(الصفحة 225)
الأصليّة، من دون أن يكون طعمه مماثلاً للفاكهة الأصليّة ، بل الغاية صيرورة لونه كلونه أو مثله ، وكذا الاستفادة من بعض الأغذية غير المتعارفة لصيرورة الحيوان كالدجاج سميناً ويتخيّل في بادئ النظر أنّه سمين بنفسه ومن الطريق المتعارف، ونظائرهما التي هي كثيرة جدّاً .
(الصفحة 226)
مسألة 18 : يحرم أخذ الاُجرة على ما يجب عليه فعله عيناً ، بل ولو كفائيّاً على الأحوط فيه، كتغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم . نعم ، لو كان الواجب توصّليّاً ـ كالدفن ـ ولم يبذل المال لأجل أصل العمل، بل لاختيار عمل خاصّ، لابأس به، فالمحرّم أخذ الاُجرة لأصل الدفن . وأمّا لو اختار الوليّ مكاناً خاصّاً وقبراً مخصوصاً، وأعطى المال لحفر ذلك المكان الخاصّ، فالظاهر أنّه لا بأس به. كما لا بأس بأخذ الطبيب الاُجرة للحضور عند المريض وإن اُشكل أخذها لأصل المعالجة وإن كان الأقوى جوازه .
ولو كان العمل تعبّدياً يشترط فيه التقرّب كالتغسيل، فلايجوز أخذها عليه على أيّ حال . نعم ، لا بأس بأخذها على بعض الاُمور غير الواجبة، كما تقدّم في غسل الميّت .
وممّا يجب على الإنسان تعليم مسائل الحلال والحرام، فلايجوز أخذها عليه ، وأمّا تعليم القرآن، فضلاً عن غيره من الكتابة وقراءة الخطّ وغير ذلك، فلا بأس بأخذها عليه . والمراد بالواجبات المذكورة ما وجب على نفس الأجير . وأمّا ما وجب على غيره ولا يعتبر فيه المباشرة، فلا بأس بأخذ الاُجرة عليه حتّى في العبادات التي يشرع فيها النيابة، فلا بأس بالاستئجار للأموات في العبادات، كالحجّ والصوم والصلاة1.
1 ـ قد تكلّمنا في هذه المسألة مفصّلاً بما لا مزيد عليه في شرح المسألة الرابعة والثلاثين من كتاب الإجارة(1) المطبوع مرّتين ، ولكنّه ينبغي التذكّر لاُمور :
الأوّل : أنّه لم يفصّل هناك بين الدفن والتغسيل وإن كان الأوّل واجباً توصّلياً،
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 505 ـ 528.
(الصفحة 227)
والثاني تعبّدياً يعتبر في سقوط أمره قصد القربة، بل فصّل بين ما إذا كان الوجوب الكفائي متعلّقاً بعنوان خاصّ، كالتغسيل والتكفين والتدفين، وبين ما إذا كان متعلِّقاً بحفظ النظام وحاجة الأنام، كالخياطة والطبابة وسائر الصنائع والحرف ، مع أنّه لم يتعرّض هنا لذلك إلاّ بالإضافة إلى الطبابة .
الثاني : أنّه لم يعرف الفرق بين الدفن والتغسيل بعد اشتراكهما في عدم جواز أخذ الاُجرة على أصلهما، وجواز أخذها في مقابل الخصوصيّات غير الواجبة وإن كان الثاني أبعد من الأوّل بلحاظ اعتبار قصد التقرّب فيه دونه .
الثالث : أنّ مسألة ضمان الطبيب المعنونة في كتاب الإجارة(1) مطلقاً أو في الجملة تغاير مسألة جواز أخذ الاُجرة على الطبابة ولو كان مباشراً للمعالجة ، والمذكور هنا هي المسألة الثانية. وقد تعرّضنا هناك(2) للتفصيل المحكي عن المحقّق النائيني بجواز أخذ الاُجرة على الواجبات النظاميّة، وأنّه لا يلتئم مع الاستدلال لعدم الجواز بمسلوبيّة القدرة ، كما أنّ استثناء القضاء من الواجبات النظاميّة لا يستند إلى ركن وثيق ، والظاهر أنّه لا فرق بينه وبين غيره، فراجع .
الرابع : ثبوت الفرق بين تعليم مسائل الحلال والحرام الذي يكون واجباً بالوجوب الكفائي، وبين تعليم القرآن فضلاً عن غيره من الكتابة وقراءة الخط وغيرهما ، وإن كان يمكن أن يقال بوجوب تعليم القرآن التي هي المعجزة الوحيدة الخالدة للنبوّة إذا خيف صيرورته منسيّاً مع عدم التعليم; لما عرفت من أنّ اللازم الاحتفاظ على المعجزة الكذائيّة، كما لايخفى .
- (1) تحرير الوسيلة 1: 556 مسألة 41.
- (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 508 ـ 510.
(الصفحة 228)
مسألة 19 : يكره اتّخاذ بيع الصرف والأكفان والطعام حرفة ، وكذا بيع الرقيق; فإنّ شرّ الناس من باع الناس ، وكذا اتّخاذ الذبح والنحر صنعة ، وكذا صنعة الحياكة والحجامة ، وكذا التكسّب بضراب الفحل; بأن يؤاجره لذلك مع ضبطه بالمرّة والمرّات المعيّنة أو بالمدّة ، أو بغير الإجارة . نعم ، لا بأس بأخذ الهديّة والعطيّة لذلك1.
1 ـ ينبغي قبل التعرّض لروايات المسألة من بيان أمرين :
الأوّل : أنّ موضوع الكتاب مع أنّه المكاسب المتّصفة بالحرمة، مع ذلك قد وقع في المتن التعرّض لجمع من المكاسب المكروهة، وفي بعض المسائل الآتية المكاسب المستحبّة بل الواجبة .
الثاني : أنّ الموضوع في أخبار من بلغ(1) التي وقع التعرّض لها في علم الاُصول هو ما كان من السنن ; لأنّه عبارة عن بلوغ الثواب على عمل; سواء قلنا باختصاص البلوغ بخصوص الروايات الواردة في هذا المجال، أو قلنا بأنّه أعمّ منها ومن الفتاوى .
وأمّا المكروهات، فالظاهر أنّه لا دليل على إجراء قاعدة التسامح فيها ، ولذا اشتهرت بقاعدة التسامح في أدلّة السنن، ولا مجال لدعوى كون النظر في القاعدة إلى الحكم غير الإلزامي; سواء كان من السنن أو المكروهات; لاختصاص أدلّة القاعدة بالاُولى أوّلاً ، واحتمال كون التسامح فيها لأجل إعطاء الثواب تفضّلاً وعناية ثانياً .
إذا عرفت هذين الأمرين فاعلم أنّ الروايات الواردة في المسألة جلاًّ أو بعضاً
- (1) بحار الأنوار 2: 256 ب30، وسائل الشيعة 1: 80 ـ 84 ، أبواب مقدّمة العبادات ب18.
(الصفحة 229)
كثيرة جدّاً، ومذكورة في الوسائل في أبواب متعدّدة متفرّقة، وإليك بعضها :
كرواية إسحاق بن عمّار قال : دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) فخبّرته أنّه ولد لي غلام، قال : ألا سمّيته محمّداً؟ قلت : قد فعلت ، قال : فلا تضرب محمّداً ولا تشتمه جعله الله قرّة عين لك في حياتك، وخلف صدق بعدك .
قلت : جعلت فداك في أيّ الأعمال أضعه؟ قال : إذا عدلته (عزلته خ ل) عن خمسة أشياء فضعه حيث شئت، لا تسلّمه صيرفيّاً; فإنّ الصيرفي لا يسلم من الربا ، ولا تسلّمه بيّاع الأكفان; فإنّ صاحب الأكفان يسرّه الوباء إذا كان ، ولا تسلّمه بيّاع الطعام; فإنّه لا يسلم من الاحتكار ، ولا تسلّمه جزّاراً; فإنّ الجزّار تسلب منه الرحمة ، ولا تسلّمه نخّاساً; فإنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال : شرّ الناس من باع الناس(1) .
ورواية القاسم بن عبدالرحمن، عن محمّد بن علي، عن أبيه، عن الحسين بن عليّ (عليهم السلام) في حديث أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) نهى عن خصال تسعة : عن مهر البغي، وعن عسيب(2) الدابّة; ـ يعني كسب الفحل ـ وعن خاتم الذهب، وعن ثمن الكلب، وعن مياثر(3) الأرجوان، الحديث(4) .
- (1) الكافي 5: 114 ح4، تهذيب الأحكام 6: 361 ح1037، الاستبصار 3: 62 ح208، علل الشرائع: 530 ح1، وعنها وسائل الشيعة 17: 135، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب21 ح1.
- وفي الوافي 17: 183 ح17077 عن الكافي والتهذيب، وفي مرآة العقول 19: 72 ح4 عن الكافي، وفي بحار الأنوار 103: 77 ح3 عن العلل.
- (2) العسيب: الكراء الذي يُؤخذ على ضراب الفحل. الصحاح «عسب» 1: 292.
- (3) المياثر: الحمر التي جاء فيها النهي; فإنّها كانت من مراكب العجم; من ديباج أو حرير. الصحاح 1: 677 «وثر».
- (4) الخصال: 417 ح10، وعنه وسائل الشيعة 17: 95، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب5 ح13 و14 وبحار الأنوار 103: 43 ح8 .