(الصفحة 11)
كما لو قتل الناس كلّهم ، ومن شدّ على عضد نبي أو إمام فكأنّما أحيا الناس جميعاً في استحقاق الثواب .
ومنها: أنّ معناه من قتل نفساً بغير حق فعليه مثل مأثم كلّ قاتل من الناس ، لأنّه سنّ القتل وسهّله لغيره ، فكان بمنزلة المشارك فيه ، ومن زجر عن قتلها بما فيه حياتها على وجه يقتدي به فيه بأن يعظّم تحريم قتلها كما حرّمه الله ، فلم يقدم على قتلها لذلك فقد أحيا الناس بسلامتهم منه .
ومنها: غير ذلك من التأويلات .
ولكنّ الظاهر عدم تمامية شيء منها وعدم انطباقه على ما هو ظاهر الآية ، ولكنّه قد ورد في تفسيرها روايات ولا محيص عن حملها عليها ، مثل رواية محمد ابن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله ـ عزّوجلّ ـ :
{مَنْ قَتَلَ نَفساً بِغَيرِ نَفس أَو فَسَاد فِي الأَرضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النّاس جَمِيعَاً} قال: له في النار مقعد ، لو قتل الناس جميعاً لم يرد إلاّ ذلك المقعد(1) .
ورواية حمران قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ما معنى قول الله عزّوجلّ :
{مِن أَجل ذَلِكَ كَتَبنَا عَلَى بَنِي إِسرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفساً بِغَيرِ نَفس أَو فَسَاد فِي الأَرضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَاسَ جَمِيعاً وَمَن أَحيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحيَا النّاسَ جَمِيعاً} قال: قلت: كيف كأنّما قتل الناس جميعاً ، فإنّما قتل واحداً؟ فقال: يوضع في موضع من جهنّم إليه ينتهي شدّة عذاب أهلها لو قتل الناس جميعاً لكان إنّما يدخل ذلك المكان . قلت: فإنّه قتل آخر؟ قال: يضاعف عليه(2) .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 2 ، أبواب القصاص في النفس ب 1 ح 1 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 2 ، أبواب القصاص في النفس ب 1 ح2 .
(الصفحة 12)
ورواية حنّان بن سدير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عزّوجلّ:
{وَمَن قَتَلَ نَفساً بِغَيرَ نَفس أَو فَسَاد فِي الأَرضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَاسَ جَمِيعاً} قال: هو واد في جهنّم لو قتل الناس جميعاً كان فيه ، ولو قتل نفساً واحدة كان فيه(1) .
ومرجعها إلى اشتراك كليهما في الورود في واد خاصّ في جهنّم ، الذي إليه ينتهي شدّة عذاب أهلها ، غاية الأمر وجود الإختلاف من جهة الشدّة والضعف بينهما ، كما صرّح بالتضاعف في رواية حمران .
بقي الكلام في بيان ما يوجب القصاص ، وقد ذكر في المتن أنّه إزهاق النفس المعصومة عمداً مع الشرائط الآتية ، وقد عرّفه المحقّق في الشرائع بأنّه: إزهاق النفس المعصومة المكافئة عمداً عدواناً(2) . فأدخل جملة من الشرائط في قوله: المكافئة ، وجملة في العمد ، نظراً إلى أنّ عمد الصبي والمجنون خطأ .
ويرد على المتن ـ مضافاً إلى أنّ الجمع بين توصيف النفس بالمعصومة مع جعل واحد من الشرائط الآتية «كونه محقون الدم» ممّا لا فائدة فيه أصلاً; لأنّ المراد منهما أمر واحد ـ أنّه إن كان المراد بالمعصومة هو المعصومة مطلقا وبالإضافة إلى كلّ أحد كما هو ظاهر الإطلاق ، فاللازم أن لا يكون قتل من استحق القتل قصاصاً أو دفاعاً موجباً للقصاص إذا تحقّق من الأجنبيّ; لعدم كونه معصوماً مطلقاً; لجواز قتله بالإضافة إلى ورثة المقتول أو الدافع ، وإن كان المراد هو المعصومة بالإضافة إلى القاتل فاللازم التقييد به وعدم الاقتصار على الإطلاق .
ثمّ إنّ النفس غير المعصومة قد تكون مهدورة الدّم كما في سابّ النبيّ(صلى الله عليه وآله)أو
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 5 ، أبواب القصاص في النفس ب 1 ح 10 .
- (2) شرائع الإسلام: 4 / 971 .
(الصفحة 13)مسألة 1 ـ يتحقّق العمد محضاً بقصد القتل بما يقتل ولو نادراً ، وبقصد فعل يقتل به غالباً وإن لم يقصد القتل به . وقد ذكرنا تفصيل الأقسام في كتاب الدّيات1..
مدّعي النبوّة ، حيث إنّه يجوز لكلّ من سمع ذلك منهما التصدي لقتله وإزهاق نفسه ، ففيه لا يتحقّق الموجب للقصاص بلا إشكال ، وقد يكون إزهاقها بعنوان الحدّ الذي يتوقف على إذن الحاكم ، كما في الزاني المحصن واللائط إيقاباً والمرتدّ الفطري ، وتحقّق الموجب فيه محلّ إشكال بل منع ، لأنّ مجرّد لزوم مباشرة الحاكم وإذنه لا يوجب كون النفس معصومة بعد وضوح أنّ الشارع أسقط احترامها لأجل الجناية التي ارتكبها ، وسيأتي عند تعرّض المتن له تفصيل البحث في ذلك إن شاء الله تعالى .
1 ـ ظاهر العبارة أنّ العمد محضاً الذي هو معتبر في ما يوجب القصاص يتحقّق في موارد ثلاثة:
المورد الأوّل:ما إذا قصد القتل وكانت الآلة ممّا يتحقّق به القتل غالباً ، ويستعمل في هذا الغرض نوعاً ، وهذا هو القدر المتيقّن من موارد العمد ، لأنّ المفروض صدور القتل عن قصد وإرادة ، وكون الآلة مؤثِّرة في حصوله غالباً(1) .
الموردالثاني: ماإذا قصدالقتل ولكن لم تكن الآلة مؤثّرة في القتل إلاّ نادراً، كالعصا ونحوه واتّفق القتل به ، وقد قيل: إنّ فيه قولين ، ولكن في الجواهر بعد نسبة ثبوت القصاص إلى الأشهر واحتماله أنّ عليه عامّة المتأخّرين: لم أجد فيه خلافاً ، وإن
- (1) الوسيلة: 429 ، شرائع الإسلام: 4 / 971 ، قواعد الأحكام: 2 / 277 ، تحرير الأحكام: 2 / 240 ، كنز العرفان: 2 / 366 ، مسالك الأفهام: 15 / 67 ، رياض المسائل: 10 / 234 .
(الصفحة 14)
أرسل(1) ، نعم يظهر من اللمعة نوع تردّد فيه(2) .
وكيف كان فالظاهر أنّ مقتضى القاعدة هو ثبوت القصاص; لأنّ المفروض قصد القتل وتحقّقه في الخارج ، ومجرّد عدم تأثير الآلة في القتل إلاّ نادراً لا يقتضي الخروج عن صدق عنوان العمد ، ولكنّه ورد في هذا الأمر روايات مختلفة:
فطائفة منها تدلّ على تحقّق العمد في هذا المورد :
مثل: صحيحة عبدالرّحمن بن الحجاج قال: قال لي أبو عبدالله (عليه السلام) : يخالف يحيى ابن سعيد قضاتكم؟ قلت: نعم ، قال: هات شيئاً ممّا اختلفوا فيه ، قلت: اقتتل غلامان في الرحبة ، فعضّ أحدهما صاحبه ، فعمد المعضوض إلى حجر فضرب به رأس صاحبه الذي عضّه ، فشجّه فكزّ فمات ، فرفع ذلك إلى يحيى بن سعيد فأقاده ، فعظم ذلك على ابن أبي ليلى وابن شبرمة ، وكثر فيه الكلام وقالوا: إنّما هذا الخطأ ، فودّاه عيسى بن علي من ماله . قال: فقال: إنّ من عندنا ليقيدون بالوكزة ، وإنّما الخطأ أن يريد الشيء فيصيب غيره(3) .
والغلامان في الرّواية محمول على البالغين ، والظاهر إرادة القتل في مورد الرّواية ، كما يدلّ عليه قوله: «اقتتل» ، وعليه فحصر الخطأ فيما إذا أراد الشيء فأصاب غيره ظاهر في ثبوت العمد في مورد الرواية مع كون الحجر لا يقتل غالباً .
وصحيحة الحلبي ، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) : العمد كلّ ما اعتمد شيئاً فأصابه بحديدة أو بحجر أو بعصا أو بوكزة ، فهذا كلّه عمد; والخطأ من اعتمد شيئاً
- (1) جواهر الكلام : 42 / 13 .
- (2) اللمعة الدمشقية: 174 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 23 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 1 .
(الصفحة 15)
فأصاب غيره(1) .
ومرسلة جميل بن دراج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: قتل العمد كلّ ما عمد به الضرب فعليه القود ، وإنّما الخطأ أن تريد الشيء فتصيب غيره . وقال: إذا أقرّ على نفسه بالقتل قتل وإن لم يكن عليه بيّنة(2) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لو أنّ رجلاً ضرب رجلاً بخزفة أو بآجرة أو بعود فمات كان عمداً(3) . والقدر المتيقّن منها صورة إرادة القتل وقصده لا مجرّد الضرب بإحداها ، وإن لم يكن قاصداً للقتل أصلاً .
ورواية عبدالرحمن بن الحجاج المروية في تفسير العياشي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: إنّما الخطأ أن تريد شيئاً فتصيب غيره ، فأمّا كلّ شيء قصدت إليه فأصبته فهو العمد(4) .
ومرسلة ابن أبي عمير المروية في التفسير المزبور عن أحدهما (عليهما السلام) ، قال: كلّما أُريد به ففيه القود ، وإنّما الخطأ أن تريد الشيء فتصيب غيره(5) . ونقلها في الجواهر هكذا: مهما اُريد تعيّن القود(6) . . . ، وجعلها من الروايات المعارضة لهذه الروايات مع وضوح ظهورها في ثبوت القود في المقام ، خصوصاً مع حصر الخطأ فيما ذكر .
وطائفة ظاهرها عدم تحقّق العمد وعدم ثبوت القود .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 24 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 3 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 25 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 6 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 26 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 8 .
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 28 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 18 .
- (5) وسائل الشيعة: 19 / 28 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 16 .
- (6) جواهر الكلام : 42 / 15 .