(الصفحة 74)
بحسب الحكم الأوّلي، إلاّ أنّه لا يبعد أن يقال بالحرمة بالعنوان الثانوي، كبيع السلاح من أعداء الدِّين على ما سيأتي إن شاء الله(1) ; نظراً إلى أنّ عالم الاستكبار حيث يكون بصدد هدم الإسلام وتضعيف المسلمين، يكون في الباطن مروّجاً لإشاعته، خصوصاً بين الشباب لتخديرهم ومنعهم من ممارسة دورهم في التصدّي لما يسعى الاستعمار إليه من نهب ثرواتهم والسيطرة على بلدانهم الإسلامية، ووضع اليد على كلّ ما وهبهم الله تعالى من خيرات وما منَّ عليهم من بركات ، وإن كان بحسب الظاهر ينادي بأعلى صوته بالمخالفة معه في جميع الأبعاد من الزرع والتهيئة والحمل والنقل إلى الممالك المختلفة، لكنّه مخالفة ظاهريّة لا جدّية .
ولذلك نرى على ما نقل الموثّقون المطّلعون أنّ قيمة السكائر في البلدان المترقّية تكون أكثر من قيمتها في بلدان غيرها بكثير ، بحيث لا يمكن شراء مقدار منه في الاُولى بأضعاف القيمة الرائجة في الثانية .
ومن هذا يعلم أنّ غرضهم إشاعة هذه الاُمور جدّاً بين المسلمين ليسهل عليهم الوصول إلى أغراضهم الفاسدة التي يكون هدم أساس الإسلام في أولويّاتها ، خصوصاً بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية بعد مجاهدات كثيرة و تحمّل مشقّات عديدة من مؤسّسها الإمام الماتن (قدس سره) ، ومن تبعه من الناس أعمّ من الروحاني وغيره .
- (1) ص128 ـ 138، مسألة 11.
(الصفحة 75)
مسألة 7 : يجوز بيع الهرّة ويحلّ ثمنها بلا إشكال . وأمّا غيرها من أنواع السباع، فالظاهر جوازه إذاكان ذامنفعة محلّلة مقصودة عندالعقلاء.وكذا الحشرات بل المسوخ أيضاً إذا كانت كذلك، فهذا هو المدار في جميع الأنواع، فلا إشكال في بيع العلق الذي يمصّ الدم الفاسد، ودود القزّ، ونحل العسل وإن كانت من الحشرات، وكذا الفيل الذي ينتفع بظهره وعظمه وإن كان من المسوخ1.
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : بيع الهرّة التي تكون من السباع وإن كانت كثيرة في المنازل وغيرها، والظاهر أنّه لا مانع من الجواز فيه; لعدم كونها من الأعيان النجسة، وثبوت المنفعة المحلّلة المقصودة لها، وقد نفى الإشكال في المتن عن جواز بيعها ، ويدلّ عليه بعض الروايات، مثل:
موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبدالله، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: . . . ولا بأس بثمن الهرّ(1) .
الثاني : غير الهرّة من أنواع السباع ، وقد استظهر في المتن الجواز إذا كان ذا منفعة محلّلة مقصودة عند العقلاء ، والظاهر أنّه لا مانع من جواز بيعها، خصوصاً جلود بعضها على ما سيجيء من دلالة بعض الروايات عليه، مثل:
صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه قال : سألته عن جلود السباع وبيعها وركوبها أيصلح ذلك؟ قال : لا بأس ما لم يسجد عليها(2) ، مضافاً إلى أنّه
- (1) تهذيب الأحكام 6: 356 ح1017، وعنه وسائل الشيعة 17: 119، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب14 ح3.
- (2) مسائل عليّ بن جعفر: 189 ح382، وعنه وسائل الشيعة 17: 172، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب37 ح5.
(الصفحة 76)
مقتضى القاعدة .
الثالث : الحشرات بل المسوخ أيضاً إذا كانت لها منفعة محلّلة مقصودة كما في المتن ، وعليه: فيجوز بيع العلق الذي يمصّ الدم الفاسد، ودود القزّ ونحل العسل، وكذا الفيل الذي ينتفع بظهره وعظمه كصنع المشط منه; لأنّه ـ مضافاً إلى جريان سيرة المتشرّعة عليه ـ يكون على طبق القاعدة ومقتضاها ، وما عن الشيخ في المبسوط(1) من دعوى الإجماع على عدم جواز بيع المسوخ وحرمة الانتفاع بها غير ثابتة. وشبهة النجاسة في الجميع مندفعة كمانعيّة مجرّد النجاسة عن جواز البيع.
و هنا روايات دالّة على الجواز في بعضها، مثل :
رواية عبدالحميد بن سعد قال : سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن عظام الفيل يحلّ بيعه أوشراؤه الذي يجعل منه الأمشاط؟فقال:لابأس، قدكان لأبي منه مشط أو أمشاط(2).
والظاهر أنّ الراوي هو عبد الحميد بن سعد; وهو من رجال صفوان، وقد وثّقهم جماعة، مثل رجال البزنطي وابن أبي عمير وإن كان الجميع قابلاً للمناقشة; لأنّ الوثاقة عندهم لا تدلّ على الثبوت واقعاً، وقد ناقشنا(3) فيما اشتهر في باب أصحاب الإجماع من تصحيح ما يصحّ عنهم، وقلنا بأنّ العبارات الواردة في شأنهم لا تدلّ على أزيد من الإجماع على وثاقة أنفسهم، ولا دلالة في شيء منها على تصحيح مايصحّ عنهم بوجه .
نعم ، قد مرّ في صحيحة ابن أبي يعفور المعروفة الواردة في بحث العدالة المذكورة
- (1) المبسوط: 2 / 166.
- (2) الكافي 5: 226 ح1، تهذيب الأحكام 6: 373 ح1083 و ج7: 133 ح585، وعنهما وسائل الشيعة 17: 171، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب37 ح2.
- (3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحدود: 448 ـ 452.
(الصفحة 77)
في باب الاجتهاد والتقليد(1) وبعض الأبواب الاُخر أنّ أحمد بن محمد بن يحيى العطار وإن لم يصرّح بوثاقته في الكتب الرجاليّة، إلاّ أنّ رواية جمع كثير من أعاظم الرواة وثقاتهم عنه أمارة على وثاقة الرجل وصحّة روايته، وقد حكينا ذلك عن سيّدنا الاُستاذ المحقّق البروجردي (قدس سره) في مجلس العزاء الذي أقامه في بيته الشريف ، فراجع .
لكنّ الذي يسهّل الخطب في المقام أنّ الحكم لا يكون على خلاف القاعدة حتّى يحتاج إلى إقامة دليل معتبر .
نعم، في بعض الروايات النهي بالنسبة إلى القرد; وهي رواية مسمع، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) نهى عن القرد أن يُشترى وأن يُباع(2) .
ثمّ إنّ الظاهر أنّ تقييد الحكم بالجواز في صحيحة عليّ بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمة بصورة عدم السجود على جلود السباع، يكون المراد به عدم إيقاع الصلاة فيها مطلقاً لا مجرّد نفي السجود عليها; لأنّ الصلاة في أجزاء غير مأكول اللحم ولو كانت شعرة منه غير صحيحة، والسباع محرّمة الأكل ظاهراً، فلابدّ من أن يكون المراد ماذكرنا، فتدبّر .
كما أنّ الظاهر أنّ النهي المحكيّ عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) في رواية مسمع شامل للتجارة بأجزاء القرد أيضاً، ولا يختصّ بالمجموع أو بحال الحياة .
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الاجتهاد والتقليد: 313 ـ 316.
- (2) الكافي 5: 227 ح7، تهذيب الأحكام 6: 374 ح1086 وج7: 134 ح594، وعنهما وسائل الشيعة 17: 171، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب37 ح4.
(الصفحة 78)
مسألة 8 : يحرم بيع كلّ ما كان آلة للحرام بحيث كانت منفعته المقصودة منحصرة فيه، مثل آلات اللّهو كالعيدان والمزامير والبرابط ونحوها، وآلات القمار كالنرد والشطرنج ونحوهما ، وكما يحرم بيعها وشراؤها يحرم صنعتها
والاُجرة عليها ، بل يجب كسرها وتغيير هيئتها . نعم ، يجوز بيع مادّتها من الخشب والصفر مثلاً بعد الكسر، بل قبله أيضاً إذا اشترط على المشتري كسرها، أو بيع المادّة ممّن يثق به أنّه يكسرها. ومع عدم ما ذكر ففيه إشكال. ويجوز بيع أواني الذهب والفضّة للتزيين والاقتناء1.
1 ـ يحرم بيع كلّ ما كان آلة للحرام محضاً بحيث كانت منفعته المقصودة العقلائية منها منحصرة في الحرام، مثل آلات اللهو كالأمثلة المذكورة في المتن، وكآلات القمار لا مثل السيف الذي يمكن استعماله في الحلال ويمكن استعماله في الحرام; فإنّ بيعه جائز مع عدم اشتراط استفادة خصوص الحرام منه، كما سيأتي(1) في مسألة بيع العنب ممّن يعلم أنّه يجعله خمراً.
لكن لابدّ هنا من التنبيه على أمر; وهو أنّ عدم جواز بيع الآلات المذكورة إنّما هو ما دامت الصفة المذكورة المحرّمة باقية فيها غير زائلة عنها، وإلاّ فلو فرض زوال عنوان الآلية للأمرين المتقدّمين عنه رأساً بحيث فرض خروجه عن الآلية للهو رأساً، أو عن القمار طرّاً، كما ربما يدّعى ذلك بالإضافة إلى مثل الشطرنج الذي كان آلة للقمار واليوم وسيلة لتكامل الفكر، فلايكون بيعه غير جائز وإن وردت رواية خاصّة فيه، وهي:
صحيحة أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : بيع الشطرنج حرام، وأكل ثمنه