(الصفحة 25)مسألة 3 ـ لو رماه بسهم أو بندقة فمات فهو عمد ، عليه القود ولو لم يقصد القتل به ، وكذا لو خنقه بحبل ولم يزح عنه حتّى مات ، أو غمسه في ماء ونحوه ومنعه عن الخروج حتى مات ، أو جعل رأسه في جراب النورة حتى مات ، إلى غير ذلك من الأسباب التي انفرد الجاني في التسبيب المتلف فهي من العمد1..
التخطّئ ، والبئر شرط للتأثير بمعنى أنّه لو لم يحفرها لم يتحقّق القتل أصلاً ، لكنّه لم يكن دخيلاً في الوقوع ، بل الوقوع مستند إلى ما ذكر من التخطّئ ، وهو موجب لتحقّق القتل .
وبالجملة: فالضابط ما ذكرنا من صدق عنوان قتل العمد من دون أن يكون عنوان آخر دخيلاً في الحكم ، فلابدّ في الحكم بثبوت القصاص من ملاحظة تحققه ، وعليه ففي جميع المسائل الآتية ليس المدار غير ما ذكر .
1 ـ هذه هي الصورة الأُولى من صور انفراد الجاني بالتسبيب المتلف ، والحكم بثبوت القود في الفرض الأوّل إنّما هو لأجل كون مثل السهم والبندقة من الآلات المؤثِّرة في القتل غالباً ، وعليه فلا فرق بين ما إذا قصد القتل به وبين ما إذا لم يقصد ، لما عرفت من اشتراك كلّ من الفرضين في تحقّق عنوان العمد مع كون الآلة كذلك ، أي مؤثِّرة في القتل غالباً ، لكن لابدّ من تقييد ذلك بما إذا وقع في المقتل ، فإنّه لو أراد برميه غير المقتل فأصاب المقتل ، كما إذا كان المراد من رميه هو الوقوع في الرِجل الذي لا يؤثِّر في القتل نوعاً ، ولكنّه أصاب المقتل على خلاف ما أراد ، فالظاهر عدم تحقّق قتل العمد ، بل لايبعد أن يقال بكونه من مصاديق قتل الخطأ المحض ، فإنّ قوله (عليه السلام) في بعض الروايات المتقدّمة: «إنّما الخطأ أن تريد شيئاً فتصيب غيره» يشمل بإطلاقه مثل المقام الذي أراد ضرب الرجل فأصاب المقتل ، فإنّه لافرق بينه
(الصفحة 26)مسألة 4 ـ في مثل الخنق وما بعده ، لو أخرجه منقطع النفس أو غير منقطع لكن متردّد النفس فمات من أثر ما فعل به فهو عمد عليه القود1.
مسألة 5 ـ لو فعل به أحد المذكورات بمقدار لا يقتل مثله غالباً لمثله ، ثم أرسله فمات بسببه ، فإن قصد ولو رجاء القتل به ففيه القصاص ، وإلاّ فالدية ، وكذا لو داس بطنه بما لا يقتل به غالباً ، أو غصر خصيته فمات ، أو أرسله منقطع القوة فمات2..
وبين ما إذا أراد قتل حيوان فأصاب إنساناً فقتله .
وهذا التقييد لا يجري في سائر الأمثلة والفروض المذكورة في المتن ، فإنّه بالخنق بالحبل وعدم الإرخاء حتى الموت ، أو الغمس في مثل الماء ومنعه عن الخروج كذلك ، أو جعل رأسه في جراب النورة كذلك أيضاً يتحقّق العنوان الموجب للقصاص من دون تقييد ، ولو لم يقصد القتل به أصلاً .
1 ـ الوجه في ذلك وضوح استناد الموت إلى الخنق والغمس وجعل الرأس في جراب النورة ، ولو كان في حال الإخراج منقطع النفس أو متردّده وبقي مريضاً زمناً حتّى مات ، بل في كشف اللثام: طالت المدّة قدراً يقتل الخنق في مثله غالباً أو لا(1) . وقد عرفت أنّه لا فرق بين صورة قصد القتل وعدمه بعد كون مثل الخنق مؤثّراً في حصول القتل غالباً .
2 ـ الوجه في التفصيل بين صورة قصد القتل وبين غيرها ظاهر بملاحظة ما ذكرنا ، فإنّه مع كون المفروض عدم تأثير العمل في قتله بحسب الغالب ، كما في
- (1) كشف اللّثام : 2 / 440 .
(الصفحة 27)مسألة 6 ـ لو كان الطرف ضعيفاً لمرض أو صغر أو كبر ونحوها ، ففعل به ما ذكر في المسألة السابقة فالظاهر أنّ فيه القصاص ولو لم يقصد القتل مع علمه بضعفه ، وإلاّ ففيه التفصيل المتقدّم1..
الأمثلة المذكورة في المسألة الثالثة مع التقييد بالمقدار الذي لا يكون موجباً لقتله كذلك ، وكما فيما لو داس بطنه ـ أي وطئه برجله ـ أو عصر خصيته مع التقييد بالمقدار المذكور ، ولكنّه أثّر في القتل على خلاف الغلبة لا يبقى مجال لتحقّق عنوان قتل العمد إلاّ من ناحية قصد القتل، لاعتبار أحد الأمرين على سبيل منع الخلوّ في تحقّقه كما عرفت ، وتحقّق القصد مع كون المفروض عدم التأثير في القتل غالباً إنّما هو بنحو الرجاء والاحتمال الناشئ عن التأثير مع وصف الندرة ، كما لايخفى .
ثمَّ إنّه لا فرق في هذه الجهة بين ما إذا تحقّق الموت حينما داس بطنه أو عصر خصيته ، وبين ما إذا أرسله منقطع القوّة فمات ، كما عرفت في المسألة الرابعة .
1 ـ المقصود من هذه المسألة أمران:
أحدهما: أنّه لابدّ في ملاحظة مقدار التأثير ، وأنّه هل يؤثّر في القتل غالباً أم لا ، ومن ملاحظة حال الطرف من جهة القوّة أو الضعف الناشئ عن المرض أو الصغر أو الكبر أو نحوهما ، فربّما يكون الخنق بالحبل مثلاً في زمان قليل مؤثِّراً في قتل الضعيف نوعاً ، ولا يؤثّر في هذا المقدار من الزمان في قتل القويّ كذلك ، فاللاّزم ملاحظة حال الطرف من هذه الجهة .
ثانيهما: إنّ الملاك ليس هو الضعف الواقعي بمجرّده ، بل العلم بثبوت هذا الضعف فيه ، فلو كان بحسب الواقع ضعيفاً ولكنّه كان الجاني جاهلاً بذلك لا يكاد
(الصفحة 28)مسألة 7 ـ لو ضربه بعصا مثلاً فلم يقلع عنه حتّى مات ، أو ضربه مكرّراً ما لا يتحمّله مثله بالنسبة إلى بدنه ، ككونه ضعيفاً أو صغيراً ، أو بالنسبة إلى الضرب الوارد ، ككون الضارب قويّاً ، أو بالنسبة إلى الزمان ، كفصل البرودة الشديدة مثلاً فمات فهو عمد1..
يتحقّق قتل العمد إذا لم يكن قاصداً للقتل . والوجه فيه عدم صدق العنوان الموجب للقود مع الجهل بالحال . وإن كان يظهر الاستشكال فيه من بعض أو الميل إلى العدم ، كما من صاحب الجواهر(1) بناء على ما رجّحه من التوسعة في قتل العمد ، كما عرفت .
1 ـ المقصود من هذه المسألة التنبيه على أنّه لابدّ في مثل ضرب العصا من جهة اتّصافه بأنّه يتحمّل أوّلاً من ملاحظة المضروب من جهة الضعف والقوّة ، كما مرّ في المسألة السابقة ، ومن ملاحظة الضارب والضرب الصادر منه ، وأنّه هل يكون قويّاً أو لا ، ومن ملاحظة زمان الضرب وأنّه هل يكون فصل البرودة الشديدة التي يكون تأثير الضرب فيها أكثر من غيره من الفصول .
وهذا الفرض من الضرب بالعصا ـ مضافاً إلى أنّ مقتضى القاعدة أنّ حكمه هو القصاص لتحقّق موجبه الذي هو قتل العمد ـ قد ورد فيه بعض الروايات .
مثل: رواية الحلبي وأبي الصباح الكناني جميعاً قال: سألناه عن رجل ضرب رجلاً بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتّى مات ، أيدفع إلى وليّ المقتول فيقتله؟ قال: نعم ، ولكن لا يترك يعبث به ، ولكن يجيز عليه بالسيف(2) . فإنّ الظاهر أنّ
- (1) جواهر الكلام : 42 / 17 ـ 18 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 24 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 2 .
(الصفحة 29)
مورد السؤال هي صورة عدم قصد القتل بقرينة السؤال الحاكي عن وجود شبهة موجبة له ، ومن الواضح أنّه لو فرض ثبوت القصد مع كون العمل مؤثِّراً في القتل لا مجال للشبهة أصلاً ; لأنّه المورد الظاهر من قتل العمد . فنفس السؤال قرينة على عدم ثبوت قصد القتل بوجه ، وعلى تقدير التنزّل فمقتضى إطلاق السؤال وترك الاستفصال في الجواب عدم الفرق بين صورتي القصد وعدمه ، وعلى أيّ تقدير فالرواية تدلّ على حكم المقام ، وأنّه هو ثبوت العمد ولو مع عدم القصد .
ومرسلة يونس ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال: إن ضرب رجل رجلاً بعصا أو بحجر فمات من ضربة واحدة قبل أن يتكلّم فهو يشبه العمد فالدية على القاتل ، وإن علاه وألحّ عليه بالعصا أو بالحجارة حتّى يقتله فهو عمد يقتل به ، وإن ضربه ضربة واحدة فتكلّم ثم مكث يوماً أو أكثر من يوم فهو شبه العمد(1) . بناء على أنّ المراد من قوله (عليه السلام) : «وإن علاه» ليس إذاكان قاصداً للقتل ، وإن كان قوله (عليه السلام) : «حتّى يقتله» مشعراً بذلك ، لأنّه ظاهر في أنّ الفرق بين هذا الفرض وبين الفرض الأوّل المذكور في الرواية ليس إلاّ في مجرّد كون مورد الفرض الأوّل هو الضرب بمثل العصا ضربة واحدة من دون أن يكون مقروناً بقصد القتل ، ومورد الفرض الثاني هو الضرب مع الإلحاح والتكرّر المنجرّ إلى الموت .
فلو كان المفروض في هذه الصورة تحقّق قصد القتل أيضاً يلزم ثبوت الاختلاف بين الفرضين من وجهين ، وهو خلاف ظاهر الرواية ، وعليه فيكون قوله (عليه السلام) : «حتّى يقتله» في هذه الرواية بمعنى قوله (عليه السلام) : «حتّى مات» في الرواية الأُولى ،
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 25 ، أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 5 .