(الصفحة 195)
المنع ، ولو كانت الرواية معتبرة لقلنا بأنّ محبّة بقاء الظالمين محرّمة ولو كان الحبّ في
غير جهة ظلمه، كأداء بقيّة الكراية كما في مفروض الرواية، أو أداء قرضه فيما لو اقترض من مقرض، كما لايخفى .
وغير ذلك من الروايات(1) القاصرة من حيث السند، أو من جهة الدلالة، أو من كلتا الحيثيتين .
وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّه لم ينهض في مقابل القاعدة الدالّة على الجواز ما يصلح لأن يكون دليلاً على العدم . نعم ، هنا بعض المستثنيات، مثل :
كون الشخص منطبقاً عليه عنوان أعوان الظلمة، وهو محرّم لإحدى الروايتين المذكورتين في المتن، وبعض الروايات المتقدّمة، مثل موثّقة السكوني.
وموثّقته الاُخرى بالسند المتقدّم :
قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : ما اقترب عبد من سلطان جائر إلاّ تباعد من الله، ولا كثر ماله إلاّ اشتدّ حسابه، ولا كثر تبعه إلاّ كثرت شياطينه(2) .
وموثّقته الثالثة بالسند المتقدّم أيضاً :
قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : إيّاكم وأبواب السلطان وحواشيها، فإنّ أقربكم من أبواب السلطان وحواشيها أبعدكم من الله عزّوجلّ، ومن آثر السلطان على الله
- (1) وسائل الشيعة 17: 177 ـ 186، أبواب ما يكتسب به ب42 ـ 44.
- (2) عقاب الأعمال: 310 ح1، وعنه وسائل الشيعة 17: 181، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب42 ح12 وبحار الأنوار 75: 372 ح18.
- وفي بحار الأنوار 72: 67 ح27 وج75: 379 ح41، ومستدرك الوسائل 13: 122، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب35 ح14955 عن النوادر للراوندي: 89 ح20.
(الصفحة 196)
أذهب الله عنه الورع وجعله حيراناً(1) .
ورواية ابن بنت الوليد بن صبيح الكاهلي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : من سوّد اسمه في ديوان ولد سابع حشره الله يوم القيامة خنزيراً(2) .
والظاهر أنّ السابع مقلوب عبّاس، والمقصود خلفاء بني العبّاس ، كما أنّ الظاهر أنّ المراد من تسويد الاسم هو كونه من أعوانهم وحواشيهم ولو بالإضافة إلى الأعمال غير المحرّمة; كالخياطة وبناء المسجد وغيرهما .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ قوله في المتن: «ولم يكن اسمه مقيّداً في دفترهم» إلخ ، ليس أمراً آخر وراء كونه من الأعوان والحواشي; ضرورة أنّ الفقير مثلاً إذا كان اسمه مقيّداً في دفترهم لأجل الإعانة إليه من دون توقّع أمر، لا يكون مجرّد تسويد اسمه في الدفتر محرّماً ولو كان بتسبيبه .
نعم، الأمر الأخير ـ وهو كون عمله موجباً لازدياد شوكة الظالم وقوّته ـ يكون محرّماً وإن لم يكن من نيّته الإعانة بالإضافة إلى الظالم ، ويدلّ عليه بعض الروايات المتقدّمة(3) الدالّة على النهي عن إعانتهم على بناء المسجد; فإنّ الظاهر أنّ تأسيس
- (1) عقاب الأعمال: 310 ح2، وعنه وسائل الشيعة 17: 181، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب42 ح13 وبحار الأنوار 75: 372 ح19.
- وفي نفس البحار: 380 ضمن ح41، ومستدرك الوسائل 13: 123، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب35 ح14958 عن النوادر للراوندي باختلاف.
- ورواه في الغايات: 202 مثله، وفي كنز العمّال 6: 70 ح14887 باختلاف.
- (2) تهذيب الأحكام 6: 329 ح913، وعنه وسائل الشيعة 17: 180، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب42 ح9 وملاذ الأخيار 10: 270 ح34.
- وفي بحار الأنوار 75: 372 ح20 عن عقاب الأعمال: 310 ح1.
- (3) في ص: 192.
(الصفحة 197)
المسجد يكون موجباً لشهرتهم واهتمامهم بالاُمور المستحسنة، فيزيد شوكتهم وقوّتهم . والرواية حسنة كما مرّ .
بقي الكلام في المسألة في أنّ المراد بالظالم لايكون هو المتلبّس بالظلم ولو مرّة أو مرّات ولو قلنا بأنّ المشتقّ حقيقة فيما انقضى ، بل الذي يعدّ في العرف كذلك لأجل اشتغاله بالظلم نوعاً ، ومن أظهر مصاديقه خلفاء الجور الغاصبين للولاية الحقّة والحكومة الإلهيّة .
وأمّا العاصي، فلايكون مقصوداً في هذه المسألة وإن اُطلق عليه الظالم في بعض التعبيرات القرآنية ، ويؤيّد ما ذكرنا مقابلة العاصين مع الظالمين في بعض الروايات(1) ، فتدبّر .
- (1) الكافي 8 : 14 ح2، وعنه وسائل الشيعة 17: 177، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب42 ح1.
- وفي بحارالأنوار78: 157 قطعة منح11 و12 عن تحف العقول: 254وأمالي المفيد:203قطعة من ح33.
(الصفحة 198)حفظ كتب الضّلال
مسألة 15 : يحرم حفظ كتب الضلال ونسخها وقراءتها ودرسها وتدريسها إن لم يكن غرض صحيح في ذلك; كأن يكون قاصداً لنقضها وإبطالها، وكان أهلاً لذلك ومأموناً من الضلال . وأمّا مجرّد الاطّلاع على مطالبها، فليس من الأغراض الصحيحة المجوّزة لحفظها لغالب الناس; من العوام الذين يخشى عليهم الضلال والزلل ، فاللاّزم على أمثالهم التجنّب عن الكتب المشتملة على ما يخالف عقائد المسلمين، خصوصاً ما اشتمل منها على شبهات ومغالطات عجزوا عن حلّها ورفعها، ولايجوز لهم شراؤها وإمساكها وحفظها، بل يجب عليهم إتلافها1.
1 ـ قال الشيخ (قدس سره) في محكي الغنائم من المبسوط : إذا وجد في المغنم كتب نظر فيها ـ إلى أن قال ـ وإن كانت كتباً لاتحلّ إمساكها كالكفر والزندقة وما أشبه ذلك، كلّ ذلك لايجوز بيعه ، ثمّ حكم بوجوب تمزيقها وإتلافها، وحكم بكون التوراة والإنجيل من هذا القبيل; لوقوع التحريف فيهما(1) ، ومثله العلاّمة في محكيّ غنائم التذكرة(2) والمنتهى(3) .
ثمّ إنّه يستفاد من حكم الشيخ بكون التوراة والإنجيل من هذا القبيل ـ أي كتب الكفر والزندقة وما أشبه ذلك، نظراً إلى وقوع التحريف فيهما ـ أنّه لا ينحصر عنوان كتب الضلال بخصوص ما كان موضوعاً لإضلال الناس وإغوائهم وانحرافهم عن العقائد الحقّة ، بل يشمل العنوان المذكور ما كان مشتملاً على المطالب الضالّة وإن لم يكن للغرض المذكور .
- (1) المبسوط 2: 30.
- (2) تذكرة الفقهاء 9: 127.
- (3) منتهى المطلب 2: 1013، الطبعة الحجريّة.
(الصفحة 199)
كما أنّه يستفاد عدم الاختصاص بالكتب التي يكون جميع مطالبه من الأوّل إلى الآخر كذلك ، بل يشمل ما كان فيه مطالب غير صحيحة ولو كانت تلك المطالب جملة من مطالب الكتاب وقسماً من مباحثه ، فالكتب التي صنّفها أرباب المسالك الباطلة كلّها من هذا القبيل ، كما أنّ بعض المجلاّت سيّما المجلاّت المنتشرة في زمن الطاغوت ـ كالمجلّة المنتشرة فيما يرتبط بالنساء ـ من هذا القبيل .
وكيف كان، فقد استدلّ للحرمة وعدم الجواز باُمور :
منها : ما ابتدأ به الشيخ الأعظم وجعله أوّل الأدلّة; وهو حكم العقل بوجوب قلع مادّة الفساد(1).
وأورد عليه بعض الأعلام (قدس سره) بما يرجع إلى أنّ مدرك حكمه إن كان هو حسن العدل وقبح الظلم، فيرد عليه: أنّه لا دليل على وجوب دفع الظلم في جميع الموارد، وإلاّ لوجب على الله الممانعة من الظلم تكويناً ، مع أنّه أقدر الإنسان على فعل الخير والشرّ .
وإن كان مدرك حكمه وجوب الإطاعة وحرمة المعصية; نظراً إلى أمره تعالى بقلع مادّة الفساد ، فيرد عليه: أنّه لا دليل على ذلك إلاّ في موارد خاصّة، كما في كسر الأصنام والصلبان .
نعم ، لو كان الفساد موجباً لسدّ باب الحقّ وإحياء الباطل وتشييد كلمته، وجب دفعه; لأهميّة حفظ الشريعة المقدّسة ، ولكنّه أيضاً وجوب شرعيّ في مورد خاصّ، فلا يرتبط بحكم العقل بقلع مادّة الفساد(2) .
- (1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 233.
- (2) مصباح الفقاهة 1: 402.