(الصفحة 313)مسألة 12 ـ اُجرة من يقيم الحدود الشرعية على بيت المال ، واُجرة المقتصّ على ولي الدم لو كان الاقتصاص في النفس ، وعلى المجنيّ عليه لو كان في الطرف ، ومع إعسارهما استدين عليهما ، ومع عدم الإمكان فمن بيت المال ، ويحتمل أن تكون ابتداء على بيت المال ، ومع فقده أو كان هناك ما هو أهمّ فعلى الولي أو المجنيّ عليه ، وقيل: هي على الجاني1..
1 ـ وقع الخلاف ـ بعد أنّه لا شبهة في أنّ أُجرة من يقيم الحدود الشرعية على بيت المال المعدّ للمصالح الراجعة إلى الإسلام والمسلمين ـ في أجرة من يستوفي القصاص على أقوال ثلاثة:
أحدها: ما في المتن من ثبوتها أوّلاً على من يكون له القصاص من الوليّ أو المجنيّ عليه ، وثانياً على بيت المال . والوجه فيه أنّ الحق إنّما يكون ثابتاً له ، وتوقّف استيفاؤه على الأجرة لا يلزم ثبوتها على بيت المال ، أو على الجاني ، كما في سائر موارد توقّف استيفاء الحقّ على مؤونة . فإذا توقّف استيفاء الدّين مثلاً على بذل مؤونة لا يستلزم ذلك ثبوت تلك المؤونة على بيت المال أو على المديون ، مع عدم مخالفته لما وجب عليه في هذا الأمر ، فالقصاص مثله ، لكن يمكن الإيراد عليه بأنّ الحكم بالثبوت على بيت المال ثانياً لا يستقيم على إطلاقه ، فإنّه يمكن القول بالاستدانة من بيت المال عليهما والأداء بعد ذلك إذا حصل اليسار ، فتدبّر .
ثانيها: عكس القول الأوّلوهوالثبوت ابتداءعلى بيت المال ، ومع الفقد أو وجود ما هو أهم كالجهاد مثلاً يثبت على من له القصاص ، وهو ظاهر المحقّق في الشرائع حيث قال: وأُجرة من يقيم الحدود من بيت المال ، فإن لم يكن بيت المال أو كان هناك
(الصفحة 314)مسألة 13 ـ لا يضمن المقتصّ في الطرف سراية القصاص إلاّ مع التعدّي في اقتصاصه ، فلو كان متعمّداً اقتصّ منه في الزائد إن أمكن ، ومع عدمه يضمن الدية أو الأرش ، ولو ادّعى المقتصّ منه تعمّد المقتصّ وأنكره فالقول قول المقتصّ بيمينه ، بل لو ادّعى الخطأ وأنكر المقتصّ منه فالظاهر أنّ القول قول .
ماهو أهمّ كانت الأُجرة على المجني عليه(1).والتعبيرعن القصاص بالحدود ـ كالتعبير عن من له القصاص بخصوص المجنيّ عليه ، مع أنّه يكون تارة هو الولي ـ لا يخلو عن المسامحة . والدليل على هذا القول دعوى اتّحاد حكم المقام مع سائر الموارد التي يرجع إلى بيت المال ، لكونه أيضاً من المصالح التي أعدّ لها بيت المال.
ولكنّه يندفع بأنّ استيفاء الحقّ الشخصي إذا كان متوقّفاً على مؤونة لا مجال لأخذ تلك المؤونة من بيت المال ، كاستيفاء الدين في المثال المتقدّم .
ثالثها: ثبوت الأُجرة على الجاني ، والوجه فيه دعوى اتحاد حكم المقام مع اُجرة الكيال الواجبة على البائع ، ولكنّها مندفعة بأنّ ثبوت الأُجرة على البائع إنّما هو فيما إذا توقّف القبض الواجب عليه على التعيين بالكيل الذي يتوقّف على الاُجرة ، وأمّا لو كان البيع موجباً لتحقّق شركة المشتري مع البائع في المبيع مثلاً فلا يكون هناك شيء على البائع ، وفي المقام الواجب على الجاني هو التمكين ، وجعل نفسه باختيار من له القصاص ، ولا ترتبط الأُجرة به بوجه .
ثمّ الظاهر أنّه على هذا القول لو أراد الوليّ مثلاً المباشرة وأخذ الأُجرة من الجاني كان له ذلك ، لعدم الفرق ، بل الظاهر أنّه على القول الثاني أيضاً يجوز له الأخذ من بيت المال .
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 1002 .
(الصفحة 315)المقتصّ بيمينه على وجه ، ولو ادّعى حصول الزيادة باضطراب المقتصّ منه أو بشيء من جهته فالقول قول المقتصّ منه1..
1 ـ قد استدلّ في الجواهر(1) على عدم ضمان السراية في قصاص الطرف مع عدم التعدّي في الاقتصاص ـ بعد نفي الخلاف والإشكال فيه ـ بالأصل وجملة من الروايات التي احتمل دعوى تواترها أو القطع بمضمونها ، ولكنّ الظاهر أنّ عمدتها واردة في قصاص النفس ، مثل صحيحة أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: سألته عن رجل قتله القصاص له دية؟ فقال: لو كان ذلك لم يقتصّ من أحد . وقال: من قتله الحدّ فلا دية له(2) .
فإنّ الظاهر أنّ المراد بقتل القصاص للرجل ليس هو قتله بالسراية بالقصاص في الطرف بل قتله بالقصاص الموجب للقتل ، والشاهد عليه الجواب ، فإنّه لو كان المراد منه هو الأوّل لا يستلزم ذلك سدّ باب الاقتصاص ، خصوصاً مع ندرة تحقّق السراية في قصاص الطرف . وهذا بخلاف ما لو كان المراد منه هو المعنى الثاني ، فإنّ اقتضاء قصاص النفس للدية يوجب سدّ باب الاقتصاص ، كما لا يخفى .
ورواية السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من اقتصّ منه فهو قتيل القرآن(3). وظهورها فيما ذكرنا واضح ، والتعبير بقتيل القرآن إنّما هو في مقابل قتيل العدوان مثلاً.
نعم في خصوص رواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من قتله
- (1) جواهر الكلام: 42 / 246 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 46 ، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح1 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 46 ، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح2 .
(الصفحة 316)مسألة 14 ـ كلّ من يجري بينهم القصاص في النفس يجري في الطرف ، ومن لا يقتصّ له في النفس لا يقتصّ له في الطرف ، فلا يقطع يد والد لقطع يد .
القصاص بأمر الإمام فلا دية له في قتل ولا جراحة(1) . ولكنّ الظاهر أنّه لا حاجة إلى الاستدلال بمثل هذه الروايات ، بعد كون ضمان السراية مفتقراً إلى قيام الدليل ، ولولا الإجماع عليه في صورة الجناية المحرّمة والتعدّي غير المشروع لم نقل به . وقد ظهر بما ذكرنا ثبوت الضمان مع التعدّي في الاقتصاص ، فإن كان متعمّداً وكان القصاص ممكناً كما إذا قطع إصبعاً زائدة مثلاً يقتصّ منه ، ومع عدم التعمّد أو عدم إمكان القصاص كما إذا قطع من المنكب مع كون الحق بالإضافة إلى القطع من المرفق يكون ضامناً للدية أو الأرش .
ثم إنّه لو وقع الاختلاف بين المقتصّ والمقتصّ منه في العمد والخطأ ، فتارة يقع الادّعاء من ناحية المقتصّ منه ، والإنكار من ناحية المقتصّ ، كما إذا ادّعى الأوّل التعمّد وأنكره الثاني ، فلا شبهة في أنّ القول قول المنكر بيمينه; لأنّ البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر ، واُخرى يكون بالعكس كما إذا ادّعى المقتصّ الخطأ وأنكره الآخر ، فظاهر المحقّق في الشرائع(2) أنّ القول قول المقتصّ أيضاً ، نظراً إلى أنّه أعرف بنيّته وكون قوله موافقاً للظاهر أو الأصل .
وأمّا الفرع الأخير فهو ما لو ادّعى المقتصّ حصول الزيادة لشيء من ناحية المقتصّ منه وأنكره الآخر ، فالظاهر أنّ القول فيه قول المنكر ، خلافاً لكاشف اللثام(3) .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 47 ، أبواب القصاص في النفس ب 24 ح8 .
- (2) شرائع الإسلام: 4 / 1002 .
- (3) كشف اللثام: 2 / 469 .
(الصفحة 317)ولده ، ولا يد مسلم لقطع يد كافر1.
مسألة 15 ـ إذا كان له أولياء شركاء في القصاص ، فإن حضر بعض وغاب بعض فعن الشيخ (قدس سره) للحاضر الاستيفاء بشرط أن يضمن حصص الباقين من الدية ، والأشبه أن يقال: لو كانت الغيبة قصيرة يصبر إلى مجيء الغائب ، والظاهر جواز حبس الجاني إلى مجيئه لو كان في معرض الفرار ، ولو كان غير (غيبته ـ ظ) منقطعة أو طويلة فأمر الغائب بيد الوالي ، فيعمل بما هو مصلحة عنده أو مصلحة الغائب ، ولو كان بعضهم مجنوناً فأمره إلى وليّه ، ولو كان صغيراً ففي رواية: انتظروا الذين قتل أبوهم أن يكبروا ، فإذا بلغوا خيّروا ، فإن أحبّوا قتلوا أو عفوا أو صالحوا2..
1 ـ الوجه في مساواة القصاص في الطرف مع القصاص في النفس في الشرائط المذكورة المتقدّمة مضافاً إلى الفتاوى ، إطلاق جملة من النصوص وصراحة بعضها في التعميم ، مثل صحيحة محمد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا يقاد مسلم بذمّي في القتل ولا في الجراحات ، ولكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمي على قدر دية الذمّي ثمانمائة درهم(1) .
وصحيحة أبي أيوب الخزاز ، عن حمران ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: لا يقاد والد بولده ، ويقتل الولد إذا قتل والده عمداً(2) . وذكر القتل في الذيل لا دلالة فيه على اختصاص الصدر به ، كما لا يخفى ، وغير ذلك من الروايات .
2 ـ في هذه المسألة فرعان ، والظاهر وقوع الخلط بينهما في المتن:
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 80 ، أبواب القصاص في النفس ب 47 ح5 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 56 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح1 .