأس ما لم يكن شيئاً من الحيوان(2) .
والظاهر أنّ ذكر الشمس والقمر قرينة على أنّ المراد بالتماثيل هي التماثيل غير المجسّمة، فتدبّر .
وعلى تقدير الإطلاق فمقتضى القدر المتيقّن من الإطلاق ما ذكرنا وإن قلنا بعدم ثبوت المفهوم أصلاً .
وقد تحصّل من جميع ما ذكرناه في هذا الفرع حرمة التصوير، وأنّه لا إشكال فيها في هذه الصورة وإن لم نقل بالاختصاص .
ثمّ الظاهر أنّ المراد بالمجسّمة المحرّمة من ذوات الأرواح هي ما كانت حاكية ظاهراً عن موجود متّصف بما ذكر، لا ما كانت مشتملة على جميع أجزائه سوى
- (1) بحار الأنوار 48: 41 ـ 42 ح17 و 18 عن عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 96 ب8 ح1 وأمالي الصدوق: 212 ح236 ومناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 299.
- (2) المحاسن 2: 458 ح2581، وعنه وسائل الشيعة 17: 296، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب94 ح3 وبحار الأنوار 79: 288 ح11، وفي ج76: 160 ح11 عن مكارم الأخلاق 1: 287 ح891 .
(الصفحة 145)
الروح، حتّى ما في بطنه من الأمعاء والأحشاء والقلب والرية وغيرها ، وما في مخّه من المغز وشبهه; فإنّه من الضروري عدم إمكان ذلك، خصوصاً بالإضافة إلى العروق الدّمية الكبيرة والصغيرة التي لعلّها لا تحصى .
كما أنّ الظاهر أنّه ليس المراد بالمجسّمة هي الكاملة من حيث الظاهر، فإذا كانت حاكية عن جملة كبيرة من البدن ـ مثل الرأس والوجه واليدين والبطن فقط ـ تكون محرّمة، كما نراها في هذه الأزمنة في الداخل والخارج ، وما ورد من الروايات بالإضافة إلى قطع الرأس أو التغيير من جهة اُخرى(1); فإنّما هو بالنسبة إلى البيت الذي يصلّى فيه ، والكلام في المقام في الصنع والتصوير، فلا ارتباط له بذلك المقام أصلاً، كما لايخفى .
ثمّ الظاهر أنّ الوجه في حرمة المجسّمة في الفرع المذكور غير معلوم لنا ، فالتشابه
- (1) المحاسن 2: 459 ح2584، وعنه بحار الأنوار 83 : 288 ملحق ح1.
- وفي ج76: 288 ح15 وج83 : 245 عن مكارم الأخلاق 1: 286 ح890.
- وفي وسائل الشيعة 4: 440، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب45 ح13 وملاذ الأخيار 4: 587 ب17 ح35 عن تهذيب الأحكام 2: 363 ح1503، وفي ص441 ـ 442 ح18، 20 و 21 وبحارالأنوار 83 : 288 ملحق ح1 وص290 ملحق ح3 عن قرب الإسناد: 185 ـ 186 ح690، 692 و 693.
- وفي ج5: 171، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب32 ح5 ومنتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان 1: 492 عن الكافي 6: 527 ح9.
- وفي ص173 ح10 و 12 وبحارالأنوار 83 : 290 ملحق ح3 وج79: 288 ح14 عن قرب الإسناد 205: ح793 والمحاسن 2: 459 ح2587.
- وفي وسائل الشيعة 5: 308، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن ب4 ح3 عن الكافي 6: 527 ح8 والمحاسن 2: 458 ح2583، وفي بحار الأنوار 76: 160 ح9 عن المحاسن.
- وفي ص309 ح7 عن مكارم الأخلاق 1: 286 ح887.
- ورواه عليّ بن جعفر في مسائله : 226 ح516.
(الصفحة 146)
لعمل الخالق، أو الانجرار إلى تصوير الأصنام ومثل ذلك، لا يصلح لأن يكون علّة بعد عدم قيام الدليل على حرمة مطلق التشابه، خصوصاً مع ما نراه بالوجدان من وجود الحيوانات المصنوعيّة كثيراً ، ومع العلم بعدم الانجرار إلى صنع الأصنام نوعاً .
الفرع الثاني : تصوير ذوات الأرواح من دون تجسّم، وقد قوّى المتن فيه الجواز مع جعل الاحتياط الاستحبابي في الترك ، وقد استدلّ على المنع في كلام الشيخ الأنصاري (قدس سره) (1) بوجوه :
منها : ما يدلّ على النهي عن تزويق البيوت; وهي رواية أبي بصير ـ غير المعتبرة على أحد الطريقين ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : أتاني جبرئيل وقال : يا محمّد إنّ ربّك يقرئك السلام وينهى عن تزويق البيوت .
قال أبو بصير : فقلت : وما تزويق البيوت؟ فقال : تصاوير التماثيل(2) .
ورواه صاحب الوسائل في باب واحد متعدّداً(3) مع اختلاف يسير ، ومن الواضح وحدة الرواية لا تعدّدها كما نبّهنا على مثل ذلك مراراً ، والتزويق بمعنى النقش والتزيين .
هذا ، ولكنّ الظاهر عدم انطباق الرواية على المقام; لأنّ الكلام فيه إنّما هو في
- (1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 183 ـ 184.
- (2) الكافي 6: 526 ح1، المحاسن 2: 453 ح2564، وعنهما وسائل الشيعة 5: 303، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن ب3 ح1، وفي بحار الأنوار 76: 159 ح2 عن المحاسن، وفي مرآة العقول 22: 437 ح1 عن الكافي.
- (3) المحاسن 2: 453 ح2563، وعنه وسائل الشيعة 5: 307، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن ب3 ح11 وبحار الأنوار 79: 286 ح4.
(الصفحة 147)
صدور الصورة من المصوّر مباشرة ; بمعنى أنّ البحث إنّما هو في حرمة التصوير وإيجاده بعد انعدامه في أيّ محلّ وموضع ولو كان قرطاساً ، والنهي في الرواية إنّما هو عن خصوص النقش على البيوت ، ولعلّ الاختصاص كان لأجل كونه مركزاً للصلاة ، والنقش يقدح في كمال التوجّه الذي هو الغرض من الصلاة وعباديّتها ، مع أنّه لا يلزم أن يكون التزويق المنهي عنه بالمباشرة، بل هو مثل قوله (عليه السلام) من بنى مسجداً فله كذا(1) ، حيث لا يعتبر في صدقه اشتغاله بالبناء وسائر الأعمال بالمباشرة ، كلّ ذلك على فرض دلالة كلمة النهي على الحرمة ، مع أنّه يحتمل فيه الكراهة، كما قد وقع التعبير بها في بعض الروايات الاُخر(2) .
وبالجملة: الظاهر عدم صلاحيّة الرواية لإثبات الحرمة في مفروض المقام، كما عرفت .
ومنها : الفقرة التي تشتمل عليها رواية تحف العقول الطويلة ـ التي أثبتنا اعتبارها من طريق خفيّ(3) ـ وهي قوله (عليه السلام) : وصنعة صنوف التصاوير ما لم يكن
- (1) وسائل الشيعة 5: 203 ـ 205 ح1، 2، 4 و 6 عن الكافي والتهذيب والمحاسن والفقيه وعقاب الأعمال.
- وفي بحار الأنوار 8 : 192 ح173 وج76: 369 قطعة من ح30 وج83 : 368 ح25 عن ثواب الأعمال.
- وفي ج69: 382 ح44 وج77: 123 ح20 وج84 : 4 ملحق ح76 عن أمالي الطوسي. وفي ج84 أيضاً: 11 ح86 عن المحاسن.
- وفي مستدرك الوسائل 3: 366 ـ 367 ح1، 2 و 5 عن دعائم الإسلام وأمالي الطوسي ولبّ اللباب.
- (2) وسائل الشيعة 3: 211، كتاب الطهارة، أبواب الدفن ب44 ح3، وج4: 440، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب45 ح14، وج5: 170، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب32 ح3 وص304ـ 307، أبواب المساكن ب3 ح3، 9، 13 و 14 وغيرها ، من أراد فليراجع الوسائل والبحار وغيرهما.
- (3) في ص13 ـ 15.