(الصفحة 135)مسألة 3 ـ يقتل الذّمّي بالذّمّي وبالذمّية مع ردّ فاضل الدية ، والذّمية بالذّمية وبالذّمي من غير ردّ الفضل كالمسلمين ، من غير فرق بين وحدة ملّتهما واختلافهما ، فيقتل اليهودي بالنصراني وبالعكس ، والمجوسي بهما وبالعكس1..
1 ـ الحكم في الذمّي والذمّية فيما إذا كان القاتل والمقتول كلاهما ذميّين ما عرفت فيما إذا كانا مسلمين ، فيقتل من غير ردّ مع التساوي في الذكورة والأُنوثة ، ومع ردّ فاضل الدية إذا كان المقتول مؤنَّثاً ، وبدون شيء فيما إذا كان مذكراً .
ولا فرق في ذلك بين وحدة ملّتهما والاختلاف ، لا لعموم
{النَّفسَ بِالنَّفسِ}(1) ، لما مرّ من عدم ثبوت الإطلاق ، بل لكون الكفر ملّة واحدة وعدم ثبوت المزيّة فيه ، ولرواية السكوني ، عن الصادق (عليه السلام) إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: يقتصّ اليهودي والنصراني والمجوسي بعضهم من بعض ، ويقتل بعضهم بعضاً إذا قتلوا عمداً(2) . ويستفاد منها صدور هذا القول من علي (عليه السلام) مكرّراً .
وحكي عن أبي حنيفة عدم قتل الذمّي بالمستأمن(3) ، وفساده ظاهر بعد كون المستأمن محرّم القتل . نعم عن كشف اللِّثام أنّه لا يقتل الذمّي ولا المستأمن بالحربي(4) . ولعلّ الوجه عدم كون الحربي محقون الدّم ، وقد مرّ لزوم كون النفس متّّصفة بالاحترام والعصمة حتى يتحقّق موجب القصاص ، ومقتضى ذلك عدم ثبوت القصاص فيما إذا كان القاتل حربيّاً أيضاً ، كما جزم به العلاّمة في محكيّ
- (1) المائدة 5 : 45 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 81 ، أبواب القصاص في النفس ب 48 ح1 .
- (3) المبسوط للسرخسي: 26 / 134 ، بدائع الصنائع: 6 / 276 .
- (4) كشف اللثام: 2 / 454 .
(الصفحة 136)مسألة 4 ـ لو قتل ذمّي مسلماً عمداً دفع هو وماله إلى أولياء المقتول ، وهم مخيَّرون بين قتله واسترقاقه ، من غير فرق بين كون المال عيناً أو ديناً ، منقولاً أو لا ، ولا بين كونه مساوياً لفاضل دية المسلم أو زائداً عليه ، أو مساوياً للدّية أو زائداً عليها1..
القواعد(1) ، إلاّ أنّه ذكر صاحب الجواهر أنّ الالتزام به مشكل ، لأنّ أهل الذمّة فيما بينهم كالحربيين إذ لا ذمّة لبعضهم على بعض . قال: فالعمدة حينئذ الإجماع إن كان(2) .
1 ـ أصل الحكم في المسألة وهو دفع القاتل الذمّي إلى أولياء المقتول ليقتلوه أو يسترقّوه أو يعفوا عنه ، وكذا دفع أمواله في الجملة إليهم مشهور بين الأصحاب(3)شهرة محقَّقة ، بل عن جمع من الكتب دعوى الإجماع عليه(4) . والعمدة في مستند الحكم صحيحة ضريس الكنّاسي التي رواها المشايخ الثلاثة ، عنه ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في نصراني قتل مسلماً ، فلمّا أخذ أسلم ، قال: اقتله به . قيل: وإن لم يسلم؟ قال: يدفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤوا قتلوا ، وإن شاؤوا عفوا ، وإن شاؤوا استرقّوا . قيل: وإن كان معه عين (مال)؟ قال: دفع إلى أولياء المقتول هو وماله .
قال في الوسائل بعد نقله عن الكليني: ورواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب ، ورواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن
- (1) قواعد الأحكام: 2 / 290 .
- (2) جواهر الكلام: 42 / 156 .
- (3) التنقيح الرائع: 4 / 427 ، مسالك الأفهام: 15 / 144 .
- (4) الإنتصار: 547 مسألة 307 ، الروضة البهية: 10 / 61 ، وظاهر نكت النهاية: 3/388 .
(الصفحة 137)
ضريس الكناسي، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، وعن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) (1).
وظاهره ثبوت روايتين ، روى إحداهما الضريس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، وقد رواه المشايخ الثلاثة; وروى الأُخرى عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) رواها الشيخ فقط ، ومع ذلك لا اختلاف بينهما من جهة المتن أصلاً . نعم يكون الاختلاف في النسخة في نفس رواية ضريس من جهة ثبوت كلمة «عين» أو كلمة «مال» ، وإلاّ لا يكون بين الروايتين اختلاف بوجه .
وظاهر الجواهر خلاف ذلك ، حيث قال بعد نقل الشهرة والإجماع: وهو الحجّة بعد صحيح ضريس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في نصرانيّ قتل مسلماً يدفع إلى أولياء المقتول ، فإن شاؤوا قتلوا ، وإن شاؤوا عفوا ، وإن شاؤوا استرقّوا; وإن كان معه عين مال له دفع إلى أولياء المقتول هو وماله . وفي حسنة عنه (عليه السلام) أيضاً ، وحسن عبدالله ابن سنان ، عن الصادق (عليه السلام) في نصرانيّ قتل مسلماً فلمّا أخذ أسلم ، قال: اقتله به ، قيل: فإن لم يسلم؟ قال: يدفع إلى أولياء المقتول هو وماله(2) .
ولا إشكال في أنّ الملاك هو ما في الوسائل خصوصاً بملاحظة مراعاة الدقّة في المراجعة إلى المصادر والمنابع في الطبعة الحديثة المشتملة على عشرين مجلَّداً ، ولكن لا يقدح ذلك في أصل الحكم .
وأمّا البحث في الخصوصيات فيقع في جهات:
الأُولى: أنّه هل المدفوع إلى أولياء المقتول جميع أموال القاتل عيناً كان أو ديناً ، منقولاً أو غير منقول ، مساوياً لفاضل الدية أو زائداً عليه ، بما يساوي أصل الدية
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 81 ، أبواب القصاص في النفس ب 49 ح1 .
- (2) جواهر الكلام: 42 / 156 ـ 157 .
(الصفحة 138)
أو مطلقاً ، ولو كان مساوياً لأضعاف الدية ، كما لعلّه المشهور المصرّح به في التحرير(1) ، وظاهر المحقّق في الشرائع(2) وغيره من الأصحاب(3) ، أو خصوص فضل ما بين دية المسلم والذّمي ، كما عن الصدوق(4) ، أو خصوص دية المسلم أو قيمته إن كان مملوكاً كما عن الحلبيين(5) ، أقوال .
ولابدّ بملاحظة ما ذكرنا من عدم الاختلاف بين الروايتين أن يقال: لو كانت النسخة هي «المال» بدل «العين» لكان مقتضى الإطلاق لزوم دفع جميع الأموال من غير استثناء ، نعم ربّما يناقش من جهة التعبير بالدفع الذي لا يلائم مع المال غير المنقول ، خصوصاً مع التعبير بكلمة «مع» الظاهرة في كونه مستصحباً له ، ولكنّه مندفع بملاحظة العرف ، كما لا يخفى .
ولو كانت النسخة هي العين دون المال ، فالتقييد بها حيث كان واقعاً في كلام السائل يكون العدول في الجواب عن التعبير بها بالتعبير بالمال يظهر منه أنّه لا اختصاص للحكم بها أصلاً ، وعلى ما ذكرنا يكون المستفاد من الرواية ما عليه المشهور ، ولا مجال للقولين الآخرين ، كما أنّه لا مجال للاستبعاد بوجه .
الثانية: الظّاهر أنّ قتل الذمّي في الفرض ليس لأجل خروجه عن الذمة بسب ارتكاب قتل المسلم ، لأنّه مضافاً إلى عدم كون قتل المسلم من أسباب الخروج عن
- (1) تحرير الأحكام: 2 / 248 .
- (2) شرائع الأحكام: 4 / 986 .
- (3) كابن حمزة في الوسيلة: 434 ـ 435 ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 581 والشهيد الأوّل في اللمعة: 176 .
- (4) المقنع: 534 .
- (5) الكافي في الفقه: 385 ، غنية النزوع: 406 .
(الصفحة 139)
الذمّة لاختلاف الإخلال بشرائط الذمة من هذه الجهة كما قرّر في محلّه ، يكون الدليل عليه أنّه لو كان القتل لأجل ذلك لما كان حينئذ امتياز وخصوصية لورثة المقتول من جهة اختيار العفو أو القتل ، بل كانوا حينئذ كسائر الناس ، ولم يكن لهم العفو أصلاً ، مع أنّ الرواية صريحة في خلافه ، فلا وجه حينئذ لما عن كشف اللّثام(1) وبعض آخر(2) .
الثالثة: الظاهر أيضاً أنّ التخيير بين الأمور الثلاثة المذكورة في الرواية بالإضافة إلى نفس القاتل أمر ، ودفع أمواله إلى أولياء المقتول أمر آخر ، لا ارتباط له بخصوص الاسترقاق من تلك الأمور الثلاثة ، خلافاً لما عن ابن إدريس(3) من أنّه لا يجوز أخذ المال إلاّ مع الاسترقاق ، لأنّ مال المملوك لمولاه ، وفي محكيّ كشف اللِّثام: «ويحتمله الخبر وكلام الأكثر»(4) .
ولكنّ الظاهر ، أنّه مخالف لظاهر الرواية جدّاً ، لأنّه لا إشعار فيها فضلاً عن الدلالة بتوقّف ملك الأموال على الاسترقاق . هذا مضافاً إلى أنّ القاعدة لا تقتضيه أيضاً ، لعدم استلزام الاسترقاق في الموارد الأخر لتملّك أموال المسترَّق ، بل كما قالوا: يبقى ماله فيئاً أو ملكاً للإمام (عليه السلام) ، وكون مال المملوك لمولاه معناه هو المال الحاصل له في حال العبودية والملك ، لا ما يعمّ المال الذي كان له قبل الملك . هذا مضافاً إلى أنّ مرجع ذلك إلى ثبوت المال له في صورة الاسترقاق ، وهو لا ينفي الثبوت مع عدم الاسترقاق ، كما لا يخفى .
- (1) كشف اللثام: 2 / 454 .
- (2) كأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 385 .
- (3) السرائر: 3 / 351 .
- (4) كشف اللثام: 2 / 455 .