(الصفحة 279)مسألة 9 ـ لو اتّهم رجل بالقتل والتمس الولي من الحاكم حبسه حتّى يحضر البيّنة ، فالظاهر جواز إجابته إلاّ إذا كان الرجل ممّن يوثق بعدم فراره ، ولو أخّر .
ولذاحكي عن كاشف اللثام(1) أنّ المراد من الخيار هو التخيير بين أن يصدِّقه ويكذِّب نفسه ، وبين أن يكذِّبه ويثبت على ما كان عليه .
والتحقيق ـ بعد ظهور كون المراد من الخيار هو التخيير بين البقاء على مقتضى القسامة وبين الرجوع إلى المقِرّ ـ هو التفصيل في ذلك كما في المتن ، بأن يقال: إنّ الدّعوى إن كانت جزماً ـ ومرجعها إلى علم المدّعي بكون القاتل هو زيداً مثلاً ـ لا مجال له للرّجوع إلى المِقرّ بوجه إلاّ مع تكذيب نفسه ، سواء قلنا بلزوم حلفه مع القسامة وحلف معهم ، أم لم نقل بذلك وقلنا بكفاية حلف القوم . وأمّا إذا كانت دعواه ظنّاً وقلنا بسماع هذا النحو من الدّعوى جاز له الرجوع إلى زيد بمقتضى القسامة ، وجاز له الرّجوع إلى عمرو المقِرّ بمقتضى إقراره ، كما أنّه إذا كانت دعواه جزماً ولكنّه رجع بعد الإقرار عن جزمه إلى الترديد أو الظنّ فإنّه حينئذ يكون له الخيار أيضاً ، لأنّه بالرجوع عن الجزم لا يتحقّق تكذيب المقِرّ .
لكن يظهر من الجواهر بطلان القسامة في هذه الصورة ، حيث قال: وعروض الشك له بعد الإقرار والإتيان بالقسامة يقتضي عدم الرجوع على الأوّل أيضاً ، لأنّ الثابت من صحّة القسامة الأخذ بها لمن هو باق على مقتضاها(2) . ويرد عليه أنّ الحكم بتوقّف صحّة القسامة على البقاء على مقتضاها يوجب عدم جريانها أصلاً لعدم إحرازه نوعاً ، كما لايخفى .
- (1) كشف اللثام: 2 / 464 .
- (2) جواهر الكلام: 42 / 275 .
(الصفحة 280)المدّعي إقامة البيّنة إلى ستّة أيّام يخلّى سبيله1..
1 ـ قد وقع الإشكال والخلاف في جواز حبس المتّهم في الدّم ، فالمحكيّ عن الشيخ(1) وأتباعه(2) والصهرشتي(3) والطبرسي(4) والعلاّمة في التحرير(5) وبعض آخر(6) الجواز ، وعن الحلّي(7) والفخر(8) وجدّه(9) وبعض آخر(10) العدم ، وعن المختلف التفصيل ، حيث إنّه قال فيما حكي عنه: التحقيق أن نقول : إن حصلت التهمة للحاكم بسبب لزم الحبس ستّة أيّام ، عملاً بالرواية وتحفّظاً للنفوس عن الإتلاف ، وإن حصلت لغيره فلا ، عملاً بالأصل(11) .
والمستند الوحيد في المسألة ـ بعد وضوح كون الحبس على خلاف القاعدة لأنّه عقوبة مع عدم ثبوت الجناية بعد ; لأنّ المفروض تحقّق مجرّد الاتهام ـ ما رواه الشيخ باسانيده عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّ النبي(صلى الله عليه وآله) كان يحبس في تهمة الدم ستّة أيّام ، فإن جاء أولياء
- (1) النهاية: 744 .
- (2) المهذّب: 2 / 503 ، الوسيلة: 461 ، لكن قيّده بثلاثة أيام .
- (3 و 4) حكى عنهما في مفتاح الكرامة: 11 / 84 .
- (5) تحرير الأحكام: 2 / 254 .
- (6) كابن الجنيد على ما حكاه عنه ابن فهد الحلي في المهذّب البارع: 5 / 210 ، قال: «الخامس : قال أبو علي: إن ادّعى الولي أنّ له بيّنة حبس سنة» .
- (7) السرائر: 3 / 343 .
- (8) إيضاح الفوائد: 4 / 619 .
- (9) حكاه عنه فخر المحققين في إيضاح الفوائد: 4 / 619 .
- (10) كالشهيد الثاني في الروضة البهيّة: 10 / 76 والمسالك: 15 / 223 .
- (11) مختلف الشيعة: 9 / 318 مسألة 24 .
(الصفحة 281)
المقتول بثبت ، وإلاّ خلّى سبيله(1) .
وذكر المحقّق في الشرائع أنّه في المستند ضعف(2) . والظاهر أنّ مراده هو الضعف في السند باعتبار السكوني ، مع أن الظاهر اعتبار روايته مطلقاً لكونه ثقة . وفي مثل المقام يكون استناد المشهور إلى روايته جابراً لضعفها على تقديره . نعم من لا يعتمد على خبر الواحد مطلقاً كالحلّي لا مانع له من ترك العمل بها .
وأمّا دلالة الرواية فالظاهر أنّ قوله (عليه السلام) : «انّ النبي(صلى الله عليه وآله) كان يحبس» وإن كان هو الحبس ولو من دون التماس الولي ، إلاّ أنّه حيث يكون الحق له ويعتبر طلب ذي الحقّ في الأخذ له بحقّه لا مانع من تقييده بصورة الالتماس ، كما في المتن تبعاً للشرائع(3) . كما أنّ الظاهر أنّ المراد من التهمة ليس مجرّد احتمال كونه قاتلاً بل تحقّق الظن بذلك من سبب موجب لإفادة الظن ، وهو المعبَّر عنه باللّوث في مسألة القسامة .
ولا يبعد القول بما عرفت من المختلف من التفصيل لظهور الرواية في كون التهمة حاصلة للحاكم ، كما مرّ مثله في باب القسامة ، وعليه فالإشكال عليه ـ كما في الجواهر(4) ـ بأنّه خروج عن إطلاق الرواية محلّ نظر بل منع . والمراد من الدّم الذي أُضيفت إليه التهمة هو القتل لا ما يعمّ الجرح ، لانصراف إطلاق الدّم إليه ، مضافاً إلى كون الحكم على خلاف القاعدة .
ثمّ إنّ الظاهر أنّ المراد من مجيء أولياء المقتول هو مجيئهم في الستّة لا بعدها ، وإن كان التعبير بالفاء لعلّه يشعر بخلافه ، فتدبّر .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 121 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 12 ح1.
- (2 ، 3) شرائع الإسلام: 4 / 1001 .
- (4) جواهر الكلام: 42 / 277.
(الصفحة 282)
كما أنّ الظاهر أنّ المراد بقوله (عليه السلام) : «بثبت» في الرواية أعمّ من البيّنة فيشمل القسامة ، وعليه فالتعبير بالبيّنة في مثل المتن إنّما هو من باب المثال لا لإرادة التخصيص ، كما أنّ استثناء صورة الوثوق بعدم الفرار في المتن إنّما هو لأجل كون مناسبة الحكم والموضوع مقتضية لكون ملاك الحبس هو عدم الفرار ، فلا مجال له مع الوثوق بعدمه ، كما لا يخفى .
(الصفحة 283)
القول
في
كيفية الاستيفاء
مسألة 1 ـ قتل العمد يوجب القصاص عيناً ، ولا يوجب الدية لا عيناً ولا تخييراً ، فلو عفا الولي القود يسقط وليس له مطالبة الدية ، ولو بذل الجاني نفسه ليس للولي غيرها ، ولو عفا الولي بشرط الدية فللجاني القبول وعدمه ، ولا تثبت الدية إلاّ برضاه ، فلو رضي بها يسقط القود وتثبت الدية ، ولو عفا بشرط الدية صحّ على الأصحّ ، ولو كان بنحو التعليق فإذا قبل سقط القود ، ولو كان الشرط إعطاء الدية لم يسقط القود إلاّ بإعطائه ، ولا يجب على الجاني إعطاء الدية لخلاص نفسه ، وقيل: يجب لوجوب حفظها1..
1 ـ الاحتمالات الجارية ابتداء فيما يوجبه قتل العمد ثلاثة:
الأوّل: تعيّن الدية كأختيه وهما شبه العمد والخطأ ، ولا ريب في بطلانه ، بل الضرورة تقتضي خلافه; لاقتضائه حذف عنوان القصاص الذي قد عرفت أنّ مفهومه هو فعل المماثل ، وإيجاد مثل العمل الذي وقع لعدم ثبوت المورد له حينئذ بوجه ، مع أنّ الكتاب والسنّة حاكمان بثبوته ضرورة ، فهذا الاحتمال منفي بلاشبهة .
الثاني: ثبوت التخيير بين القصاص وبين الدية بحيث كان اختيار أحد الطرفين