(الصفحة 140)مسألة 5 ـ أولاد الذّمي القاتل أحرار لا يسترقّ واحد منهم لقتل والدهم ، ولو أسلم الذمّي القاتل قبل استرقاقه لم يكن لأولياء المقتول غير قتله1..
1 ـ في هذه المسألة فرعان:
الأوّل: عدم جواز استرقاق أولاد الذمّي القاتل للمسلم لقتل والدهم ، ومن الظاهر أنّ المراد بهم هو الصغار منهم لا المطلق ، كما في المتن ، والمحكي عن المفيد(1)وسلار(2) وابن حمزة(3) جواز الاسترقاق ، وعن ابن إدريس(4) ومن تأخّر عنه(5)عدم الجواز ، وتردّد فيه المحقّق في الشرائع(6) ، وإن جعل الأشبه البقاء على الحرّية .
وكيف كان ، فربّما يستدلّ على الجواز بتبعية الأولاد الصغار للوالد ـ ومقتضى التبعية جواز استرقاقهم أيضاً ـ بالخروج عن الذّمة بسبب ارتكاب القتل والالتحاق بأهل الحرب ، ومن أحكامهم استرقاق أولادهم الصّغار .
وقد مرّ الجواب عن الأمر الثاني في المسألة الرابعة المتقدّمة ، وأنّ ارتكاب القتل لا يوجب الخروج عن الذمّة والالتحاق بأهل الحرب . وأمّا الأمر الأوّل فيردّه عدم قيام الدّليل على سعة دائرة التبعية وشمولها لمثل المقام ، خصوصاً بعد قوله تعالى:
{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى}(7) .
وربّما يستدلّ على العدم كما في الجواهر: بخلوّ النصوص عن ذلك ، مع أنّها
- (1) المقنعة: 740 .
- (2) المراسم العلوية: 238 .
- (3) الوسيلة: 435 .
- (4) السرائر: 3 / 351 .
- (5) كشف الرموز: 2 / 609 ، إرشاد الأذهان: 2 / 204 .
- (6) شرائع الإسلام: 4 / 986 .
- (7) الأنعام 6 : 164 .
(الصفحة 141)مسألة 6 ـ لو قتل الكافر كافراً وأسلم لم يقتل به ، بل عليه الدية إن كان المقتول ذا دية1..
في مقام البيان(1) ، ولكنّه يتمّ بناء على نقل صاحب الجواهر للرواية بالنحو الذي عرفت ، وأمّا بناء على نقل صاحب الوسائل فلا يتمّ ، لعدم كون الرواية بهذا النقل في مقام البيان ، ولو لم يقع السؤال عن حكم المال لم يكن في الرواية تعرّض لحكمه أيضاً ، بل غاية ما كانت الرواية بصدد بيانه هو حكم نفس القاتل من جهة القتل والاسترقاق والعفو .
ولكن ذلك لا يقدح في أصل الحكم بعد كون جواز الاسترقاق مفتقراً إلى الدّليل ، وقد عرفت أنّه لا دليل عليه ، فمقتضى الأصل العدم .
الثاني: لو أسلم الذمّي القاتل قبل استرقاقه لم يكن لأولياء المقتول غير قتله ، فلا يجوز استرقاقه ولا تملّك أمواله ، للاقتصار في الرواية المتقدّمة في الجواب عن سؤال هذا الفرض بقوله (عليه السلام) : «اقتله به» الظاهر في انحصار حكمه فيما إذا لم يرد العفو بالقتل .
1 ـ الوجه في عدم قتله به أنّ الملاك في ذلك حال الاقتصاص ، فإنّ مثل قوله (عليه السلام) في بعض الروايات المتقدّمة : «لا يقاد مسلم بذمّي»(2) ظاهر في المسلم حال إرادة القصاص ، وإن لم يكن متّصفاً بذلك حال الجناية . وعليه فاللاّزم عليه الدية ، وقد قيّده في المتن تبعاً للمحقّق في الشرائع(3) بما إذا كان المقتول ذا دية ، مع أنّه إذا لم يكن
- (1) جواهر الكلام: 42 / 158 .
- (2) تقدّم في ص128 .
- (3) شرائع الإسلام: 4 / 987 .
(الصفحة 142)مسألة 7 ـ يقتل ولد الرشيدة بولد الزنية بعد وصفه الإسلام حين تميزه ولو لم يبلغ ، وأمّا في حال صغره قبل التميز أو بعده وقبل إسلامه ففي قتله به وعدمه تأمّل وإشكال1..
كذلك لا يبقى موضوع للقصاص من الأوّل . وبعبارة أخرى محلّ الكلام ما إذا كان هناك قصاص ، مع قطع النظر عن إسلامه الجديد ، وهو يتحقّق فيما إذا كان المقتول محقون الدّم ، ولا يشمل مهدور الدّم ، وعليه فالتقييد المذكور بلا فائدة .
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في فرعين:
الأوّل: ما إذا أظهر ولد الزنا الإسلام بعد التميز ، سواء بلغ أو لم يبلغ . ومنشأ توهّم عدم اقتصاص ولد الحلال بقتله أحد أمرين:
الأوّل: كونه محكوماً بالكفر ، كما عليه بعض الأصحاب كالسيّد المرتضى (قدس سره)(1) ، وقد مرّ أنّه لا يقتل المسلم بالكافر .
الثاني: كون ديته بمقدار الذمّي وهو ثمانمائة درهم ، فيستكشف من ذلك إجراء حكم الذمّي عليه ، ومن أحكامه عدم قتل المسلم به .
والجواب منع كونه في هذا الحال وهو حال إظهار الإسلام ووصفه محكوماً بالكفر ، وقد مرّ في بحث نجاسة الكافر عدم كون ولد الحرام بمجرّده كافراً ، ومنع كون التساوي في الدية موجباً للتساوي في القصاص بعد كون الملاك هنا عدم قتل المسلم بالكافر ، وهو لا ينطبق عليه ، وعليه فالظاهر ثبوت القصاص في هذا الفرع .
الثاني: ولد الحرام قبل تميّزه أو بعده مع عدم إظهار الإسلام ووصفه . والظاهر
- (1) الإنتصار: 544 مسألة 503 .
(الصفحة 143)ومن لواحق هذا الباب فروع:
منها: لو قطع مسلم يد ذمّي عمداً فأسلم وسرت إلى نفسه ، فلا قصاص في الطرف ولا قود في النفس ، وعليه دية النفس كاملة . وكذا لو قطع صبيّ يد بالغ فبلغ ثم سرت جنايته لا قصاص في الطرف ولا قود في النفس ، وعلى عاقلته دية النفس1..
أنّه في هذه الصورة لا يكون محكوماً بالكفر ولا بالإسلام ، لأنّ المفروض عدم إظهاره للإسلام ، وليس في البين تبعية للأبوين كما في الكفر ، أو لأحدهما كما في الإسلام ، بعد انتفاء النسب شرعاً وسلب الأبوّة والأمومة ، وجريان بعض أحكامهما لا يلازم ثبوتهما ، وعليه فهو ليس بمسلم ولا كافر ولو حكماً .
وحينئذ إن كان الملاك في المقام اعتبار التساوي في الدين كما ادّعى عليه الإجماع صاحب الجواهر(1) ـ وإن كان فيه نظر بل منع ، لوضوح كون مستند المسألة هي الروايات الواردة فيها ـ فلا يكون للإجماع أصالة ، فاللاّزم عدم ثبوت القصاص لعدم تحقّق التساوي في الدين المعتبر فيه . وإن كان الملاك هو أنّه لا يقاد مسلم بكافر كما وقع التعبير به في الرواية ، فاللاّزم ثبوت القصاص ، لأنّ المقدار الخارج عن عموم أدلّة القصاص وإطلاقها هو ما إذا كان المسلم قاتلاً للكافر ، والمفروض عدم تحقّقه في المقام ، لعدم كون المقتول محكوماً بالكفر ، والظاهر هو هذا الوجه ، لدلالة الرواية التي هي مستند المسألة على هذا الأمر ، كما لا يخفى .
1 ـ بعد الفراغ عن عدم ثبوت القصاص في الجناية على الأطراف ، إذا كان الجاني مسلماً والمجنيّ عليه كافراً ذمّياً ، لورود بعض الروايات المتقدّمة في قصاص
- (1) جواهر الكلام: 42 / 159 .
(الصفحة 144)
النفس في قطع المسلم يد الذمّي(1) ، وبعد الفراغ عن ضمان السراية كما مرّ البحث فيه في أوائل كتاب القصاص(2) ، يقع الكلام هنا في أنّه لو قطع المسلم يد الذمّي عمداً ، فأسلم وسرت إلى نفسه في حال إسلامه ، فهل يكون هناك قصاص في النفس بلحاظ وقوع السراية المضمونة في حال الإسلام ، أو أنّه لا مجال للقصاص؟ لأنّ الملاك حال الجناية ، والمفروض عدم تحقّق التساوي في الدين حالها ، وهو معتبر في القصاص كما عرفت . الظاهر هو الوجه الثاني لعدم صدق موجب القصاص وهو قتل النفس المسلمة ظلماً وعدواناً ، فإنّ مجرّد قطع يد الذّمي ولو انجرّ إلى النفس بعد صيرورته مسلماً ، لا يوجب إضافة قتل المسلم ظلماً إليه ، فلا معنى للقصاص .
ولكنّه حيث تكون السراية مضمونة كما هو المفروض ، تثبت دية النفس تامّة على المسلم ، والظاهر ثبوت دية المسلم لا دية الذّمي ، لأنّ ضمان السراية إنّما كان في حال الإسلام ، والفرق بين الدية والقصاص ما عرفت من عدم صدق موجب القصاص هنا . وأمّا الدية فموجبها الاستناد إليه ولو بالسراية ، وهذا متحقِّق في المقام ، وبعبارة أُخرى معنى ضمان السراية يرجع إلى انضمام ما تحقّق بالسراية إلى الجناية الواقعة ابتداءً ، وحيث إنّ الواقع أوّلاً مضمون بالدية فلابدّ أن تكون السراية مضمونة بها أيضاً . غاية الأمر أنّه حيث كان وقوعها في حال الإسلام فاللاّزم الالتزام بثبوت دية المسلم .
ومن هذا الفرع ظهر حكم الفرع الثاني ، فإنّه حيث كانت الجناية واقعة في حال
- (1) وهو صحيحة محمد بن قيس ، وسائل الشيعة: 19 / 80 ، أبواب القصاص في النفس ب47 ح5 .
- (2) في ص46 ـ 47 .