(الصفحة 260)
عليه ثبوت الجواز بينهم بلا خلاف (1).
نعم ، الإشكال في التسعير عليه ، واحتاط في المتن وجوباً بالعدم إلاّ في صورة الإجحاف بالناس، وجعل الثمن أضعافاً مضاعفة، فيجبر على النزول عنه بحيث لم يكن في البين إجحاف عليهم، من دون التسعير في هذه الصورة أيضاً ; لعدم الدليل عليه .
ويدلّ عليه ما تقدّم ممّا كتبه أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى مالك الأشتر(2) حين ولاّه مصر .
كما أنّه يدلّ على أصل جواز الإجبار ـ مع أنّه مخالف للقاعدة ـ رواية حذيفة بن منصور، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : نفد الطعام على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فأتاه المسلمون فقالوا : يارسول الله قد نفد الطعام ولم يبق منه شيء إلاّ عند فلان ، فمره ببيعه .
قال : فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : يا فلان إنّ المسلمين ذكروا أنّ الطعام قد نفذ إلاّ شيء (شيئاً خ ل) عندك فأخرجه وبعه كيف شئت ولا تحبسه(3) .
- (1) المقنعة: 616، المبسوط في فقه الإماميّة 2: 195، النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى: 374، السرائر 2: 239، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 260، الدروس الشرعيّة 3: 180، التنقيح الرائع 2: 42، المهذّب البارع 2: 370، الحدائق الناضرة 18: 64، رياض المسائل 8 : 175، مفتاح الكرامة 12: 361، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 4: 373.
- (2) في ص: 255.
- (3) الكافي 5: 164 ح2، تهذيب الأحكام 7: 159 ح705، الاستبصار 3: 114 ح407، وعنها وسائل الشيعة 17: 429، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب29 ح1.
- وفي الوافي 17: 390 ح17491 عن الكافي والتهذيب.
- وفي مرآة العقول 19: 155 ح2 عن الكافي.
- وفي ملاذ الأخيار 11: 267 ح10 عن التهذيب.
(الصفحة 261)
وفي السند محمّد بن سنان، ونفى البُعد عن وثاقته الإمام الماتن (قدس سره) في كتابه في البيع(1) في هذه المسألة .
نعم ، مع الإجبار على أصل البيع لو لم يعيّن القيمة بوجه عيّنها الحاكم بما يراه، ولا محالة يراعى عدم الإجحاف كما هو ظاهر .
- (1) كتاب البيع للإمام الخميني(رحمه الله) 3: 603.
(الصفحة 262)الدخول فى الولايات من قبل الجائر و بعض فروعاته
مسألة 24 : لا يجوز مع الاختيار الدخول في الولايات والمناصب والأشغال من قبل الجائر وإن كان أصل الشغل مشروعاً مع قطع النظر عن تولّيه من قبله، كجباية الخراج، وجمع الزكاة، وتولّي المناصب الجنديّة والأمنيّة، وحكومة البلاد ونحو ذلك ، فضلاً عمّا كان غير مشروع في نفسه; كأخذ العشور والمكوس، وغير ذلك من أنواع الظلم المبتدعة .
نعم ، يسوغ كلّ ذلك مع الجبر والإكراه بإلزام من يُخشى من التخلّف عن إلزامه على نفسه، أو عرضه، أو ماله المعتدّ به، إلاّ في الدماء المحترمة ، بل في إطلاقه بالنسبة إلى تولّي بعض أنواع الظلم ـ كهتك أعراض طائفة من المسلمين، ونهب أموالهم، وسبي نسائهم، وإيقاعهم في الحرج، مع خوفه على عرضه ببعض مراتبه الضعيفة، أو على ماله إذا لم يقع في الحرج، بل مطلقاً في بعضها ـ إشكال بل منع .
ويسوِّغ خصوص القسم الأوّل ـ وهو الدخول في الولاية على أمر مشروع في نفسه ـ القيام بمصالح المسلمين وإخوانه في الدِّين ، بل لو كان دخوله فيها بقصد الإحسان إلى المؤمنين، ودفع الضرر عنهم كان راجحاً ، بل ربما بلغ الدخول في بعض المناصب والأشغال لبعض الأشخاص أحياناً إلى حدّ الوجوب ، كما إذا تمكّن شخص بسببه من دفع مفسدة دينيّة، أو المنع عن بعض المنكرات الشرعيّة مثلاً، ومع ذلك فيها خطرات كثيرة إلاّ لمن عصمه الله تعالى1.
1 ـ وقع التعرّض في هذه المسألة للدخول في الولايات والمناصب والأشغال من قبل الجائر ، وفيه فروض :
(الصفحة 263)
الأوّل : الدخول فيها وإن كان أصل الشغل مشروعاً في نفسه مع قطع النظر عن تولّيه من قبله، كالأمثلة المذكورة في المتن ، وقد حكم فيه في المتن بعدم الجواز وثبوت الحرمة .
ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه ظاهراً(1)، وإلى رواية تحف العقول المفصّلة المتقدّمة التي حكمنا باعتبار سندها(2)، المشتملة على قوله (عليه السلام) : «إنّ في ولاية الوالي الجائر دوس الحقّ كلّه، وإحياء الباطل كلّه، وإظهار الظلم والجور والفساد، وإبطال الكتب، وقتل الأنبياء والمؤمنين وهدم المساجد، وتبديل سنّة الله وشرائعه ، فلذلك حرُم العمل معهم، ومعونتهم، والكسب معهم، إلاّ بجهة الضرورة، نظير الضرورة إلى الدّم والميتة(3).
فإنّ مقتضى إطلاقه حرمة ولاية والي الجائر وإن لم تكن الولاية إلاّ في عمل مشروع; لاقتضاء طبع ولايته الاُمور المذكورة لأجل كونه جائراً، كما هو المفروض .
ومضافاً إلى إطلاق بعض الروايات المتقدِّمة في مسألة معونة الظالمين(4) روايات مستفيضة بل متواترة ، مثل :
صحيحة محمّد بن مسلم قال : كنّا عند أبي جعفر (عليه السلام) على باب داره بالمدينة،
- (1) منتهى المطلب 2: 1024، الطبعة الحجريّة، الحدائق الناضرة 18: 134، رياض المسائل 8 : 106، جواهر الكلام 22: 156، مصباح الفقاهة 1: 668.
- (2) في ص 11 ـ 15.
- (3) تحف العقول: 332، وعنه وسائل الشيعة 17: 84 ، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب2 قطعة من ح1 وبحار الأنوار 103: 45 قطعة من ح11، وفيهما وفي المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 2: 69 «دروس» بدل دوس.
- (4) في ص190 ـ 197.
(الصفحة 264)
فنظر إلى الناس يمرّون أفواجاً، فقال لبعض من عنده : حدث بالمدينة أمر؟ فقال : أصلحك الله (جعلت فداك خ ل) وُلّي المدينة وال فغدا الناس (إليه خل) يهنّؤونه ، فقال : إنّ الرجل ليغدي عليه بالأمر يهنّئ به، وأنّه لباب من أبواب النار(1) .
ورواية داود بن زربي قال : أخبرني مولى لعليّ بن الحسين (عليه السلام) قال : كنت بالكوفة فقدم أبو عبدالله (عليه السلام) الحيرة، فأتيته فقلت : جعلت فداك لو كلّمت داود بن علي أو بعض هؤلاء فأدخل في بعض هذه الولايات ، فقال : ما كنت لأفعل ـ إلى أن قال : ـ جعلت فداك ظننت أنّك إنّما كرهت ذلك مخافة أن أجور أو أظلم ، وإنّ كلّ امرأة لي طالق، وكلّ مملوك لي حرّ، وعليَّ وعليَّ إن ظلمت أحداً، أو جرتُ عليه (على أحد خ ل) وإن لم أعدل.
قال : كيف قلت ؟ فأعدت عليه الأيمان، فرفع رأسه إلى السماء فقال : تناول السماء أيسر عليك من ذلك(2) . بناءً على أن لا يكون المراد من «تناول السماء» إلخ الأيسريّة من عدم الظلم والجور .
وموثّقة مسعدة بن صدقة قال : سأل رجل أبا عبدالله (عليه السلام) عن قوم من الشيعة يدخلون في أعمال السلطان يعملون لهم ويحبّون لهم ويوالونهم ، قال : ليس هم من الشيعة ولكنّهم من اُولئك .
ثمّ قرأ أبو عبدالله (عليه السلام) هذه الآية : {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن م بَنِى إِسْرَ ءِيلَ عَلَى لِسَانِ
- (1) الكافي 5: 107 ح6، وعنه وسائل الشيعة 17: 188، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب45 ح2، والوافي 17: 155 ح17033، ومرآة العقول 19: 63 ح6.
- (2) الكافي 5: 107 ح9، وعنه وسائل الشيعة 17: 188، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب45 ح4، والوافي 17: 156 ح17036، ومرآة العقول 19: 64 ح9.