(الصفحة 152)مسألة 1 ـ لا تسقط الكفارة عن الأب بقتل ابنه ولا الدية ، فيؤدّي الدية إلى غيره من الورّاث ، ولا يرث هو منها1..
ويحدّ الولد للوالد إذا قذفه(1) .
وصحيحة ظريف ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: وقضى أنّه لا قود لرجل أصابه والده في أمر يعيب عليه فيه ، فأصابه عيب من قطع وغيره ، ويكون له الدية ولا يقاد(2) . ويظهر من هذه الرواية كون هذا الشرط أيضاً معتبراً في قصاص الطرف أيضاً ، ولا يختصّ بقصاص النفس ، وعليه فتفريع عدم القتل على هذا الشرط كما في المتن إنّما هو تفريع على البعض لا الكلّ .
ثمّ إنّ المشهور شهرة عظيمة(3) شمول الحكم لأب الأب وهكذا ، وحكي عن المحقّق في النافع الترديد فيه(4) ، ولكن مقتضى إطلاق كثير من الروايات وترك الاستفصال في بعضها كرواية الحلبي المتقدّمة الشمول لصدق الوالد لغة وعرفاً عليه ، كصدق الولد على ولد الولد ، والأظهر من ذلك ما عبّر فيه بالأب والإبن كرواية أبي بصير المتقدّمة أيضاً .
1 ـ أمّا عدم سقوط الكفارة فلترتّبها على قتل العمد المحرّم ، والمفروض تحقّقه ، وسقوط القصاص لا يستلزم سقوطها أيضاً ، كما أنّ الظاهر ثبوت الدية لاحترام
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 58 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح8 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 58 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح10 .
- (3) المبسوط: 7 / 9 ، الخلاف: 10 / 152 مسألة 10 ، الوسيلة: 431 ، شرائع الإسلام: 4 / 988 ، كشف الرموز: 2 / 610 ، قواعد الأحكام: 2 / 291 ، تحرير الأحكام: 2 / 248 ـ 249 ، إرشاد الأذهان: 2 /203 ، اللمعة الدمشقية: 176 ، الروضة البهية: 10 / 64 ، رياض المسائل: 10 / 291 .
- (4) المختصر النافع: 314 .
(الصفحة 153)مسألة 2 ـ لا يقتل الأب بقتل ابنه ولو لم يكن مكافئاً ، فلا يقتل الأب الكافر بقتل ابنه المسلم1.
مسألة 3 ـ يقتل الولد بقتل أبيه ، وكذا الأمّ وإن علت بقتل ولدها ، والولد يقتل بأُمّه ، وكذا الأقارب كالأجداد والجدّات من قبل الأم ، والإخوة من الطرفين ، والأعمام والعمّات والأخوال والخالات2..
دم الولد ، ولم يدلّ دليل على كونه هدراً ولو بالإضافة إلى خصوص الوالد ، وسقوط القصاص لا يوجبه ، هذا مضافاً إلى التصريح به في صحيحة ظريف ، نعم لا يرث الأب المؤدّي للدية عنها ، لكون القتل المحرّم مانعاً عن ثبوت الإرث . والظاهر ثبوت التعزير أيضاً ، وإن كان عدم التعرّض له في المتن يشعر بعدم ثبوته ، والوجه في الثبوت ـ مضافاً إلى ثبوته في المعصية مطلقاً أو في خصوص الكبيرة ، وسقوط القصاص لا ينافيه ـ رواية جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الرجل يقتل ابنه أو عبده قال: لايقتل به ، ولكن يضرب ضرباً شديداً وينفى عن مسقط رأسه(1) ، بناء على حملها على كونه من مصاديق التعزير بما يراه الحاكم .
1 ـ الوجه فيه إطلاق الأدلّة والروايات الشامل لصورة عدم التكافؤ في الإسلام أو في الحرية .
2 ـ أمّا قتل الولد بقتل أبيه ، فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى عمومات أدلّة القصاص ـ صريح كثير من الروايات المتقدّمة الواردة في هذا الشرط ، والظاهر كون المسألة إجماعيّة أيضاً . وأمّا قتل الأمّ وإن علَتْ بقتل ولدها ، فقد خالف فيه من علمائنا
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 58 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح9 .
(الصفحة 154)
الإسكافي(1) الذي وافق العامّة على ذلك(2) ، ولا دليل على الالتحاق بالأب إلاّ القياس والاستحسان ، وأدلّة احترامها حتّى زائدة على الأب لا تقتضي مساواتها له في هذه الجهة أيضاً ، بعد عدم شمول دليل المخصِّص في مقابل عمومات أدلّة القصاص لها ، وبعد الاختلاف بينها وبين الأب في بعض الأحكام كالولاية ونحوها .
وأمّا قتل الولد بقتل أُمّه فيدلّ عليه مضافاً إلى العمومات ، خصوص صحيحة أبي عبيدة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل أُمّه ؟ قال: يقتل بها صاغراً ، ولا أظنّ قتله بها كفّارة له ، ولا يرثها(3) .
وقد احتمل المجلسي الأوّل في شرح «من لا يحضره الفقيه» في معنى قوله (عليه السلام) : «صاغراً» احتمالين:
أحدهما: كونه بمعنى عدم ردّ فاضل الدية ، وهو النصف عليه ، مع ثبوته في سائر موارد قتل الرجل المرأة .
وثانيهما: كونه بمعنى الضّرب الشديد قبل القتل ، ومعنى قوله (عليه السلام) : «لا أظنّ» هو عدم كون القصاص بمجرّده كفارة لذنب القتل المحرَّم الصّادر منه ، فلا ينافي كون التوبة مؤثِّرة في التكفير(4) .
وكيف كان فإن كان معنى قوله (عليه السلام) : «صاغراً» هو الاحتمال الأوّل ، فالرواية ناطقة بعدم رد فاضل الدية; وإن كان معناه هو الاحتمال الثاني فعدم الردّ يستفاد من
- (1) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9 / 451 مسألة 129 .
- (2) المغني لابن قدامة: 9 / 360 ، الحاوي الكبير: 15 / 163 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 57 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح5 .
- (4) روضة المتقين: 10 / 329 ـ 330 .
(الصفحة 155)مسألة 4 ـ لو ادّعى اثنان ولداً مجهولاً ، فإن قتله أحدهما قبل القرعة فلا قود ، ولو قتلاه معاً فهل هو كذلك لبقاء الاحتمال بالنسبة إلى كلّ منهما أو يرجع إلى القرعة؟ الأقوى هو الثاني ، ولو ادّعياه ثمّ رجع أحدهما وقتلاه توجّه القصاص على الراجع بعد ردّ ما يفضل عن جنايته ، وعلى الآخر نصف الدية بعد انتفاء القصاص عنه ، ولو قتله الراجع خاصّة اختصّ بالقصاص ، ولو قتله الآخر لا يقتصّ منه ، ولو رجعا معاً فللوارث أن يقتصّ منهما بعد ردّ دية نفس عليهما ، وكذا الحال لو رجعا أو رجع أحدهما بعد القتل ، بل الظاهر أنّه لو رجع من أخرجته القرعة كان الأمر كذلك ، بقي الآخر على الدعوى أم لا1..
عدم التعرّض في الرواية له ، مع كون ظاهر السؤال أنّ محطّه هو جميع الأحكام الثابتة في هذا الفرض ، والجواب متعرِّضاً لمسألة الإرث والكفّارة أيضاً ، ولعلّه لذلك قال في الجواهر: ظاهر النّص عدم ردّ فاضل ديته عليه(1) .
وأمّا سائر الأقارب فالحكم فيهم على طبق القاعدة المقتضية للقصاص ، وصدق الوالد على أب الأُمّ أيضاً لا يقتضي اللّحوق بأب الأب ، بعد عدم الفتوى بذلك أصلاً ، كما لا يخفى .
1 ـ لو ادّعى اثنان ولداً مجهولاً فقد ذكر له في هذه المسألة المرتبطة بالقصاص فروع:
الأوّل: ما لو قتله أحدهما قبل القرعة ، وفي المتن تبعاً للمحقّق في الشرائع أنّه لا قود فيه ولا قصاص عليه ، واستدلّ عليه في الشرائع بتحقّق الاحتمال في طرف
- (1) جواهر الكلام: 42 / 171 .
(الصفحة 156)
القاتل(1) . وأضاف عليه صاحب الجواهر قوله: فلم يثبت شرط القصاص الذي هو انتفاء الأبوّة في الواقع ، مضافاً إلى إشكال التهجّم على الدماء مع الشبهة(2) .
وصريح بعض الأعلام(3) ثبوت القصاص فيه ، نظراً إلى أنّه لا مانع من إحراز موضوع جواز القتل بالأصل ، لجواز التمسّك به لإثبات كون الفرد المشكوك فيه من الأفراد الباقية تحت العام ، فلا مانع في المقام من الرجوع إلى استصحاب عدم كون القاتل والداً للمقتول ، وبه يحرز الموضوع بضمّ الوجدان إلى الأصل .
ويرد عليه ما حقّقناه في الأصول من عدم جريان مثل هذا الاستصحاب ممّا كانت القضيّة المتيقّنة قضية سالبة بانتفاء الموضوع ، وكانت القضية المشكوكة هي السالبة بانتفاء المحمول ، لتغاير القضيتين وعدم تحقّق الوحدة في البين ، والمقام كذلك كما هو ظاهر .
والحقّ في المقام عدم ثبوت القصاص، لالعدم إحرازالشرط كماعرفت من الجواهر لعدم ثبوت الشرط الاصطلاحي في المقام، وجعل انتفاءالأبوّة شرطاًفي الكتب الفقهية كما في المتن لا يوجب الثبوت ، بعد كون الدليل عبارة عن عمومات أدلّة القصاص والروايات الدالّة على أنّه لا يقاد والد بولده التي هي مخصصة لتلك العمومات، والتخصيص لا يرجع إلى شرطية ما عدى عنوانه أو مانعية عنوانه ، كما لا يخفى .
وحينئذ فالدليل على عدم ثبوت القود في المقام ، عدم جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص ، وبعبارة أخرى الدليل عليه هو عدم الدليل على ثبوت القصاص ، بعد قصور العامّ عن التمسّك به .
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 989 .
- (2) جواهر الكلام: 42 / 171 .
- (3) مباني تكملة المنهاج: 2 / 73 مسألة 81 .