(الصفحة 221)
يبتني على اُصول وقواعد سديدة لو لم يقع في المحاسبة خطأ واشتباه لما وقع بين المنجّمين الاختلاف ، وإن كان قوله لأجل هذه الجهة لا يكون حجّة، وقد ذكر في كتاب الصوم طرق ثبوت الهلال ولا يكون قول المنجِّم منها، وإن كان هناك اختلاف في أنّ الرؤية بالآلة هل تكون كافية، أو أنّه لابدّ أن يكون بدونها ، كما أنّه وقع الاختلاف في اعتبار وحدة الاُفق وعدمه على قولين ، والتحقيق في محلّه(1) .
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الصوم: 231 ـ 267.
(الصفحة 222)بعض أحكام التّجارة و آدابها
مسألة 17 : يحرم الغشّ بما يخفى في البيع والشراء، كشوب اللبن بالماء وخلط الطعام الجيّد بالرديء، ومزج الدهن بالشحم أو بالدهن النباتي، ونحو ذلك، من دون إعلام. ولا يفسد المعاملة به وإن حرم فعله، وأوجب الخيار للطرف بعد الاطّلاع . نعم ، لو كان الغشّ بإظهار الشيء على خلاف جنسه ـ كبيع المموّه على أنّه ذهب، أو فضّة، أو نحو ذلك ـ فسد أصل المعاملة1.
1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في الحرمة التكليفيّة المتعلّقة بعنوان الغشّ الذي هو بمعنى إراءة غير الخالص خالصا;ً وهو كما في المنجد(1) إسم مصدر من الغشّ بالفتح بمعنى الخيانة ، وقبل التعرّض للقيدين المذكورين في المتن للغشّ المحرّم لابدّ من التعرّض بأنّ نفس عنوان «الغشّ» حرام كسائر العناوين المحرّمة كالغيبة ونحوها ، أو أنّ المحرّم ليس هذا العنوان، بل العناوين الثانويّة كالكذب وأكل أموال الناس بلا رضا منهم ، فالمحكي عن المحقّق الايرواني (قدس سره) في حاشية المكاسب هو الثاني(2) ، مع أنّ ظاهر النصّ والفتوى هو الأوّل .
ففي صحيحة هشام بن الحكم قال : كنت أبيع السابري في الظلال، فمرّ بي أبو الحسن موسى (عليه السلام) راكباً، فقال لي : يا هشام إنّ البيع في الظلال غشّ، والغشّ لايحلّ(3) .
- (1) المنجد: 552.
- (2) حاشية كتاب المكاسب للايرواني 1: 174.
- (3) الكافي 5: 160 ح6، تهذيب الأحكام 7: 13 ح54، الفقيه 3: 172 ح770، وعنها وسائل الشيعة 17: 280، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب86 ح3 وص466، أبواب آداب التجارة ب58 ح1.
(الصفحة 223)
والسابري ثوب رقيق جيّد(1) .
وفي رواية السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : نهى رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن أن يشاب اللبن بالماء للبيع(2) ، وغيرهما من الروايات الكثيرة التي رواها الفريقان(3) .
وبالجملة: لا مجال لرفع اليد عن ظاهر النصوص والفتاوى الدالّة على موضوعيّة الغشّ بعنوانه في الحرمة وتعلّق النهي .
نعم ، ظاهر المتن اعتبار القيدين المذكورين:
أحدهما: كونه بما يخفى .
وثانيهما: كونه في البيع والشراء .
ولعلّ الوجه في الأوّل عدم صدق الغشّ مع عدم الخفاء; لعدم تحقّق الخدعة والمكر بدونه .
والوجه في الثاني هو وضوح الجواز في غير مثل البيع والشراء ، فهل يحتمل أحد عدم جواز إهداء اللبن المشوب بالماء إلى الصديق، أو جعله في مقابل الضيف ليأكله ويشربه ، أو يحتمل أحد عدم جواز إعطاء الدرهم المغشوش إلى الفقير بعنوان الصدقة المستحبّة، وهكذا. فالحقّ الاختصاص بمثل البيع ونحوه .
المقام الثاني : في الحكم الوضعي المتعلّق به ، وينبغي قبل الورود في بيانه التعرّض لأمرين :
- (1) لسان العرب 3: 235.
- (2) الكافي 5: 160 ح5، الفقيه 3: 173 ح771، تهذيب الأحكام 7: 13 ح53، وعنها وسائل الشيعة 17: 280، أبواب ما يكتسب به ب86 ح4.
- (3) وسائل الشيعة 17: 279 ـ 283 ب86 ، السنن الكبرى للبيهقي 8 : 209 باب ما جاء في التدليس وكتمان العيب بالمبيع.
(الصفحة 224)
الأوّل : أنّ موضوع البحث في جميع المسألة هو المزج والغشّ بما يخفى، فما يفيده في بادئ النظر من كون قوله بعد «نعم» مرتبطاً بغير ذلك ليس على ما ينبغي، بل هو استدراك واستثناء لبعض الموارد، كما يأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى .
الثاني : أنّ محلّ الكلام في المسألة فيما إذا كان المبيع شخصيّاً ، وأمّا إذا كان كلّياً فعنوانه لا ينطبق على الفاقد لبعض الخصوصيّات ، واللازم على البائع تحصيل الفرد الذي ينطبق عليه الكلّي ودفعه إلى المشتري من دون أن يكون هناك خيار .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه قد حكم في المتن في الحكم الوضعي بالتفصيل بين الصورتين; فإنّه في مثل شوب اللبن بالماء ممّا لم تتغيّر حقيقته النوعيّة ـ وإن كان متّصفاً بالعيب لأجل الشرب بالماء ـ لا تكون المعاملة باطلة، كما في جميع موارد خيار العيب . غاية الأمر ثبوت الخيار للمشتري بعد الاطّلاع بين الفسخ، والإمضاء مجّاناً وأخذ الارش بالكيفيّة المقرّرة في محلّه .
وأمّا إذا كان الغشّ بما يخفى مع تغيّر الحقيقة النوعيّة كالأمثلة المذكورة في المتن، فالحكم فيها فساد المعاملة وبطلانها من رأس; لأنّ ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع .
وأمّا الحرمة التكليفيّة; فهي ثابتة في الصورتين بعد تحقّق عنوان الغشّ بما يخفى فيهما ، وقد عرفت أنّ ظاهر الروايات كون الغشّ بعنوانه موضوعاً لها، وإن كان في بعض الروايات المتقدِّمة نهى النبيّ(صلى الله عليه وآله) عن أن يشاب اللبن بالماء .
وقد انقدح ممّا ذكرنا ثبوت الحكم بنحو الإطلاق بالإضافة إلى الحكم التكليفي، وبنحو التفصيل بالنسبة إلى الحكم الوضعي .
ثمّ إنّه لا يبعد أن يكون من مصاديق الغشّ ما تعارف في بعض بلادنا في إيران من الاستفادة من بعض الموادّ الكيميائيّة لأن يحصل لون الفاكهة كلون الفاكهة
(الصفحة 225)
الأصليّة، من دون أن يكون طعمه مماثلاً للفاكهة الأصليّة ، بل الغاية صيرورة لونه كلونه أو مثله ، وكذا الاستفادة من بعض الأغذية غير المتعارفة لصيرورة الحيوان كالدجاج سميناً ويتخيّل في بادئ النظر أنّه سمين بنفسه ومن الطريق المتعارف، ونظائرهما التي هي كثيرة جدّاً .