(الصفحة 159)مسألة 5 ـ لو قتل رجل زوجته يثبت القصاص عليه لولدها منه على الأصحّ ، وقيل: لا يملك أن يقتصّ من والده ، وهو غير وجيه1..
اعتبار الإقرار على خلافها ، فعليه يكون الرجوع مؤثِّراً في ثبوت القصاص ، وإن كانت القرعة معيِّنة له للأبوّة النافية للقصاص ، ولا دليل على اشتراط قبول الرجوع حينئذ بما إذا كان الآخر باقياً على ادّعائه غير راجع عنه ، كما حكي عن الشيخ (قدس سره) في المبسوط(1) ، بل الظاهر أنّه لا فرق بين بقائه على دعواه وعدمه .
1 ـ حكي القول بعدم ثبوت القصاص على الزوج حينئذ عن الشيخ(2)والفاضل(3) ، بل عن المسالك(4) نسبته إلى المشهور ، ولكن في المتن تبعاً لصاحب الجواهر(5) الثبوت .
ويدلّ على عدم الثبوت أُمور:
أحدها: الأولويّة ، نظراً إلى أنّه إذا لم يملك الولد أن يقتصّ من والده فيما إذا قتله الوالد عمداً ، ففيما إذا كان المقتول غيره كأمّه لا يملك بطريق أولى ; لعدم تحقّق القتل بالنسبة إليه ، فكيف يملك الاقتصاص من الأب .
ويدفعه منع الأولوية جدّاً ، فإنّ عدم ملك الاقتصاص فيما إذا كان الولد مقتولاً إنّما هو لأجل اقتضاء الأبوّة والبنوّة له ، بحيث لو فرض كون الولد المقتول ممكناً له مطالبة القصاص لم يكن له ذلك للاقتضاء المزبور ، وهذا بخلاف المقام الذي يكون
- (1) المبسوط : 7 / 9 ـ 10 .
- (2) المبسوط : 7 / 10 .
- (3) قواعد الأحكام: 2 / 291 ، تحرير الأحكام: 2 / 249 ، إرشاد الأذهان: 2 / 203 .
- (4) مسالك الأفهام: 15 / 159 .
- (5) جواهر الكلام: 42 / 175 ـ 176 .
(الصفحة 160)
المطالبة للقصاص بعنوان الأُمّ التي لا تقدر على المطالبة بنفسها . ولو فرض ثبوت القدرة لها كانت هي المطالبة ، ولم يكن في البين ما يقتضي عدمها لأجل عدم اقتضاء مجرّد الزوجية له ، فدعوى مساواة المقام لتلك الصورة ممنوعة فضلاً عن الأولويّة .
ثانيها: قوله (عليه السلام) في بعض الروايات المعتبرة المتقدّمة: «لا يقاد والد بولده»(1) ، بناء على ما في محكي المسالك(2) من أنّ استيفاء القصاص موقوف على مطالبة المستحقّ ، وإذا كان هو الولد وطالب به كان هو السبب في القود ، فيتناوله عموم النصّ أو إطلاقه .
ويدفعه أنّ المتفاهم العرفي من مثل هذا القول خصوصاً مع التصريح بالقتل عقيبه بقوله (عليه السلام) : «ويقتل الولد إذا قتل والده عمداً»(3) ، ومع التعبير به في كثير من الروايات المتقدّمة في أصل هذا الشرط هو كون المراد عدم قتل الوالد ، كما أنّ المراد من قوله (عليه السلام) : «لايقاد مسلم بذمّي»(4) هو عدم اقتصاص المسلم بسبب قتل الذمّي ، فالظاهر اختصاص مثل هذه التعبيرات بالقتل أو شبهه كالجناية على العضو مثلاً ، ولا يعمّ السببية بمعنى مجرّد المطالبة أصلاً .
ثالثها: صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة في كتاب الحدود المشتملة على قوله: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قذف ابنه بالزنا ؟ قال: لو قتله ما قتل به ، وإن قذفه لم يجلد له . إلى أن قال (عليه السلام) : وإن كان قال لإبنه: يابن الزانية ، وأُمّه ميتة ولم يكن لها من يأخذ بحقّها منه إلاّ ولدها منه فإنّه لا يقام عليه الحدّ ، لأنّ حقّ الحدّ قد صار لولده
- (1) تقدّمت في ص151 .
- (2) مسالك الأفهام: 15 / 160 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 56 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح1 .
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 80 ، أبواب القصاص في النفس ب 47 ح5 .
(الصفحة 161)الشرط الرّابع والخامس: العقل والبلوغ ، فلا يقتل المجنون سواء قتل عاقلاً أو مجنوناً ، نعم تثبت الدية على عاقلته ، ولا يقتل الصبيّ بصبي ولا ببالغ وإن بلغ عشراً ، أو بلغ خمسة أشبار ، فعمده خطأ حتى يبلغ حدّ الرجال في السنّ أو سائر الأمارات ، والدية على عاقلته1..
منها . الحديث(1) .
فإنّ مقتضى عموم التعليل عدم ثبوت القصاص في المقام ، خصوصاً بملاحظة صدر الرواية الظاهر في الملازمة بين القصاص وحدّ القذف ، فإذا لم يثبت الحدّ في الفرض المذكور في الذيل ، فالظاهر عدم ثبوت القصاص أيضاً .
ودعوى كون مجرى التعليل هو حقّ الحدّ ولا وجه لتعميمه بالإضافة إلى القصاص ، مدفوعة بظهور التعليل في أنّ الانتقال إلى الولد مانع عن الثبوت بالنسبة إلى الوالد من دون فرق بين الحدّ وبين القصاص ، كما لا يخفى .
والظاهر تماميّة هذا الدليل ، واقتضاؤه عدم ملك الاقتصاص من الوالد ، كعدم ثبوت حدّ القذف في مشابه المسألة ، فتدبّر .
1 ـ والدّليل على اعتبار العقل في حال تحقّق الجناية وصدور القتل ـ مضافاً إلى عموم حديث رفع القلم المجمع عليه كما عن السرائر(2) ، ومقتضاه رفع القلم مطلقاً ، ولا ينافي ذلك ثبوت الدية على العاقلة الثابتة في قتل الخطأ ، وذلك للتصريح به في ذيل الحديث ، ومضافاً إلى أنّه حكم على العاقلة ـ الروايات المستفيضة ، كصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يجعل جناية المعتوه
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 447 ، أبواب حدّ القذف ، ب 14 ح1 .
- (2) السرائر: 3 / 324 .
(الصفحة 162)
على عاقلته خطأً كان أو عمداً(1) .
ورواية إسماعيل بن أبي زياد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : أنّ محمّد بن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) : يسأله عن رجل مجنون قتل رجلاً عمداً ، فجعل الدّية على قومه ، وجعل خطأه وعمده سواء(2) .
ورواية أبي البختري ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي (عليهم السلام) أنّه كان يقول في المجنون والمعتوه الذي لا يفيق ، والصبي الذي لم يبلغ : عمدهما خطأ تحمله العاقلة ، وقد رفع عنهما القلم(3) .
ورواية بريد العجلي قال: سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل رجلاً عمداً فلم يقم عليه الحدّ ولم تصحّ الشهادة عليه حتّى خولط وذهب عقله ، ثمّ إنّ قوماً آخرين شهدوا عليه بعدما خولط أنّه قتله؟ فقال: إن شهدوا عليه أنّه قتله حين قتله وهو صحيح ليس به علّة من فساد عقل قتل به ، وإن لم يشهدوا عليه بذلك وكان له مال يعرف دفع إلى ورثة المقتول الدية من مال القاتل ، وإن لم يكن له مال اُعطي الدية من بيت المال ، ولا يبطل دم امرىء مسلم(4) ، فإنّها ظاهرة في ترتّب القصاص على إحراز كون القاتل عاقلاً حين القتل ، وليس به علّة من فساد العقل .
وأمّا قوله (عليه السلام) : «وإن لم يشهدوا عليه بذلك» ، فالظاهر أنّ المراد به عدم الشهادة على عقله ، مع ثبوتها على أصل تحقّق القتل منه ، غاية الأمر أنّه لا يعلم كونه عاقلاً أو مجنوناً حينه ، وحينئذ فالحكم بثبوت الدية في مال القاتل دون القصاص ودون
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 307 ، كتاب الديات ، أبواب العاقلة ب11 ح1 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 307 ، كتاب الديات ، أبواب العاقلة ب 11 ح 5 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 66 ، أبواب القصاص في النفس ب 36 ح2 .
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 52 ، أبواب القصاص في النفس ب 29 ح1 .
(الصفحة 163)
الثبوت على العاقلة إنّما هو لعدم الطريق إلى إحراز شيء من العقل أو الجنون ولو بالاستصحاب ، لعدم العلم بالحالة السابقة . ومع عدم إحراز العقل لا يثبت القصاص لعدم إحراز شرطه ، كما أنّه مع عدم إحراز الجنون لا يثبت على العاقلة ، للزوم إحرازه فيه ، فاللاّزم ثبوت الدية على القاتل ; لئلاّ يبطل دم امرىء مسلم .
وممّا ذكرنا يظهر بطلان ما عن كشف اللّثام(1) من دلالة الرواية على أنّه إذا لم يكن للمجنون عاقلة فالدية على بيت المال ، وذلك لأنّ مورد فرض الثبوت على بيت المال في الرواية صورة كون القاتل مشكوك الجنون ، وحكمه في صورة وجود المال ثبوت الدية في ماله ، ففرض عدم العاقلة لا يرتبط بالرواية أصلاً . هذا كلّه في اعتبار العقل .
وأمّا اعتبار البلوغ حال الجناية كما عليه المشهور(2) ، بل في الجواهر: عليه عامّة المتأخّرين(3) ، بل نسبه بعض إلى الأصحاب مشعراً بالإجماع عليه(4) ، بل عن الغنية دعواه عليه صريحاً(5) ، بل عن الخلاف: عليه إجماع الفرقة وأخبارهم(6)فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى حديث رفع القلم(7) ـ روايات مستفيضة أيضاً مثل:
صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: عمد الصبيّ وخطأه واحد(8) .
- (1) كشف اللثام: 2 / 456 .
- (2) مفتاح الكرامة: 11 / 28 .
- (3) جواهر الكلام: 42 / 178 .
- (4) مجمع الفائدة والبرهان: 14 / 7 ، رياض المسائل: 10 / 292 .
- (5) غنية النزوع: 403 .
- (6) الخلاف : 5/176 مسألة 39 .
- (7) وسائل الشيعة : 1 / 32 ، أبواب مقدّمة العبادات ب 4 ح11 .
- (8) وسائل الشيعة: 19 / 307 ، كتاب الديات ، أبواب العاقلة ب 11 ح2 .