(الصفحة 13)مسألة 1 ـ يتحقّق العمد محضاً بقصد القتل بما يقتل ولو نادراً ، وبقصد فعل يقتل به غالباً وإن لم يقصد القتل به . وقد ذكرنا تفصيل الأقسام في كتاب الدّيات1..
مدّعي النبوّة ، حيث إنّه يجوز لكلّ من سمع ذلك منهما التصدي لقتله وإزهاق نفسه ، ففيه لا يتحقّق الموجب للقصاص بلا إشكال ، وقد يكون إزهاقها بعنوان الحدّ الذي يتوقف على إذن الحاكم ، كما في الزاني المحصن واللائط إيقاباً والمرتدّ الفطري ، وتحقّق الموجب فيه محلّ إشكال بل منع ، لأنّ مجرّد لزوم مباشرة الحاكم وإذنه لا يوجب كون النفس معصومة بعد وضوح أنّ الشارع أسقط احترامها لأجل الجناية التي ارتكبها ، وسيأتي عند تعرّض المتن له تفصيل البحث في ذلك إن شاء الله تعالى .
1 ـ ظاهر العبارة أنّ العمد محضاً الذي هو معتبر في ما يوجب القصاص يتحقّق في موارد ثلاثة:
المورد الأوّل:ما إذا قصد القتل وكانت الآلة ممّا يتحقّق به القتل غالباً ، ويستعمل في هذا الغرض نوعاً ، وهذا هو القدر المتيقّن من موارد العمد ، لأنّ المفروض صدور القتل عن قصد وإرادة ، وكون الآلة مؤثِّرة في حصوله غالباً(1) .
الموردالثاني: ماإذا قصدالقتل ولكن لم تكن الآلة مؤثّرة في القتل إلاّ نادراً، كالعصا ونحوه واتّفق القتل به ، وقد قيل: إنّ فيه قولين ، ولكن في الجواهر بعد نسبة ثبوت القصاص إلى الأشهر واحتماله أنّ عليه عامّة المتأخّرين: لم أجد فيه خلافاً ، وإن
- (1) الوسيلة: 429 ، شرائع الإسلام: 4 / 971 ، قواعد الأحكام: 2 / 277 ، تحرير الأحكام: 2 / 240 ، كنز العرفان: 2 / 366 ، مسالك الأفهام: 15 / 67 ، رياض المسائل: 10 / 234 .
(الصفحة 14)
أرسل(1) ، نعم يظهر من اللمعة نوع تردّد فيه(2) .
وكيف كان فالظاهر أنّ مقتضى القاعدة هو ثبوت القصاص; لأنّ المفروض قصد القتل وتحقّقه في الخارج ، ومجرّد عدم تأثير الآلة في القتل إلاّ نادراً لا يقتضي الخروج عن صدق عنوان العمد ، ولكنّه ورد في هذا الأمر روايات مختلفة:
فطائفة منها تدلّ على تحقّق العمد في هذا المورد :
مثل: صحيحة عبدالرّحمن بن الحجاج قال: قال لي أبو عبدالله (عليه السلام) : يخالف يحيى ابن سعيد قضاتكم؟ قلت: نعم ، قال: هات شيئاً ممّا اختلفوا فيه ، قلت: اقتتل غلامان في الرحبة ، فعضّ أحدهما صاحبه ، فعمد المعضوض إلى حجر فضرب به رأس صاحبه الذي عضّه ، فشجّه فكزّ فمات ، فرفع ذلك إلى يحيى بن سعيد فأقاده ، فعظم ذلك على ابن أبي ليلى وابن شبرمة ، وكثر فيه الكلام وقالوا: إنّما هذا الخطأ ، فودّاه عيسى بن علي من ماله . قال: فقال: إنّ من عندنا ليقيدون بالوكزة ، وإنّما الخطأ أن يريد الشيء فيصيب غيره(3) .
والغلامان في الرّواية محمول على البالغين ، والظاهر إرادة القتل في مورد الرّواية ، كما يدلّ عليه قوله: «اقتتل» ، وعليه فحصر الخطأ فيما إذا أراد الشيء فأصاب غيره ظاهر في ثبوت العمد في مورد الرواية مع كون الحجر لا يقتل غالباً .
وصحيحة الحلبي ، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) : العمد كلّ ما اعتمد شيئاً فأصابه بحديدة أو بحجر أو بعصا أو بوكزة ، فهذا كلّه عمد; والخطأ من اعتمد شيئاً
- (1) جواهر الكلام : 42 / 13 .
- (2) اللمعة الدمشقية: 174 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 23 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 1 .
(الصفحة 15)
فأصاب غيره(1) .
ومرسلة جميل بن دراج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: قتل العمد كلّ ما عمد به الضرب فعليه القود ، وإنّما الخطأ أن تريد الشيء فتصيب غيره . وقال: إذا أقرّ على نفسه بالقتل قتل وإن لم يكن عليه بيّنة(2) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لو أنّ رجلاً ضرب رجلاً بخزفة أو بآجرة أو بعود فمات كان عمداً(3) . والقدر المتيقّن منها صورة إرادة القتل وقصده لا مجرّد الضرب بإحداها ، وإن لم يكن قاصداً للقتل أصلاً .
ورواية عبدالرحمن بن الحجاج المروية في تفسير العياشي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: إنّما الخطأ أن تريد شيئاً فتصيب غيره ، فأمّا كلّ شيء قصدت إليه فأصبته فهو العمد(4) .
ومرسلة ابن أبي عمير المروية في التفسير المزبور عن أحدهما (عليهما السلام) ، قال: كلّما أُريد به ففيه القود ، وإنّما الخطأ أن تريد الشيء فتصيب غيره(5) . ونقلها في الجواهر هكذا: مهما اُريد تعيّن القود(6) . . . ، وجعلها من الروايات المعارضة لهذه الروايات مع وضوح ظهورها في ثبوت القود في المقام ، خصوصاً مع حصر الخطأ فيما ذكر .
وطائفة ظاهرها عدم تحقّق العمد وعدم ثبوت القود .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 24 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 3 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 25 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 6 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 26 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 8 .
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 28 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 18 .
- (5) وسائل الشيعة: 19 / 28 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 16 .
- (6) جواهر الكلام : 42 / 15 .
(الصفحة 16)
مثل: رواية أبي العباس ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: أرمي الرّجل بالشيء الذي لا يقتل مثله ، قال: هذا خطأ ، ثم أخذ حصاة صغيرة فرمى بها ، قلت: أرمي الشاة فأُصيب رجلاً ، قال: هذا الخطأ الذي لا شكّ فيه; والعمد الذي يضرب بالشيء الذي يقتل بمثله(1) . وظهورها في كون المفروض فيها صورة إرادة القتل لا شكّ فيه ، كما أنّ دلالتها على عدم كون المقام من موارد العمد ظاهرة .
ومرسلة عبدالله بن سنان قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: قال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : في الخطأ شبه العمد أن تقتله بالسّوط أو بالعصا أو بالحجارة ، إنّ دية ذلك تغلظ ، وهي مائة من الإبل . الحديث(2) .
ورواية أبان بن عثمان ، عن أبي العباس وزرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال: إنّ العمد أن يتعمّده فيقتله بما يقتل مثله ، والخطأ أن يتعمّده ولا يريد قتله ، يقتله بما لا يقتل مثله ، والخطأ الذي لا شكّ فيه أن يتعمّد شيئاً آخر فيصيبه(3) . والظّاهر أنّ المراد من قوله (عليه السلام) : «لا يريد قتله» هو عدم إرادة القتل حينما يتعمّده ويقصده ، ولذا لا يستصحب الآلة القتّالة ، ولكنّه بعد الوصول إليه يحدث له إرادة القتل فيقتله بما لا يقتل مثله ، لظهورها في أنّ الفرق بين هذا الفرض والفرض الأوّل هو مجرّد كون الآلة فيه قتّالة بخلافه ، وفي أنّ الفرق بينه وبين الفرض الأخير هو عدم تعلّق قصد القتل بالمقتول بل بشيء آخر ، فالفروض الثلاثة كلّها مشتركة في أصل إرادة القتل .
ومثل هذه الرواية رواية زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال: إنّ الخطأ أن تعمده
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 25 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 7 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 27 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 11 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 27 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 13 .
(الصفحة 17)
ولا تريد قلته بما لا يقتل مثله ، والخطأ ليس فيه شكّ أن تعمد شيئاً آخر فتصيبه(1) .
ورواية أُخرى لزرارة ، عن أُي عبدالله (عليه السلام) ، قال: العمد أن تعمده فتقتله بما مثله يقتل(2) .
ومرسلة يونس،عن بعض أصحابه،عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال:إن ضرب رجل رجلاً بعصا أو بحجر فمات من ضربة واحدة قبل أن يتكلّم فهو يشبه العمد ، فالديّة على القاتل; وإن علاه وألحّ عليه بالعصا أو بالحجارة حتى يقتله فهو عمد يقتل به ، وإن ضربه ضربة واحدة فتكلّم ثم مكث يوماً أوأكثر من يوم فهو شبه العمد(3) . والظاهر أنّ اختلاف الفروض إنّماهو في تحقّق قصدالقتل في الصورة الثانية المستلزم للإلحاح ، ومثله دون الصورتين الآخرتين ، وعليه فتصير الرواية من روايات الطائفة الأُولى .
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أنّ الجمع بين الطائفتين يمكن بوجهين:
أحدهما: حمل الطائفة الأُولى الدالّة بظاهرها على ثبوت العمد في المقام على شبه العمد بقرينة الطائفة الثانية ، فالنتيجة حينئذ عدم ثبوت القصاص لعدم تحقّق موجبه الذي هو العمد .
ثانيهما: حمل الطائفة الثانية على صورة عدم إرادة القتل وعدم تحقّق قصده بقرينة الطائفة الأُولى ، فينتج ثبوت القصاص في المقام .
والظاهر أنّ الترجيح مع الوجه الثاني لأنّ ـ مضافاً إلى عدم ظهور الطائفة الثانية في صورة إرادة القتل ، بل حمل بعضها على هذه الصورة كان بعيداً ـ حمل الطائفة الأولى على شبه العمد لا يكاد يجتمع مع ثبوت الحكم بالقصاص في
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 28 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 17 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 28 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 20 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 25 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 5 .