(الصفحة 307)مسألة 11 ـ لايجوز الاستيفاء في النفس والطرف بالآلة الكالّة وما يوجب تعذيباً زائداً على ما ضرب بالسيف ، مثل أن يقطع بالمنشار ونحوه ، ولو فعل أثم وعزّر لكن لا شيء عليه ، ولا يقتصّ إلاّ بالسيف ونحوه ، ولا يبعد الجواز بما هو أسهل من السيف كالبندقة على المخ ، بل وبالاتّصال بالقوّة الكهربائية ، ولو كان بالسيف يقتصر على ضرب عنقه ، ولو كانت جنايته بغير ذلك كالغرق أو الحرق أو الرضخ بالحجارة ، ولا يجوز التمثيل به1..
غالباً يتحقّق موجب القصاص ، وإن لم يكن معه شيء من الأمرين تثبت الدية .
غاية الأمر أنّه حيث يكون القتل مسبّباً عن قطع العضو بالآلة المسمومة ، وهو أمر واحد اجتمع فيه حيثيّتان : حيثية الاستحقاق من جهة أصل القطع ، وحيثية عدم الاستحقاق من جهة كون القطع بالآلة الكذائية ، فلا محالة يتحقّق المناصفة . ففي صورة القصاص لابدّ من ردّ نصف الدية إليه أو إلى وارثه ، وفي صورة إعطاء الدية لا يلزم إلاّ أداء نصف الدية ، لما عرفت من اجتماع جهتين في سبب واحد وفعل فارد . وقد عرفت في مسألة الشركة أنّ مجرّد تحقّقها يوجب التنصيف ، ولا يلاحظ عمل الشريكين من جهة الكمّية والكيفية أصلاً ، بل الموجب مجرّد انتساب العمل إلى كليهما ، وممّا ذكرنا يظهر حكم ما لو سرى السمّ إلى عضو آخر من دون أن يؤدّي إلى الموت ، فإنّه يتحقّق بالإضافة إليه الضمان قصاصاً أو دية .
1 ـ في هذه المسألة جهات من الكلام:
الجهة الأُولى: عدم جواز الاستيفاء مطلقاً نفساً أو طرفاً بالآلة الكالة التي توجب تعذيباً زائداً على ما ضرب بالسيف ، مثل القطع بالمنشار المذكور في المتن . وقد استدلّ له في الجواهر ـ مضافاً إلى نفي الخلاف فيه ـ بالنبوي: إذا قتلتم فأحسنوا
(الصفحة 308)
القتلة(1) ، وبالأمر بإراحة الذبيحة وتحديد الشفرة للذبح ، ففي الآدميّين أولى(2) .
والأولى الاستدلال له بأنّ غاية ما ثبت في الشريعة بمقتضى الكتاب والسنّة هو القصاص بمعنى النفس بالنفس والعين بالعين وهكذا ، وأمّا التعذيب الزائد الذي يستلزمه استعمال الآلة الكالّة فلم يثبت جوازه فيها ، فكما أنّه لا يجوز عقوبة زائدة على أصل القتل بمثل الضرب ونحوه ، كذلك لا يجوز استعمال الآلة المذكورة لعين ذلك ، ولا فرق في هذه الجهة بين ما لو كانت الجناية الأصلية واقعة بالكالّ أم لا ، لما سيأتي من عدم جواز رعاية المماثلة في هذه الجهات . نعم لو خالف واستعمل الآلة المذكورة لا يترتّب عليه ضمان ، بل يعزَّر للمخالفة .
الجهة الثانية: هل تجوز المماثلة في مقام الاستيفاء ورعاية الجناية الواقعة ـ فلو كانت بالغرق مثلاً حكم بجوازه بالإضافة إلى المقتصّ منه ـ أم لا تجوز ذلك؟ حكي الأول عن أبي علي(3) وابن أبي عقيل(4) وعن الجامع حيث قال: إنّه يقتصّ بالعصا ممّن ضرب بها(5) ، ولعلّه يستفاد من كلامه لزوم المماثلة فضلاً عن جوازها . ولكن الأكثر(6) ، بل المشهور(7) ، بل ادّعي نفي الخلاف فيه(8) ، بل الإجماع(9) ، بل إجماع
- (1) سنن البيهقي: 12 / 98 ح16509 .
- (2) جواهر الكلام: 42 / 296 .
- (3) مختلف الشيعة: 9 / 453 مسألة 132 .
- (4) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 113 .
- (5) الجامع للشرائع: 599 .
- (6) مسالك الأفهام: 15 / 235 .
- (7) رياض المسائل: 10 / 337 .
- (8) غنية النزوع: 408 .
- (9) التنقيح الرائع: 4 / 446 ، الروضة البهية: 10 / 92 .
(الصفحة 309)
الفرقة وأخبارهم على الثاني(1) .
واستدلّ للأوّل ـ مضافاً إلى قوله تعالى:
{فَمَنِ اعتَدَى عَلَيْكُم فَاعتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثلِ مَا اعتَدَى عَلَيْكُم}(2) الظاهر في مماثلة الاعتداء الواقع المقابل مع الاعتداء أوّلاً من جميع الجهات ـ بالنبوي: من حرّق حرّقناه ومن غرّق غرّقناه(3) . وبالنبوي الآخر: إنّ يهودياً رضخ رأس جارية بالحجارة ، فأمر(صلى الله عليه وآله)فرضخ رأسه بالحجارة(4) . والرضخ بمعنى الضرب .
وفي محكي المختلف بعد الاستدلال بالآية قال: وهو وجه قريب(5) . وفي المسالك: لا بأس به(6) . وفي مجمع البرهان: الظاهر الجواز إن لم يكن إجماع(7) . والظاهر عدمه كما يفهم من شرح الشرائع(8) . وفي الروضة: هو متّجه لولا الاتفاق على خلافه(9) .
والظاهر أنّه لا دلالة للآية على ذلك ، لأنّها في مقام بيان أصل مشروعية المماثلة بمعنى وقوع النفس بالنفس والعين بالعين ومثلهما الذي وقع التصريح به في بعض آيات القصاص على ما عرفت ، وأمّا المماثلة في الكيفية فلا تكون الآية بصدد بيانها
- (1) الخلاف: 5 / 189 ـ 190 مسألة 55 .
- (2) البقرة 2 : 194 .
- (3) سنن البيهقي: 12 / 65 ملحق ح16424 .
- (4) سنن البيهقي: 12 / 62 ح16416 و 16417 .
- (5) مختلف الشيعة: 9 / 454 مسألة 132 .
- (6) مسالك الأفهام: 15 / 236 .
- (7) مجمع الفائدة والبرهان: 13 / 425 .
- (8) حكى عنه في مفتاح الكرامة : 11/113 .
- (9) الروضة البهية: 10 / 92 .
(الصفحة 310)
وإفادتها بوجه ، مع وضوح ضعف العموم في الآية ، لعدم جواز المماثلة في أصل الاعتداء أيضاً في جميع الموارد ، ضرورة عدم جواز الاعتداء بالسبّ والفحش مثلاً في مقابل الاعتداء بهذا النحو ، مع أنّ الروايات الآتية التي هي مستند المشهور مقيّدة لإطلاق الآية بناء على ثبوته .
وأمّا النبويّان فمضافاً إلى عدم ثبوتهما وعدم ظهورهما في تحقّق الموت بالاُمور المذكورة فيهما ، لا ينهضان للمقابلة مع الروايات الصحيحة الظاهرة الدلالة الآتية ، خصوصاً مع استناد المشهور إليها والفتوى على طبقها ، وهي:
صحيحة الحلبي وأبي الصباح الكناني جميعاً ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألناه عن رجل ضرب رجلاً بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتّى مات ، أيدفع إلى وليّ المقتول فيقتله؟ قال: نعم ، ولكن لا يترك يعبث به ولكن يجيز عليه بالسيف(1) .
ورواية موسى بن بكر ، عن عبد صالح (عليه السلام) في رجل ضرب رجلاً بعصا فلم يرفع العصا حتى مات ، قال: يدفع إلى أولياء المقتول ولكن لا يترك يتلذّذ به ، ولكن يجاز عليه بالسيف(2) .
وصحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل ضرب رجلاً بعصا فلم يرفع عنه حتّى قتل ، أيدفع إلى أولياء المقتول؟ قال: نعم ، ولكن لا يترك يعبث به ولكن يجاز عليه(3) . وغير ذلك من الروايات الظاهرة في هذه الجهة . ومع ملاحظتها لا يبقى ارتياب في أنّ الحقّ ما عليه المشهور .
الجهة الثالثة: في أنّه بعد عدم جواز المماثلة المطلقة هل يتعيّن الاقتصاص
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 24 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح2 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 26 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح10 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 27 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح12 .
(الصفحة 311)
بالسيف أو يجوز بمطلق الحديد أو يجوز بالوسائل الموجودة في هذا الزمان ، التي هي أسهل من السيف كالأمرين المذكورين في المتن؟ ظاهر أكثر العبارات الأوّل(1) ، وأضيف إلى السيف في بعض الكتب: وما جرى مجراه(2) . وقد وقع التعبير بالحديد في بعض آخر(3) ، ونفى في المتن البعد عن الثالث .
والحقّ أن يقال: إنّه قد وقع في الروايتين من الروايات المتقدّمة التعبير بأنّه يجاز أو يجيز عليه بالسيف . يقال: أجاز عليه: أي أجهزه وأسرع في قتله . وقد وقع في رواية منها التعبير بأنّه يجاز عليه ، وحينئذ يحتمل أن يقال: بأنّ إطلاق الرواية الأخيرة مقيّد بالروايتين الآخرتين ، ويحتمل أن يقال : ببقاء الرواية على إطلاقها وحمل التقييد بالسيف على كونه لأجل تأثيره في تحقّق السرعة في الموت ، فلا خصوصية له بوجه .
فعلى الأوّل يتعيّن الاقتصاص بالسيف إلاّ أن يقال بشمول الجواز لما هو أسهل بتنقيح المناط أو بالأولويّة ، وعليه يمكن منع هذا القول ، فتدبّر .
وعلى الثاني يكون الجواز في السيف وما هو أسهل بنحو واحد ، لفرض إطلاق الدليل واقتضائه مجرّد الإسراع في القتل بأيّة آلة تحقّق ، كما لا يخفى . وعليه فما في المتن يبتنى على الأوّل .
الجهة الرابعة: في أنّه إذا أُريد الاقتصاص بالسيف تعييناً أو تخييراً فلا إشكال في عدم جواز التمثيل به وقطع الأعضاء متعاقباً ، وذلك للنّهي في أخبار كثيرة عن
- (1) كالمقنعة: 736 والمراسم العلوية: 237 وشرائع الإسلام: 4 / 1002 واللمعة الدمشقية: 179 وإرشاد الأذهان: 2 / 198 وقواعد الأحكام: 2 / 301 .
- (2) كالمبسوط : 7 / 72 والمختصر النافع: 316 .
- (3) كالنهاية: 734 والخلاف: 5 / 189 مسألة 55 والغنية: 408 وإصباح الشيعة: 494 .