(الصفحة 430)الخامس : لو قطع من واحد الأنملة العلياء ومن آخر الوسطى فإن طالب صاحب العليا يقتصّ منه وللآخر اقتصاص الوسطى ، وإن طالب صاحب الوسطى بالقصاص سابقاً على صاحب العليا أخّر حقّه إلى اتّضاح حال الآخر ، فإن اقتصّ صاحب العليا اقتصّ لصاحب الوسطى، وإن عفا أو أخذ الدية فهل لصاحب الوسطى القصاص بعد ردّ دية العليا ، أو ليس له القصاص بل لابدّ من الدية؟ وجهان، أوجههما الثاني ، ولو بادر صاحب الوسطى وقطع قبل استيفاء العليا فقد أساء، وعليه دية الزائدة على حقّه وعلى الجاني دية أنملة صاحب العليا1..
وممّا ذكرنا يظهر جواز الاقتصاص من الجميع في صورة العكس ، وهو ما إذاكان للجاني أربع أصابع أصلية وخامسة غير أصلية ، لأنّه لا مانع من جواز أخذ الناقص بالكامل كما في اليد الشلاّء ، حيث يقتصّ بها من الصحيحة . نعم في ثبوت الدية بمعنى الأرش ما عرفت في اليد الشلاّء ، فراجع .
1 ـ في هذا الفرع فروض:
أحدها: ما إذا طالب صاحب العليا الاقتصاص قبل الآخر ، ولا شبهة فيه في الجواز وفي أنّه يجوز للآخر الاقتصاص بعده ، لإمكانه بعد القصاص الأوّل .
ثانيها: عكس هذا الفرض ، وهو ما إذا سبق صاحب الوسطى بمطالبة حقّه واستيفائه ، واللاّزم بعد عدم إمكان الاقتصاص في هذه الحال تأخير حقّه إلى اتّضاح حال الآخر ، فإن أراد الآخر الاقتصاص واقتصّ يتحقّق موضوع القصاص للأوّل ، كالفرض المتقدّم ، فيقتصّ بلا إشكال .
وإن أراد الآخر العفو أو أخذ الدية مع التراضي ولم يقتصّ ففيه وجهان:
الأوّل: أنّه لصاحب الوسطى القصاص المستلزم لقطع العليا أيضاً ، غاية الأمر
(الصفحة 431)السادس : لو قطع يميناً مثلاً فبذل شمالاً للقصاص فقطعها المجنيّ عليه من غير علم بأنّها الشمال فهل يسقط القود أو يكون القصاص في اليمنى باقياً؟ الأقوى هو الثاني ، ولو خيف من السراية يؤخَّر القصاص حتّى يندمل اليسار ، .
لزوم ردّ ديتها ، واختاره الشيخ(1) والعلاّمة في بعض كتبه(2) ، ويؤيّده كونه كعفو أحد الشريكين ، وكردّ الامرأة الزائد على الرجل وغيرهما من النظائر .
الثاني: أنّه ليس له القصاص أصلاً ، بل ينتقل إلى الدّية ، وقد قوّاه في محكي كشف اللّثام(3) ، بل عن العلاّمة الميل إليه في القواعد(4) كما في المسالك(5) ، وفي المتن أنّه أوجه من الأوّل ، ولعلّ الوجه ما عرفت من اعتبار المماثلة في القصاص ، بمعنى أنّه لا يجوز للمجنيّ عليه استيفاء الزائد على حقّه وإن كان مقتضى رواية الحسن بن العبّاس بن الحريش المتقدّمة الجواز ، لكن عرفت من الجواهر إعراض الأصحاب عن مقتضاها في كثير من الموارد ، ولعلّه لذا تردّد في القواعد في ظاهرها . ومقتضى الاحتياط هذا الوجه أيضاً .
ثالثها: الفرض الثاني مع مبادرة صاحب الوسطى بالاقتصاص عملاً قبل استيفاء العليا ، والحكم فيه ثبوت العصيان وثبوت دية الزائدة على حقّه ; لعدم إمكان الاقتصاص فيه كما هو ظاهر . وعلى الجاني دية أنملة صاحب العليا ، لانتفاء موضوع القصاص بالإضافة إليه .
- (1) المبسوط: 7 / 90 .
- (2) تحرير الأحكام: 2 / 260 ، إرشاد الأذهان: 2 / 210 .
- (3) كشف اللثام: 2 / 473 .
- (4) استشكل الحكم بجواز الاقتصاص في قواعد الأحكام: 2 / 305 .
- (5) مسالك الأفهام: 15 / 298 .
(الصفحة 432)ولا دية لو بذل الجاني عالماً بالحكم والموضوع عامداً ، بل لا يبعد عدمها مع البذل جاهلاً بالموضوع أو الحكم ، ولو قطعها المجنيّ عليه مع العلم بكونها اليسار ضمنها مع جهل الجاني بل عليه القود ، وأمّا مع علمه وبذله فلا شبهة في الإثم ، لكن في القود والدية إشكال1..
1 ـ لو قطع يميناً مثلاً فبذل الجاني شمالاً للقصاص فقطعها المجنيّ عليه مكان اليمين ففيه صورتان:
الصورة الاُولى: ما إذا لم يعلم المجنيّ عليه بأنّها الشمال ، بل تخيّل أنّها اليمين التي وقعت الجناية في مثلها ، وفيها جهات من الكلام:
الأولى: أنّه هل يكون قطع الشمال مكان اليمين موجباً لسقوط حقّ الاقتصاص بالإضافة إلى اليمين أم لا؟ حكي الأوّل عن الشيخ في المبسوط حيث قال: والذي يقتضيه مذهبنا أنّه يسقط عنه القود(1) . وعلّله في الجواهر بأنّ اليسار تكون بدلاً عن اليمين في الجملة ، ولصدق «اليد باليد»(2) . والثاني عن المهذب(3) بل هو خيرة أكثر المتأخّرين(4) ، وتردّد المحقّق في الشرائع(5) معلّلاً بأنّ المتعيّن قطع اليمين فلا تجزىء اليسرى مع وجودها ، وعلى هذا يكون القصاص في اليمنى باقياً .
والأقوى كما في المتن هو هذا الوجه حتى في صورة العلم بأنّها الشمال ; لأنّه يصير مثل ما إذا وقعت جناية عمدية من المجنيّ عليه بالإضافة إلى الجاني ، فإنّه لو جنى
- (1) المبسوط : 7 / 101 .
- (2) جواهر الكلام: 42 / 409 .
- (3) المهذّب : 2 / 485 .
- (4) راجع جواهر الكلام: 42 / 410 .
- (5) شرائع الإسلام: 4 / 1013 .
(الصفحة 433)
كلّ من اثنين على آخر بقطع اليمين من أحد واليسار من آخر ، فهل يوجب ذلك سقوط القصاصين أو أنّ حقّ كلّ واحد ثابت في البين؟ الظاهر هو الثاني ، فكذا المقام بل أولى . نعم لو خيف من السراية إلى النفس بتوارد القطعين وتوالي العملين يؤخّر القصاص إلى اندمال اليسار . قال كاشف اللِّثام بعد الحكم بضمان أحد القطعين دون الآخر: فيضمن نصف السراية ، بخلاف ما لو قطع يدين فإنّه يوالي بين قطع يديه ، فإنّ السراية إن حصلت فعن غير مضمون(1) . وتنظّر فيه في الجواهر بقوله: وفيه نظر ، أمّا أوّلاً فلاحتمال عدم الضمان فيهما في الفرض للجهل بالأوّل والاستحقاق في الثاني . وأمّا ثانياً فقد يقال بضمانه هنا النفس ، وإن كان الجرحان معاً غير مضمونين ، باعتبار اشتراط استيفاء القصاص في الطرف بعدم التغرير بها ، فإذا اقتصّ مغرّراً بها ضمنها ، وإن لم تكن الجناية مضمونة لو اندملت فهو كما لو قطع اليد الشلاّء التي حكم أهل الخبرة بعدم انحسامها . وقال بعد ذلك: والمسألة لاتخلو من إشكال(2) .
الثانية: لا إشكال في أنّ قطع الشمال في هذه الصورة التي يكون المجنيّ عليه فيها جاهلاً بأنّها هي الشمال لا يوجب ثبوت حقّ القصاص للجاني بالنسبة إلى المجنيّ عليه ; لعدم تحقّق موجبه الذي هو القطع عدواناً وظلماً . ومن الواضح اعتبار العلم في ثبوت الظلم المحرّم .
الثالثة: هل يثبت على المجنيّ عليه دية ما قطعه من الشمال أم لا؟ ظاهر المتن عدم الثبوت مطلقاً ولو كان الجاني جاهلاً بالموضوع أو الحكم ، وظاهر المحقّق في
- (1) كشف اللثام: 2 / 472 .
- (2) جواهر الكلام: 42 / 410 .
(الصفحة 434)
الشرائع التفصيل، حيث قال: وأمّا الدية ، فإن كان الجاني سمع الآمر بإخراج اليمنى فأخرج اليسار مع العلم بأنّها لا تجزي ، وقصده إلى إخراجها فلا دية أيضاً(1) ، وهو المحكيّ عن الشيخ(2) والعلاّمة(3) وغيرهما .
واستدلّ في الجواهر لعدم ثبوت الدية في هذا الفرض ، بأنّ السبب فيه أقوى من المباشر ، فهو كتقديم الطعام المسموم للضيف وغيره .
واستشكل فيه في محكيّ المسالك: بأنّ الحكم في تقديم الطعام ونظائره مستند إلى العادة الغالبة مع اتّفاق المسؤول والمبذول ، والأمر في المتنازع(4) ليس كذلك ، فإنّ المسؤول إخراج اليمنى ، والمبذول اليسار ، ولأنّ الإذن في هذا الفعل لا يؤثّر في الإباحة ، بخلاف الأمثلة المذكورة ، فكان القول بثبوت الدية أوجه(5) .
والظاهر عدم صحّة الإشكال المزبور بعد عدم ابتناء المسألة على الإذن ، بل على أقوائية السبب من المباشر ، وهي لا فرق فيها بين المال والنفس أصلاً .
وأمّا فرض جهل الجاني بالموضوع أو الحكم الذي هو عبارة عن عدم الاجتزاء به في مقام قصاص الجناية ، فربّما يقال فيه بأنّ الأقوائيّة المزبورة متحقّقة ، لأنّ الملاك فيها هو جهل المستوفي بالحال ، وأمّا جهل الباذل فلا دخالة له فيها ، فلا مجال لثبوت الدية أيضاً كالقصاص . ولكنّه ربّما يقال ـ بعد لزوم معرفة المجنيّ عليه كونها يميناً في مقام القصاص : ـ إنّه مقصّر في قطعها ، اعتماداً على بذل المقتصّ منه
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 1013 .
- (2) المبسوط : 7 / 100 .
- (3) تحرير الأحكام: 2 / 261 ، إرشاد الأذهان: 2 / 209 ، قواعد الأحكام: 2 / 304 .
- (4) مسالك الأفهام: 15 / 299 ـ 300 .
- (5) جواهر الكلام: 42 / 410 ـ 411 .