(الصفحة 200)مسألة 1 ـ يعتبر في قبول الشهادة بالقتل أن تكون الشهادة صريحة أوكالصريحة نحو قوله: «قتله بالسيف» أو «ضربه به فمات» أو «أراق دمه فمات منه» . ولو كان فيه إجمال أو احتمال لا تقبل ، نعم الظاهر عدم الاعتبار بالاحتمالات العقلية التي لا تنافي الظهور أو الصراحة عرفاً ، مثل أن يقال في
قوله: «ضربه بالسيف فمات» ، يحتمل أن يكون الموت بغير الضرب ، بل الظاهر اعتبار الظهور العقلائي ، ولا يلزم التصريح بما لا يتخلّل فيه الاحتمال عقلاً1..
التي تكون ديتها عشرة أبعرة ظاهراً ، والتحقيق في هذا الباب موكول إلى كتاب الشهادات . كالبحث في الاكتفاء بشاهد ويمين فيما يوجب القصاص ، كما هو المنسوب إلى المشهور .
1 ـ الظاهر أنّ القتل ليس له خصوصية موجبة لاعتبار كون شهادته بنحو الصراحة التي لا يجري فيها احتمال الخلاف ولو عقلاً ، بل هو كسائر الموضوعات التي يكفي في ثبوتها دلالة الشهادة عليه ، ولو بنحو الظهور العرفي الذي مرجعه إلى عدم وجود احتمال عقلائي معتدّ به على خلافه ، وإن كان هناك احتمال الخلاف عقلاً .
وشبهة ثبوت الإجماع في خصوص المقام ، كما تشعر بها عبارة الجواهر(1)مندفعة بظهور عدم تحقّق الإجماع في المقام ، بل ولم يتحقّق دعوى الإجماع أيضاً . والتعبير بلزوم كون الشهادة صافية عن الاحتمال كما في الشرائع(2) يكون المراد به
- (1) جواهر الكلام: 42 / 210 .
- (2) شرائع الإسلام: 4 / 993 .
(الصفحة 201)مسألة 2 ـ يعتبر في قبول الشهادة أن ترد شهادتهما على موضوع واحد ووصف واحد ، فلو شهد أحدهما أنّه قتله غدوة والآخر عشية ، أو شهد أحدهما أنّه قتله بالسمّ والآخر أنّه بالسيف ، أو قال أحدهما: أنّه قتله في السوق ، وقال الآخر: في المسجد ، لم يقبل قولهما . والظاهر أنّه ليس من اللّوث أيضاً ، نعم لو شهد أحدهما بأنّه أقرّ بالقتل والآخر بمشاهدته لم تقبل شهادتهما ، ولكنّه من اللّوث1..
هو الاحتمال العقلائي المنافي للظهور ، لا الصراحة بدليل التمثيل بقوله: «ضربه بالسيف فمات» ، فتدبّر .
1 ـ لا شبهة في أنّه مع توقّف ثبوت القتل مثلاً على شهادة شاهدين ، لا محيص عن اعتبار اتّحادهما من حيث الموضوع ومن حيث الأوصاف والخصوصيات الراجعة إلى الزمان والمكان وآلة القتل ونحوها ، فلا اعتبار بالشهادة في الأمثلة المذكورة في المتن ، لثبوت الاختلاف الّذي مرجعه إلى التكاذب المقتضي للتساقط . واشتراكهما في الشهادة على أصل القتل لا يجدي بعد عدم انفكاكه عن الخصوصية الموجودة فيه المشهودة بها . ومنه يظهر عدم كون هذا المورد لوثاً ، خلافاً للشيخ (قدس سره)في المبسوط(1); لأنّ مورده ما إذا كان هناك شاهد واحد مثلاً ، ومرجع المقام بعد التساقط إلى عدم وجود شهادة في البين أصلاً ، فلا يكون لوثاً . وهذا بخلاف الفرض الأخير ، فإنّه وإن لم تكن الشهادة فيه مقبولة بلحاظ إثبات الإقرار أو أصل القتل لعدم اجتماع الشرائط من هذه الجهة ، إلاّ أنّه حيث لا يكون بين الشهادتين تكاذب ـ لإمكان صحّتهما وصدقهما ، بل كون كلّ واحدة منهما مؤيِّدة
(الصفحة 202)مسألة 3 ـ لو شهد أحد الشاهدين بالإقرار بالقتل مطلقاً ، وشهد الآخر بالإقرار عمداً ، ثبت أصل القتل الذي اتّفقا عليه ، فحينئذ يكلّف المدّعى عليه بالبيان ، فإن أنكر أصل القتل لا يقبل منه ، وإن أقرّ بالعمد قبل منه ، وإن أنكر العمدوادّعاه الولي فالقول قول الجاني مع يمينه . وإن ادّعى الخطأ وأنكر الولي قيل يقبل قول الجاني بيمينه ، وفيه إشكال ، بل الظاهر أنّ القول قول الولي ، ولو ادّعى الجاني الخطأ وادّعى الولي العمد فالظاهر هو التداعي1..
للأُخرى ـ يكون لوثاً ، كما هو ظاهر .
1 ـ أمّا ثبوت أصل القتل فلاتّحاد الشهادتين في المشهود به ، وهو الإقرار بالقتل ، وإضافة توصيفه بالعمد في إحداهما لا تنافي القبول ، لأنّ عدم تعرّض الآخر له لا ينافي تعرّض الأوّل بوجه . وعليه فيصير محكوماً بالإقرار بالقتل ، وحيث لا يكون معلوماً من حيث النوع فالحاكم يكلّفه بالبيان والتفسير ، فإن أقرّ بالعمد يقبل منه مع تصديق الوليّ له ، كما أنّه لو أقرّ بالخطأ وصدّقه الوليّ ينتفى القصاص وتثبت الدية على المقرّ لا على العاقلة ، لعدم نفوذ إقراره في حقّهم ، ولو كان مقروناً بتصديق الوليّ لجواز التواطؤ عليه ، كما لا يخفى .
وإن وقع الاختلاف بين المقرّ والوليّ ففيه فروض ثلاثة:
الأوّل: ما إذا كان الوليّ مدّعياً والمقرّ منكراً ، كما إذا ادّعى الوليّ العمد وأنكره المقرّ ، ولا إشكال في أنّ القول قول المقرّ الجاني بيمينه لكونه منكراً .
الثاني: ما إذا كان المقرّ مدّعياً للخطأ والوليّ منكراً له ، واستظهر في المتن أنّ القول قول الوليّ بيمينه، لكونه منكراً لمايدّعيه المقرّ. وظاهر الفاضلين في الشرائع(1)
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 994 .
(الصفحة 203)مسألة 4 ـ لو شهد أحدهما بمشاهدة القتل عمداً ، والآخر بالقتل المطلق ، وأنكر القاتل العمد وادّعاه الولي ، كان شهادة الواحد لوثاً ، فإن أراد الولي إثبات دعواه فلابدّ من القسامة1..
والقواعد(1) اشتراك هذا الفرض مع الأوّل في تقديم قول الجاني ، نظراً إلى أنّه أمر لابدّ من الرجوع إليه ، لكونه بياناً وتفسيراً لإقراره ، ولا يعرف ذلك إلاّ من قبله ، ولكنّ الظاهر ما في المتن لما ذكر .
الثالث: ما إذا كان كلّ واحد منهما مدّعياً ، بأن كان الوليّ مدّعياً للعمد ، والمقرّ مدّعياً للخطأ . والحكم فيه يمين كلّ منهما ، ومقتضاها سقوط الدعويين ، والظاهر الرجوع إلى الدية في مال المقرّ . ومقتضى الاحتياط المصالحة عليها ، كما لا يخفى .
1 ـ الوجه في كون شهادة الواحد لوثاً عدم التكاذب والتعارض بين الشاهدين ، لعدم تعرّض الآخر لصفة العمد لا نفيه لها . وعدم التعرّض المذكور وإن كان يوجب عدم ثبوت قتل العمد الذي هو موجب القصاص إلاّ أنّه لا يوجب أن لا تكون شهادة الواحد لوثاً ، فيكون كما لو لم يكن هناك شاهداً آخر . نعم لا ينبغي الإشكال في ثبوت أصل القتل بذلك ، فإن أراد الوليّ القصاص لادّعائه كون القتل بنحو العمد لابدّ له في إثبات دعواه من القسامة ، وإلاّ فتثبت الدية .
وهذا بخلاف ما إذا شهد أحدهما بالقتل عمداً والآخر بالقتل خطأً ، فإنّه لا تكون شهادة الأوّل لوثاً ، وإن اختاره العلاّمة في التحرير(2) ، بل ولا يثبت أصل
- (1) قواعد الأحكام: 2 / 294 .
- (2) تحرير الأحكام 2 : 251 .
(الصفحة 204)مسألة 5 ـ لو شهد اثنان بأنّ القاتل زيد مثلاً ، وآخران بأنّه عمرو دونه ، قيل: يسقط القصاص ووجب الدية عليهما نصفين لو كان القتل المشهود به عمداً أو شبيهاً به ، وعلى عاقلتهما لو كان خطأ . وقيل : إنّ الولي مخيّر في تصديق أيّهما
القتل بذلك ، وإن استشكل فيه في القواعد(1) .
أمّا أصل القتل فربّما يقال فيه بالثبوت ، لاتّفاق الشهادتين في ثبوته ، واختلافهما في الصفة . والفرق بين هذا المقام وبين ما تقدّم من الاختلاف في الخصوصيات الراجعة إلى الزمان أو المكان أو آلة القتل أو نحوها حيث لا يثبت أصل القتل فيه كما مرّ ، بأنّ تلك الخصوصيات إنّما كانت مرتبطة ومضافة إلى القتل ، لكونها ظرفاً زمانيّاً أو مكانياً للفعل أو آلة لتحقّقه وأشباههما ، وأمّا خصوصية العمديّة والخطئيّة فمرتبطة بالفاعل ، من جهة كونه قاصداً ومريداً وعدم كونه كذلك ، فلا مجال للتشبيه .
ولكن يدفعه أنّ الفعل كما له إضافة وارتباط بالأمور المذكورة ، كذلك له إضافة بالفاعل من جهة القصد وعدمه ، ولذا يترتّب عليه الحسن والقبح ، فالعمل الصادر عن قصد يغاير العمل الصادر عن غيره . وحينئذ فلا فرق بين أن يكون الاختلاف في الأُمور المذكورة ، وبين أن يكون في جهة العمد والخطأ . وعليه فلا يثبت أصل القتل ، لثبوت التعارض والتكاذب .
ومنه يظهر عدم كون هذا الفرض لوثاً ، لأنّ مورده صورة وجود الشاهد الواحد الخالي عن المعارض الموجب للسقوط ، فمع وجود المعارض لا يتحقّق اللّوث بوجه ، كما لا يخفى .
- (1) قواعد الأحكام: 2 / 294 .