(الصفحة 208)
الكفّار؟ قال : لأنّ الشرك أعظم من السّحر ; لأنّ السحر والشرك مقرونان(1) .
وفي رواية أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : ثلاثة لا يدخلون الجنّة : مدمن خمر، ومدمن سحر، وقاطع رحم ، الحديث(2) .
وفي رواية أبي البختري، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه(عليهما السلام)، أنّ عليّاً (عليه السلام) قال : من تعلّم شيئاً من السحر قليلاً أو كثيراً فقد كفر، وكان آخر عهده بربّه وحدّه أن يُقتل إلاّ أن يتوب(3) .
ثمّ إنّه حكى الشيخ الأعظم (قدس سره) عن بعض أهل اللغة: أنّ السحر ما لطف
مأخذه ودقّ(4). وعن بعضهم: أنّه صرف الشيء عن وجهه(5) ، وعن ثالث: أنّه
- (1) الكافي 7: 260 ح1، تهذيب الأحكام 10: 147 ح583، الفقيه 3: 371 ح1752، علل الشرائع: 546 ب338 ح1، وعنها وسائل الشيعة 17: 146، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب25 ح2، وج28: 365، كتاب الحدود، أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ب1 ح1.
- وفي بحار الأنوار 79: 212 ح9 عن العلل، وفي ص214 ح13 عن النوادر للراوندي: 90 ح24، وفي مستدرك الوسائل 13: 106، 107، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب22 ح14906 و14908، وج18: 191، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ب1 ح22474 و22476 عن الجعفريّات: 128 ودعائم الإسلام 2: 482 ح1725 باختلاف يسير.
- (2) الخصال: 179 صدر ح243، معاني الأخبار: 330 صدر ح1، وعنهماوسائل الشيعة15: 346، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس ب49 صدر ح19، وج17: 148، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب26 ح6 وج25: 304، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة ب9 صدر ح21، وبحارالأنوار 79: 129 ح15.
- (3) قرب الإسناد: 152 ح554، وعنه وسائل الشيعة 17: 148، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب25 ح7 وبحار الأنوار 79: 210 ح1.
- وفي وسائل الشيعة 28: 367، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب بقيّة الحدود والتعزيرات ب3 ح2 عن تهذيب الأحكام 10: 147 ح586.
- (4) الصحاح 1: 555، القاموس المحيط 2: 108.
- (5) النهاية في غريب الحديث والأثر 2: 346.
(الصفحة 209)
الخدع (1)، وعن رابع: أنّه إخراج الباطل في صورة الحقّ(2) ،(3).
والتحقيق أن يُقال ـ بعد كون معنى السحر كما يقتضيه ملاحظة موارد استعماله ومشتقّاته هو الصرف ـ : إنّ التأمّل القرآني يقتضي الذهاب إلى ثبوت أمرين في السحر، خصوصاً ما ورد في قصّة السحرة مع موسى (عليه السلام) :
أحدهما: كون الصور المبدعة فيه تخيّليّة، لا بمعنى التخيّل المجامع لاحتمال الخلاف ، بل بمعنى التخيّل المقرون بزعم كونها الصور الواقعيّة والاُمور الحقيقيّة .
ثانيهما : تأثير تلك الصور المرئيّة ونظيرها حقيقةً وتكويناً ، فانظر إلى قوله ـ تعالى ـ : {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِهِى خِيفَةً مُّوسَى}(4) ، حيث جمع فيه بين كون الحبال والعصيّ يخيّل أنّها تسعى، وبين حصول الخوف لموسى النبيّ (عليه السلام) ، مع أنّه كان طرف المقابلة .
وكذا يستفاد ممّا ورد في قصّة الملكين النازلين ببابل بعد شيوع السحرة المموّهون بعد نوح (عليه السلام) (5)، وكان الغرض من إنزالهما تعليم الناس السحر بواسطة نبيّ الوقت ليستطيعوا إبطال السحر الرائج ، وفي هذه القصّة قوله ـ تعالى ـ :
- (1) الصحاح 1: 555، معجم تهذيب اللغة 2: 1640.
- (2) مجمل اللّغة: 488، تاج العروس 6: 503، لسان العرب 3: 253.
- (3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 258.
- (4) سورة طه 20: 66 ـ 67.
- (5) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 267 ـ 268 قطعة من ح1، التفسير المنسوب إلى الإمام أبي محمّد الحسن بن علي العسكري(عليهما السلام) : 473 ـ 474 قطعة من ح304، وعنهما بحار الأنوار 59: 320 قطعة من ح3، وفي وسائل الشيعة 17: 147، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب25 ح4 عن العيون.
- وفي البرهان في تفسير القرآن 1: 293ـ 294 قطعة من ح569 عن تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) .
(الصفحة 210)
{فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِى بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِى}(1) ; فإنّ ظاهره تأثير السحر في حصول التفرقة جدّاً حقيقة ، وكذا قوله ـ تعالى ـ : {وَ مِن شَرِّ النَّفَّـثَـتِ فِى الْعُقَدِ}(2) الظاهر في ثبوت الشرّ واقعاً لهذه الطائفة ، وغير ذلك من الموارد .
وبالجملة : السحر لا يكون قادراً على تغيير الحقيقة النوعيّة وإيجاد الصور الواقعيّة ، بل له القدرة على إيجاد الصور التخيّليّة الموجبة لأثرات تكوينيّة خاصّة ، ولعلّه لذلك يكون أصل معناه الصرف . قال في مجمع البحرين : {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا}(3); أي مصروفاً عن الحقّ(4) ، ويظهر ذلك من بعض الروايات أيضاً ، ولا منافاة بين ما ذكرناه، وبين المعنى الذي ذكره بعض أهل اللغة; من أنّ السحر ما لطف مأخذه ودقّ ; فإنّ لطافة المأخذ ودقّته لا يرجع إلى تغيير الحقيقة النوعيّة، كما لايخفى .
ثمّ إنّ عمدة الفرق بين السحر والمعجزة ترجع إلى أمرين :
الأوّل : ما عرفت من أنّ السحر لا يقدر على الحقيقة النوعيّة وإيجاد الصور الواقعيّة ، بل له القدرة على إيجاد الصور التخيّليّة; وإن كان يترتّب عليها آثار تكوينيّة حقيقيّة .
وأمّا المعجزة، فهي قادرة على إيجاد الصور الواقعيّة ، غاية الأمر أنّ خرق العادة الموجود فيه إنّما هو بالإضافة إلى تقريب الأسباب ورفع الموانع ; فجعل الشجر اليابس أخضر في فصل الشتاء مرجعه إلى تقريب الأزمنة المؤثّرة في ذلك عادةً
- (1) سورة البقرة 2: 102.
- (2) سورة الفلق 113: 4.
- (3) سورة الإسراء 17: 47.
- (4) مجمع البحرين 2: 823 .
(الصفحة 211)
ليحصل فصل الربيع الذي يكون فيه الأخضر، أو بحسب العادة الرائجة في باب الأشجار، فكأنّه يقرّب فصل الربيع ويوجده في فصل الشتاء .
الثاني : أنّ الإتيان بالمعجزة لا يكون إلاّ بإذن الله وإقداره للآتي بالمعجزة ، ولأجله لا يقدر عليه في كلّ حين وزمان شاء ، وهذا بخلاف السحر الذي يأتي به كلّ من يكون عالماً بكيفيّته في كلّ زمان شاء وأراد ، وجميع الاُمور وإن كان مربوطاً بإذن الله، إلاّ أنّ المراد من الإذن فيها هي القدرة التي أعطاها الله تبارك وتعالى {إِنَّا هَدَيْنَـهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَ إِمَّا كَفُورًا}(1) .
ثمّ إنّ ما ذكرناه في معنى المعجزة يجري في مثل عصا موسى الذي صار ثعباناً كما في الكتاب(2). وفي مثل الأسد المنقوش على الستر الذي صار حيواناً مفترساً بأمر الإمام (عليه السلام) وأكلَ المستهزئ له، وقد تقدّم(3) .
وقد ذكرنا في كتابنا مدخل التفسير الفرق بين المعجزة والسحر، وقد كتبنا هذا الكتاب في سالف الزمان، وقد طبع مرّتين ، فراجع (4).
ثمّ إنّه في المتن بعد عنوان السحر موضوعاً وحكماً قال : «ويلحق بذلك استخدام الملائكة، وإحضار الجنّ وتسخيرهم، وإحضار الأرواح وتسخيرها، وأمثال ذلك ـ».والظاهر أنّ مراده هو اللحوق الحكمي لا الموضوعي بحيث تكون الاُمور المذكورة من مصاديق السحر وأفراده ، بل غاية الأمر جريان حكم السحر عليه من جهة الحرمة وعدم الجواز، لا من حيث الحدّ أيضاً الذي هو القتل كما عرفت .
- (1) سورة الإنسان(الدهر) 76: 3.
- (2) سورة الأعراف 7: 107.
- (3) في ص: 143 - 144.
- (4) مدخل التفسير: 19 ـ 22.
(الصفحة 212)
ويؤيّد بل يدلّ على ما ذكرنا التعبير باللحوق خصوصاً مع ملاحظة الجملة البعديّة التي وقع التعبير فيها بأنّه «يلحق به أو يكون منه»، كما لايخفى .
مضافاً إلى أنّ الاُمور المذكورة كما عرفت في تعريف السحر ليست من الصور التخيّليّة، بل من الاُمور الواقعيّة ; فإنّ استخدام الملائكة أو الجنّ ـ وكذا مثلهما ـ اُمور حقيقيّة، ولكن حكى الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) في مكاسبه عن الشهيدين(قدس سرهما) أنّهما عدّا من السحر استخدام الملائكة، واستنزال الشياطين في كشف الغائبات وعلاج المصاب، واستحضارهم وتلبيسهم ببدن صبيّ أو امرأة، وكشف الغائبات على لسانه(1) .
كما أنّه حكى عن العلاّمة المجلسي (قدس سره) في البحار، أنّه بعدما نقل عن أهل اللغة «أنّه ما لطف وخفي سببه»: إنّه في عرف الشرع مختصّ بكلّ أمر يخفى سببها (سببه ظ) ويتخيّل على غير حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخداع، وأنّه ذكر بعد ذلك أنّ السحر على أقسام ثمانية ، ثمّ حكى تلك الأقسام(2)،(3)، مع أنّ جملة منها لا ينطبق عليه عنوان السحر بالمعنى الشرعي الذي ذكره ، ومن الظاهر أنّ المقسم لتلك الأقسام هو السحر الشرعي، وإلاّ كان عليه البيان ، مضافاً إلى أنّ البحث إنّما هو في هذا السحر لا بمعنى آخر .
وكيف كان، فالظاهر أنّ المراد من المتن هو اللحوق من حيث الحكم لا الانطباق من حيث الموضوع . نعم ، الكلام إنّما هو في الدليل على هذا اللحوق، والظاهر أنّ
- (1) الدروس الشرعيّة 3: 164، مسالك الأفهام 3: 128، الروضة البهيّة 3: 214ـ 215.
- (2) بحار الأنوار 59: 277 ـ 297 نقلاً من التفسير الكبير للفخر الرازي 1: 619ـ 625.
- (3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 259 ـ 263.