(الصفحة 80)
ويرد عليه: أنّ رواية أبي بصير المتقدّمة صحيحة غير ضعيفة السند وإن كان الباقي كذلك، حتّى رواية أبي الجارود وإن كان نفسه ثقة زيديّاً ومؤسّساً لفرقة من الزيديّة المسمّاة بالجاروديّة، لكن سند عليّ بن إبراهيم صاحب التفسير إليه غير صالح ولايكون معتبراً .
نعم ، هنا رواية صحيحة; وهي رواية معمر بن خلاد، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة، وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر(1).
ويستفاد من المجموع أنّ اهتمام الشارع بالاجتناب عن الشطرنج إنما هو لأجل كونه من الآلة المهمّة للقمار المتداولة إلى مايقرب من زماننا هذا، فلامجال للحكم بلزوم الاجتناب عنه، ورفع اليد عن التجارة به لو كان خارجاً عن الآلية، وتداوله بهذه الجهة بين غير المسلمين من الأجانب، لايوجب الاجتناب بالإضافة إلينا، خصوصاً فيما لو كانت المراهنة به خالية عن العوض واللعب به للتكامل الفكري والرشد العقلي، كما ربما يقولون بذلك .
ومن هنا يظهر أنّه لو خرج سائر آلات القمار عن هذا العنوان لا مانع من البيع والشراء بالإضافة إليه، ولا يختصّ ذلك بالشطرنج، وسيجيء أنّ السيّد في تعليقة مكاسب الشيخ (قدس سره) فسّر زوال الصفة المحرّمة المذكور في كلام العلاّمة بزوال صفة الآلية للقمار أو اللعب وإن كانت الهيئة باقية بحالها، فتدبّر جيّداً .
وكما يحرم بيعها و شراؤها ـ أي آلات القمار ونحوها ـ والتجارة بها، تحرم صنعتها والاُجرة عليها; لعدم الماليّة لها شرعاً بعد الانحصار المذكور، بل اللاّزم
- (1) الكافي 6: 435 ح1، تفسير العيّاشي 1: 339 ح182، وعنهما وسائل الشيعة 17: 167، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب35 ح11 و ص323 ب104 ح1، وفي بحارالأنوار 79: 235 ح16 عن تفسير العيّاشي.
(الصفحة 81)
وجوب كسرها وتغيير هيئتها بحيث زالت المنفعة المقصودة منها للزوم إفناء مادّة الفساد وإتلاف ما لا منفعة فيه محلّلة عند الشارع .
نعم ، لو فرض بيع المادّة من الخشب والصفر ففيه صورتان :
إحداهما : ما إذا كان البيع بعد الكسر والتغيير، ولا مجال للإشكال في هذه الصورة; لعدم كون أجزاء المادّة بعد الكسر وتغيير الهيئة معدودة من آلات اللهو والقمار، والخشب والصفر يجوز بيعهما ولو مع المسبوقيّة بالهيئة المحرّمة; لأنّ المعيار هي الحالة الفعليّة لا ما كانت عليها من الحالة القبليّة، كما لايخفى .
ثانيتهما : ما إذا كان البيع قبل الكسر ولكن مورد المعاملة هي المادّة، وقد استشكل في الجواز في هذه الصورة إلاّ مع وجود أحد أمرين :
أحدهما : اشتراط الكسر على المشتري والبيع مع هذا الشرط .
ثانيهما : كون البائع له وثوق بأنّ المشتري يكسرها ويخرجها عن هذه الحالة .
قال في محكي التذكرة : ما أسقط الشارع منفعته لا نفع له، فيحرم بيعه كآلات الملاهي مثل العود والزمر، وهياكل العبادة المبتدعة كالصليب والصنم، وآلات القمار كالنرد والشطرنج إن كان رضاضها لا يعدّ مالاً، وبه قال الشافعي(1). وإن عدّ مالاً فالأقوى عندي الجواز مع زوال الصفة المحرّمة (2)، انتهى .
وفي محكي المسالك أنّه لو كان لمكسورها قيمة، وباعها صحيحة لتكسر وكان المشتري ممّن يوثق بديانته، ففي جواز بيعها حينئذ وجهان. وقوّى في التذكرة
- (1) العزيز شرح الوجيز، المعروف بالشرح الكبير 4: 30، المجموع شرح المهذّب 9: 243، روضة الطالبين: 3:70.
- (2) تذكرة الفقهاء: 10: 36 مسألة 16.
(الصفحة 82)
الجواز مع زوال الصفة، وهو حسن، والأكثر أطلقوا المنع (1)، انتهى .
وظاهر هذه العبارة اعتبار كلا الأمرين من الاشتراط والوثوق بالكسر لا أحدهما على سبيل المنفصلة مانعة الخلوّ، ولعلّه الظاهر لا ما أفاده الماتن من كفاية أحدهما .
وقال الشيخ الأعظم : إن أراد بزوال الصفة زوال الهيئة; فلاينبغي الإشكال في الجواز، ولا ينبغي جعله محلاًّ للخلاف بين العلاّمة والأكثر(2) .
وعن السيّد في الحاشية: لعلّه أراد بزوال الصفة عدم مقامرة الناس به وتركهم له; بحيث خرج عن كونه آلة القمار وإن كانت الهيئة باقية(3) .
وبعض الأعلام بعد أن أورد على التوجيهين ببعدهما عن مساق كلام العلاّمة ـ لأنّ ظاهر عبارته أنّ الحرمة الفعليّة تدور مدار عدم صدق الماليّة على إكسارهاـ احتمل وقوع التحريف في كلامه بالتقديم والتأخير، بأن تكون العبارة: وإن عدّ مالاً مع زوال الصفة المحرّمة، فالأقوى عندي الجواز(4) .
أقول : من المستبعد جدّاً جواز المعاملة على الآلات المحرّمة ـ وإن فرض صدق الماليّة على اكسارها ـ بدون أحد الأمرين المذكورين في المتن: من الاشتراط، أوالثقة بالكسر في بيع المادّة فضلاً عن بيعها صحيحة، كما هو المفروض في عبارة المسالك المتقدّمة وإن كانت الهيئة لا ماليّة لها ، مضافاً إلى أنّ لازم ما أفاده بعض الأعلام أن يكون القيد توضيحيّاً، وهو خلاف الظاهر من كلام العلاّمة، وإلى أنّ
- (1) مسالك الأفهام 3: 122.
- (2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 117.
- (3) حاشية كتاب المكاسب للسيّد اليزدي 1: 48.
- (4) مصباح الفقاهة 1: 252.
(الصفحة 83)
إيراد الشيخ باق على هذا الاحتمال أيضاً، كما لا يخفى .
واحتمل بعض الأعلام (قدس سره) أيضاً(1) حذف كلمة «الاشتراط» بعد كلمة «مع»; أي بشرط تغيير الهيئة من قبل البائع، ثمّ اعترف بعدم الوصول إلى مراده، ووجه استحسان صاحب المسالك تفصيل العلاّمة في مقابل المشهور القائلين بالمنع مطلقاً.
أقول : ولايبعد أن يقال بقرينة كلمة الإطلاق المقابلة للاشتراط بهذا الاحتمال. وعليه: فمراد العلاّمة في صورة بيع الآلات صحيحة الجواز بشرط تغيير الهيئة ، ومراد الأكثر المنع ولو مع الشرط . وأمّا صورة البيع بعد الكسر فلا إشكال ولا خلاف في الصحّة، فتدبّر .
وأمّا أواني الذهب والفضّة، فحيث إنّ منفعتها لا تنحصر بالأكل والشرب فيها، بل يجوز الاستفادة منها للتزيين والاقتناء، وهما لايعدّان من المنفعة العقلائيّة المحلّلة غير المقصودة ، بل كما نشاهد بالوجدان وجود تلك الاستفادة منها للمتموّلين، فلامانع من جواز البيع والشراء بالإضافة إليها لهذا الغرض والمقصد غير النادر وإن كان الوضع الأوّل في باب الأواني هي الاستعمال في الأكل والشرب، وقد فصّلنا في باب المطهّرات(2) بين التزيين والاقتناء بحرمة الأوّل كالاستعمال، دون الثاني، فراجع .
وكلام المتن يدلّ على عدم التفصيل وجواز كلا العنوانين، بل ربما يشعر بعدم الفرق بينهما بلحاظ العطف بالواو لا بـ «أو»، كما لايخفى ، ومن الواضح اختلافهما كما أفاده في بحث الأواني من كتاب الطهارة(3) .
- (1) مصباح الفقاهة 1: 252.
- (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، المطهّرات: 686 ـ 688.
- (3) كتاب الطهارة للإمام الخميني(رحمه الله) 4: 208.
(الصفحة 84)بيع الدراهم الخارجة عن الاعتبار، أو المغشوشة
مسألة 9 : الدراهم الخارجة عن الاعتبار، أو المغشوشة المعمولة لأجل غشّ الناس تحرم المعاملة بها وجعلها عوضاً أو معوّضاً في المعاملات مع جهل مَنْ تدفع إليه ، بل مع علمه واطّلاعه أيضاً على الأحوط لو لم يكن الأقوى، إلاّ إذا وقعت المعاملة على مادّتها واشترط على المتعامل كسرها، أو كان موثوقاً به في الكسر; إذ لايبعد وجوب إتلافها ولو بكسرها دفعاً لمادّة الفساد1.
1 ـ الدراهم التي أصلها من فضّة، إذا خرجت عن الاعتبار الحكومي، أو كانت مغشوشة معمولة لأجل غشّ الناس، فيها مقامان :
وينبغي قبل البحث عن المقامين ملاحظة أنّ الماليّة الموجبة لصحّة جعلها عوضاً أو معوّضاً بالنسبة إلى الدراهم ومثلها ـ ولاسيّما بالإضافة إلى مثل الورق المتداول في كثير من الممالك في زماننا هذا، مكان الدرهم والدينار المتداولين في السابق ـ بماذا يتقوّم وبِمَ تتحقّق، خصوصاً مع ملاحظة بعض التشكيلات التقنينيّة اليوم، من ملاحظة المهريّة المجعولة في الزمان السابق بقيمة اليوم، المعادلة لأضعاف ذلك الزمان، وسمعت هذه الملاحظة بالنسبة إلى سائر الديون أيضاً.
والتحقيق أنّ ماليّة مثل الورق متقوّمة بالاعتبار من ناحية الحاكم المستولي على المملكة وبيده زمام اُمورها، ولايلزم أن يكون له ما يسمّى بـ «پشتوانه»، كالذهب والنفط والاُمور الاُخر; لعدم العلم بوجودها، فضلاً عن العلم بالمقدار المساوي للورق الخاصّ، بل ماليّة مثله أمر اعتباري تدوم ما دام بقاء ذلك الاعتبار.
وممّا اشتهر من بعض من يدّعي التنوّر الفكريّ من الروحانيّين، ومن بعض المتجدّدين غير المطّلعين على المباني; من أنّ مقدار ماليّته إنّما هو بملاحظة القدرة على الشراء ، ومن المعلوم أنّ ما كان يشترى بألف تومان (درهم) مثلاً، لعلّه كان