(الصفحة 229)
كثيرة جدّاً، ومذكورة في الوسائل في أبواب متعدّدة متفرّقة، وإليك بعضها :
كرواية إسحاق بن عمّار قال : دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) فخبّرته أنّه ولد لي غلام، قال : ألا سمّيته محمّداً؟ قلت : قد فعلت ، قال : فلا تضرب محمّداً ولا تشتمه جعله الله قرّة عين لك في حياتك، وخلف صدق بعدك .
قلت : جعلت فداك في أيّ الأعمال أضعه؟ قال : إذا عدلته (عزلته خ ل) عن خمسة أشياء فضعه حيث شئت، لا تسلّمه صيرفيّاً; فإنّ الصيرفي لا يسلم من الربا ، ولا تسلّمه بيّاع الأكفان; فإنّ صاحب الأكفان يسرّه الوباء إذا كان ، ولا تسلّمه بيّاع الطعام; فإنّه لا يسلم من الاحتكار ، ولا تسلّمه جزّاراً; فإنّ الجزّار تسلب منه الرحمة ، ولا تسلّمه نخّاساً; فإنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال : شرّ الناس من باع الناس(1) .
ورواية القاسم بن عبدالرحمن، عن محمّد بن علي، عن أبيه، عن الحسين بن عليّ (عليهم السلام) في حديث أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) نهى عن خصال تسعة : عن مهر البغي، وعن عسيب(2) الدابّة; ـ يعني كسب الفحل ـ وعن خاتم الذهب، وعن ثمن الكلب، وعن مياثر(3) الأرجوان، الحديث(4) .
- (1) الكافي 5: 114 ح4، تهذيب الأحكام 6: 361 ح1037، الاستبصار 3: 62 ح208، علل الشرائع: 530 ح1، وعنها وسائل الشيعة 17: 135، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب21 ح1.
- وفي الوافي 17: 183 ح17077 عن الكافي والتهذيب، وفي مرآة العقول 19: 72 ح4 عن الكافي، وفي بحار الأنوار 103: 77 ح3 عن العلل.
- (2) العسيب: الكراء الذي يُؤخذ على ضراب الفحل. الصحاح «عسب» 1: 292.
- (3) المياثر: الحمر التي جاء فيها النهي; فإنّها كانت من مراكب العجم; من ديباج أو حرير. الصحاح 1: 677 «وثر».
- (4) الخصال: 417 ح10، وعنه وسائل الشيعة 17: 95، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب5 ح13 و14 وبحار الأنوار 103: 43 ح8 .
(الصفحة 230)
ومن الظاهر أنّ المراد من النهي عن كسب الفحل هي الكراهة بقرينة الروايات الكثيرة الدالّة على الجواز(1)، كماأنّ المراد من الكسب إمّاالإجارة مع الشرائط المعتبرة فيها، التي هي التعيين في المقام بالمدّة أو بالمرّة والمرّات ، وإمّا مثلها كالصلح ونحوه .
ورواية أبي بصير ـ يعني المرادي ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن كسب الحجّام؟ فقال : لا بأس به إذا لم يشارط(2) .
والمراد من البأس في صورة المشارطة هي الكراهة، كما يدلّ عليه الروايات الاُخر(3) .
ورواية أبي إسماعيل الصيقل الرازي قال : دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) ومعي ثوبان، فقال لي : يا أبا إسماعيل يجيئني من قبلكم أثواب كثيرة وليس يجيئني مثل هذين الثوبين ، فقلت : جعلت فداك تغزلهما اُمّ إسماعيل وأنسجهما أنا ، فقال لي : حائك ؟ قلت : نعم ، فقال : لا تكن حائكاً ، فقلت : فما أكون؟ قال : كن صيقلاً ، وكانت معي مائتا درهم، فاشتريت بها سيوفاً ومرايا عتقاً وقدمت بها الرّي فبعتها بربح كثير(4) .
- (1) وسائل الشيعة 17: 111، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب12.
- (2) الكافي 5: 115 ح1، تهذيب الأحكام 6: 354 ح1008، الاستبصار 3: 58 ح190، وعنها وسائل الشيعة 17: 104، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب9 ح1.
- وفي الوافي 17: 191 ح17093 عن الكافي والتهذيب، وفي مرآة العقول 19: 74 ح1 عن الكافي.
- (3) وسائل الشيعة 17: 104 ـ 107، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب9 والوافي 17: 191ـ 193 ب31.
- (4) الكافي 5: 115 ح6، تهذيب الأحكام 6: 363 ح1042، الاستبصار 3: 64 ح 213، وعنها وسائل الشيعة 17: 140، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب23 ح1.
- و في الوافي 17: 184 ح17079 عن الكافي والتهذيب ـ، وفي مرآة العقول 19: 72 ح6 عن الكافي.
(الصفحة 231)
وغير ذلك من الروايات(1).
ثمّ إنّه من الواضح أنّه لا منافاة بين كراهة بيع الرقيق حرفة، وبين استحباب تصدّي الشخص لشرائه بنفسه; لكونه من الأشياء غير الحقيرة ـ كالعقار ونحوه ـ في مقابل الأشياء اليسيرة الحقيرة، كما لايخفى .
- (1) وسائل الشيعة 7: 104، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب9.
(صفحه 232 )
مسألة 20 : لاريب في أنّ التكسّب وتحصيل المعيشة بالكدّ والتعب محبوب عند الله تعالى، وقد ورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) الحثّ والترغيب عليه مطلقاً، وعلى خصوص التجارة والزراعة واقتناء الأغنام والبقر روايات كثيرة . نعم ، ورد النهي عن إكثار الإبل1.
1 ـ أمّا محبوبيّة التكسّب وتحصيل المعيشة بالكدّ والتعب، فمضافاً إلى أنّه تقتضيه الكراهة الإنسانيّة يدلّ عليه روايات كثيرة، مثل :
صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الكادّ على عياله من حلال كالمجاهد في سبيل الله(1) .
ورواية الفضيل بن يسار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا كان الرجل معسراً يعمل بقدر ما يقوت به نفسه وأهله لا يطلب حراماً، فهو كالمجاهد في سبيل الله(2) .
وغير ذلك من التعبيرات الواردة في هذا المجال المذكورة في الروايات(3) .
- (1) الكافي 5: 88 ح1، الفقيه 3: 103 ح418، وعنهما وسائل الشيعة 17: 67، كتاب التجارة، أبواب مقدّماتها ب23 ح1.
- وفي بحار الأنوار 96: 324 قطعة من ح13 وج104: 72 ذ ح 14، ومستدرك الوسائل 7: 378 ذح 8462 وج13: 5 ذح 14727 عن الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام) : 208 و 255.
- وفي بحار الأنوار 100: 7 قطعة من ح1 وج103: 103 ذح 49، ومستدرك الوسائل 13: 54 ح2 عن الهداية للصدوق: 314.
- وفي بحار الأنوار 103: 13 ح59 عن عدّة الداعي: 82 .
- وفي مستدرك الوسائل 13: 55 ح14729 عن عوالي اللئالي 1: 268 ح73.
- (2) الكافي 5: 88 ح3، وعنه وسائل الشيعة 17: 67، كتاب التجارة، أبواب مقدّماتها ب23 ح3، والوافي 17: 97 ح16939، ومرآة العقول 19: 37 ح3.
- (3) وسائل الشيعة 17: 66 ـ 68، كتاب التجارة، أبواب مقدّماتها ب23، ومستدرك الوسائل 13: 54 ـ 55، كتاب التجارة، أبواب مقدّماتها ب20.
(الصفحة 233)
ويستفاد من مثل الرواية الثانية أمران :
أحدهما : اختصاص الكدّ والتعب بما إذا كان الرجل معسراً ، وأمّا لو فرض كونه موسراً لأجل الإرث وغيره فلا مجال لكدّه وتعبه .
ثانيهما : أنّ ذكر العيال ليس له مفهوم وإن قلنا بثبوت المفهوم للقضيّة الشرطيّة; لأنّا قائلون بعدم ثبوت المفهوم مطلقاً، خصوصاً مفهوم اللقب كما في المقام ، فإذا لم يكن للرجل عيال أصلاً ولا يكون موسراً يثبت في حقّه هذا التشبيه، كما لايخفى .
وفي رواية معلّى بن خنيس، قال : سأل أبو عبدالله (عليه السلام) عن رجل وأنا عنده؟ فقيل أصابته الحاجة ، قال : فما يصنع اليوم؟ قيل : في البيت يعبد ربّه ، قال : فمن أين قوته؟ قيل : من عند بعض إخوانه ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : والله للذي يقوته أشدّ عبادة منه(1) .
وأمّا ما ورد في الحثّ والترغيب على التجارة، فهي الروايات الكثيرة الدالّة أكثرها على أنّ «تسعة أعشار الرزق في التجارة»:
مثل رواية روح، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : تسعة أعشار الرزق في التجارة(2) .
ورواية عبد المؤمن الأنصاري، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : البركة عشرة أجزاء : تسعة أعشارها في التجارة، والعشر الباقي في الجلود ، قال
- (1) الكافي 5: 87 ح4 ، تهذيب الأحكام 6: 324 ح889 ، وعنهما وسائل الشيعة 17: 25، كتاب التجارة، أبواب مقدّماتها ب5 ح3 والوافي 17: 22 ح16790.
- (2) الفقيه 3: 147 ح647، وعنه وسائل الشيعة 17: 10، كتاب التجارة، أبواب مقدّماتها ب1 ح3.
- وفي مستدرك الوسائل 13: 9 ح14573 عن روض الجِنان ورَوحُ الجَنان في تفسير القرآن، المشهور بـ «تفسير الشيخ أبو الفتوح الرازي» 4: 63.