(الصفحة 333)مسألة 21 ـ لو قتل واحد رجلين أو أكثر عمداً على التعاقب أو معاً قتل بهم ولا سبيل لهم على ماله ، فلو عفا أولياء بعض لا على مال كان للباقين القصاص من دون ردّ شيء ، وإن تراضى الأولياء مع الجاني بالدية فلكلّ منهم دية كاملة ، فهل لكلّ واحد منهم الاستبداد بقتله من غير رضا الباقين أو لا ، أو يجوز مع كون قتل الجميع معاً ، وأمّا مع التعاقب فيقدّم حقّ السابق فالسابق ، فلو قتل عشرة متعاقباً يقدّم حقّ ولي الأوّل ، فجاز له الاستبداد بقتله بلا إذن منهم ، فلو عفا فالحقّ للمتأخّر منه وهكذا؟ وجوه ، لعلّ أوجهها عدم جواز الاستبداد ولزوم الإذن من الجميع ، لكن لو قتله ليس عليه إلاّ الإثم ، وللحاكم تعزيره ولا شيء عليه ولا على الجاني في ماله ، ولو اختلفوا في الاستيفاء ولم يمكن الاجتماع فيه فالمرجع القرعة ، فإن استوفى أحدهم بالقرعة أو بلا قرعة سقط حقّ الباقين1..
والاقتصاص على تقدير القول بعدم الجواز فيه بل أولويتها منه ، كما لا يخفى . وكون الخبر على النقل الآخر صريحاً في عدم الجواز ، وكون التفريع على أنّ أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل مناسباً للعدم لا للجواز ، خصوصاً مع اشتراك النقلين في هذا التمهيد ، فمقتضى الاحتياط الوجوبي لو لم يكن أقوى هو العدم ، كما في المتن .
1 ـ في هذه المسألة جهات من الكلام:
الأُولى: أنّه لا خلاف ولا إشكال في ثبوت حقّ القصاص لكلّ من أولياء المقتول المتعدّد ، بنحو لو اجتمعوا على المطالبة فقتلوه مباشرة أو استنابة فقد استوفى كلّ منهم حقّه من دون زيادة ولا نقصان ، ولا مجال لاحتمال ثبوت الدية على حسب تعدّد القتل مع القصاص مع كسر واحدة ، إذ ليس لهم عليه إلاّ نفسه ، والجاني لا يجني على أكثر منها ، خلافاً لبعض أهل الخلاف حيث قال: يقتل بجماعتهم ، فإذا
(الصفحة 334)
قتل سقط من الديات واحدة ، وكان ما بقي من الديات في تركته(1) .
الثانية: لا إشكال في أنّ عفو أولياء بعض موجب لسقوط حقّه من القصاص ، وأمّا حقّ غيره فهو باق على حاله ، ولا مجال لدعوى السقوط فيه أصلاً . وعليه فلو استوفى غير العافي القصاص فقد استوفى تمام حقّه ، ولا يجب عليه ردّ شيء إلى القاتل أو ورثته ، بخلاف ما تقدّم في صورة تعدّد أولياء المقتول الواحد إذا عفى بعضهم واختار غيره الاستيفاء ، حيث يجب عليه ردّ ما زاد عن نصيبه إلى القاتل أو ورثته على ما عرفت ، والفرق واضح .
ويدلّ في خصوص المقام صحيحة عبدالرحمن ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل قتل رجلين عمداً ولهما أولياء ، فعفا أولياء أحدهما وأبى الآخرون؟ قال: فقال: يقتل الذي لم يعف ، وإن أحبّوا أن يأخذوا الدية أخذوا . الحديث(2) .
الثالثة: لو تراضى الأولياء مع القاتل بما هو بدل جنايته من الدية ، فالظاهر تعدّد الدية بتعدّد الجناية لا تقسيم دية واحدة عليهم ، والوجه فيه استحقاق كلّ واحد منهم نفساً أو ما هو بدلها من الدية الكاملة ، وليس مثل تعدّد الأولياء مع وحدة الجناية ، حيث إنّ تراضيهم على الدية يوجب ثبوت دية واحدة . نعم قد عرفت أنّه يمكن وقوع التراضي في الجناية الواحدة على أضعاف الدية ، ولا يرتبط بما يقع بدلاً عن النفس ، كما لا يخفى .
الرابعة: فيما لو أراد الجميع القصاص ، وقد ذكر في المتن احتمالات ثلاثة في جواز استبداد كلّ واحد منهم من دون الاستئذان من الباقي ، وعدم جوازه في
- (1) الخلاف : 5 / 183 مسألة 47 ، المجموع للنووي: 20 / 86 ـ 87 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 84 ، أبواب القصاص في النفس ب 52 ح3 .
(الصفحة 335)
هذه الصورة .
منشأ الأوّل : ثبوت حقّ القصاص بالإضافة إلى كلّ واحد منهم مستقلاًّ ، لكون جنايته بالنسبة إليه هي الجناية على النفس ، ولا وجه للزوم المراجعة إلى الغير والاستئذان منه .
ومنشأ الثاني: إنّ الحقّ وإن كان ثابتاً لكلّ واحد كذلك ، إلاّ أنّ كون متعلّق الحقّ واحداً يقتضي عدم ترجيح واحد على الآخر ، بل توقّف الاستيفاء على الاستئذان ، وجعله في المتن أوجه الاحتمالات .
ومنشأ التفصيل: أنّه في القتل المتعاقب يكون ثبوت حقّ القصاص لوليّ الأوّل قبل ثبوته للثاني ، وثبوته للثاني قبل ثبوته للثالث ، وهكذا ، بخلاف القتل المعي والمقارن ، فانّه لا تقدّم لواحد على الآخر أصلاً .
ولكنّه يرد عليه أنّ القبلية الزمانية لا توجب ثبوت حقّ التقدّم كما في الغرماء المتعدّد بالإضافة إلى المديون الواحد ، وعليه فلا فرق بين الفرضين أصلاً .
ثمَّ إنّه على تقدير عدم جواز الاستبداد لو بادر فهل يترتّب على عمله مجرّد الإثم والتعزير، أو يكون موجباًلثبوت الدية عليه أوعلى الجاني؟الظاهرأنّه لامجال لاحتمال ثبوت الدية عليه أصلاً ، بعد كون استيفائه بمقدار حقّه من دون زيادة ولا نقصان ، بخلاف الأولياء المتعدّدين في الجناية الواحدة إذا استبدّ أحدهم وبادر إلى القصاص.
وأمّا ثبوت الدية في مال الجاني ، فالظاهر وقوع الاختلاف فيه ، فالمشهور ـ بل المحكي عن المبسوط(1) والخلاف(2) الإجماع عليه ـ هو سقوط حق الباقين لا إلى
- (1) المبسوط : 7 / 61 .
- (2) الخلاف : 5 / 182 ـ 183 مسألة 47 .
(الصفحة 336)
بدل(1) ، وعن أبي علي(2) والعلاّمة في بعض كتبه(3) وولده(4) وبعض آخر(5) إنّ لغير المستوفي الدية ، وتردّد المحقّق في الشرائع(6) .
ومنشأ الثبوت أنّ الجاني قد أتلف على كلّ واحد منهم نفساً كاملة لا ارتباط لها بباقي النفوس المتلفة ، وإنّما يملك الجاني بدلاً واحداً ، فكان لمن لم يقتصّ الدية لتعذّر البدل ، ولئلا يبطل دم امرىء مسلم ، ولفحوى الثبوت فيمن قتل وهرب ومات .
ويظهر الجواب عن أكثر هذه الوجوه مع ملاحظة أمرين:
أحدهما: ما تقدّم من أنّ الثابت في مورد القصاص وثبوت الموجب له هو القصاص بنحو التعيّن لا التخيير بينه وبين الدية ، بحيث كان الولي مخيّراً بين القصاص وبين أخذ الدية ، وإذا اختار الدية كان اللاّزم على الجاني القبول بل الانتقال إليها يتوقّف على التراضي ، وربّما كان التراضي بالزائد على الدية أو أقل منها .
ثانيهما: أنّ الجاني لا يجني على أكثر من نفسه ، كما وقع التصريح به في بعض الروايات المتقدّمة(7) ، فإنّه مع ملاحظة هذين الأمرين لا يبقى مجال لثبوت الدية بالإضافة إلى الباقين .
- (1) النهاية: 747 ، المهذّب: 2 / 469 ، الوسيلة: 432 ، السرائر: 3 / 348 ، الجامع للشرائع: 579 ، المختصر النافع: 317 .
- (2) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9 / 452 مسألة 130 .
- (3) إرشاد الأذهان: 2 / 201 ، مختلف الشيعة: 9 / 452 مسألة 130 ، قواعد الأحكام: 2 / 284 .
- (4) إيضاح الفوائد: 4 / 573 و 626 .
- (5) التنقيح الرائع: 4 / 449 .
- (6) شرائع الإسلام: 4 / 1004 .
- (7) وسائل الشيعة: 19 / 59 و 61 و 62 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح1 و10 و18 .
(الصفحة 337)مسألة 22 ـ يجوز التوكيل في استيفاء القصاص ، فلو عزله قبل استيفائه فإن علم الوكيل بالعزل فعليه القصاص ، وإن لم يعلم فلا قصاص ولا دية ، ولو عفا الموكّل عن القصاص قبل الاستيفاء فإن علم الوكيل واستوفاه فعليه القصاص ، وإن لم يعلم فعليه الدية ويرجع فيها بعد الأداء على الموكِّل1..
مع أنّ الفرق بين صورة الاجتماع على القصاص وبين صورة مبادرة أحدهم به بعدم ثبوت الدية في الأولى دون الثانية ممّا لا يكون له وجه ، فإن مجرّد المبادرة وإن كان غير جائز بناء على القول بعدم الجواز ، إلاّ أنّ اقتضاءه لثبوت الدية على الجاني مع تحقّق مراد الباقين وهو القصاص لا سبيل إليه أصلاً ، وثبوت الحكم في القاتل الذي هرب ومات حيث يكون على خلاف القاعدة لا مجال لإسرائه إلى المقام .
وعدم بطلان دم امرىء مسلم لا يقتضي ثبوت الدية بعد تحقّق القصاص ، وعدم الاستئذان لا يستلزم البطلان كما لا يخفى . فالظاهر بملاحظة ما ذكرنا سقوط حقّ الباقين مطلقاً ، نعم لو تراضوا قبل إجراء القصاص من المستوفي على الدية وأخذوها من القاتل لا يكون القصاص موجباً لرجوعها إلى ورثة القاتل .
الخامسة: إذا اختلفوا في الاستيفاء ولم يمكن الاجتماع بالمباشرة أو بالتوكيل فلا محيص عن الرجوع إلى القرعة ، لما مرّ في بعض المسائل المتقدّمة .
1 ـ لا خلاف ولا إشكال في جواز التوكيل في استيفاء القصاص لعدم كون المباشرة واجبة ولا عبادة ، بل استيفاؤه إنّما هو كاستيفاء الدّين الذي يجري فيه التوكيل بلا شبهة ، وبعد ذلك يقع الكلام في مقامين:
الأوّل: في العزل ، فنقول : إذا عزله قبل استيفاء القصاص فتارة يعلم الوكيل بالعزل قبله ، واُخرى لا يعلم به كذلك ، ففي الصورة الأولى لا خلاف ولا إشكال في