(الصفحة 59)مسألة 24 ـ لو ألقاه في مسبعة كزبية الأسد ونحوه ، فقتله السباع فهو قتل عمد عليه القود ، وكذا لو ألقاه إلى أسد ضار فافترسه إذا لم يمكنه الاعتصام منه بنحو ولو بالفرار ، ولو أمكنه ذلك وترك تخاذلاً وتعمّداً لا قود ولا دية ، ولو لم يكن الأسد ضارياً فألقاه لا بقصد القتل ، فاتّفق أنّه قتله لم يكن من العمد ، ولو ألقاه برجاء قتله فقتله فهو عمد عليه القود ، ولو جهل حال الأسد فألقاه عنده فقتله فهو عمد إن قصد قتله ، بل الظاهر ذلك لو لم يقصده1..
العملين ، فالمراد هو التأثير فيه نوعاً ولو لم يكن بنحو الاستقلال . والمقام من هذا القبيل ، كما أنّ الخصوصية الموجودة في موارد الشركة من جهة التنصيف مثلاً موجودة هنا ، فلا يلاحظ نسبة التأثير ، بل إذا كان هناك شخصان يحسب النصف على كلّ واحد منهما ، ولو كان مقدار تأثير عمله أزيد أو أقل .
وعليه فإذا أراد الولي في المقام القصاص يجب عليه أن يردّ نصف الدية ، كما أنّه إذا أراد أخذ الدية لا يجوز له إلاّ أخذ نصف الدية ، كما في سائر المقامات .
1 ـ هذه المسألة شروع في البحث عن عنوان ثالث من الجناية الموجبة لتحقّق الموت ، وهو ما لو انضمّ إلى عمل الجاني فعل من الحيوان ، وصار ذلك موجباً لتحقّق القتل ، فالإلقاء من الجاني والإفتراس من السبع الضاري مثلاً . وعليه فلو ألقى إنساناً في مسبعة كزبية الأسد ونحوه فقتله سبع من السباع فهو قتل عمد ، لاستناد القتل إلى الملقي ، وكون الحيوان المباشر بمنزلة الآلة كالسيف ونحوه ، وحيث يكون ذلك موجباً لتحقّق القتل غالباً فهو قتل العمد ، وإن لم يكن مقروناً بقصد القتل أصلاً .
وهكذا لو ألقاه إلى أسد ضار ولو لم يكن في مسبعة ، فإنّه مع العلم بكونه ضارياً
(الصفحة 60)مسألة 25 ـ لو ألقاه في أرض مسبعة متكتّفاً ، فمع علمه بتردّد السباع عنده فهو قتل عمد بلا إشكال ، بل هو من العمد مع احتمال ذلك وإلقائه بقصد الافتراس ولو رجاء ، نعم مع علمه أو اطمئنانه بأنّه لا يتردّد السباع ، فاتّفق ذلك لا يكون من العمد ، والظاهر ثبوت الدية1..
مفترساً إذا جعل إنساناً في اختياره يستند القتل إلى الجاعل لا محالة . نعم لابدّ من التقييد بما إذا لم يمكنه الإعتصام منه بنحو ولو بالفرار ، فإنّه مع إمكانه وتركه تخاذلاً وتعمّداً يستند إلى التارك المتعمّد ، كالملقى في النار إذا اختار البقاء فيها تعمّداً ، على ما مرّ(1) .
وأمّا مع العلم بعدم كونه ضارياً وعدم قصد القتل ، فاتّفق أنّه قتله بعد الإلقاء ، لا يتحقّق قتل العمد ، بل هو شبه العمد عليه الدية . نعم لو كان في هذه الصورة قصد القتل فهو عمد لثبوت إحدى ضابطتيه .
وأمّا لو كان حال الأسد مجهولاً من جهة كونه ضارياً وعدمه ، فإن قصد قتله فلا خفاء في تحقّق العمد ، ومع عدمه فقد استظهر في المتن تحقّقه أيضاً . والوجه فيه أنّ احتمال عدم كونه ضارياً احتمال ينافيه طبع مثل الأسد من جهة الافتراس والسبعية ، فإنّ السباع من شأنها كذلك ، وإذا لم يكن بعض أفرادها ضارياً مفترساً فهو على خلاف الطبع الأوّلي ، وعليه ففي صورة الجهل بحاله يستند العرف والعقلاء القتل إلى الملقي ، فيتحقّق قتل العمد وإن لم يكن مقروناً بقصد القتل .
1 ـ أمّا ثبوت العمد مع العلم بتردّد السباع عنده ، فلوضوح كون التردّد المعلوم والتكتّف المانع عن الفرار ونحوه يوجب كون الفعل ممّا يؤثِّر في القتل غالباً ، وقد مرّ مسألة
(الصفحة 61)26 ـ لو ألقاه عند السبع فعضّه بما لا يقتل به ، لكن سرى فمات فهو عمد عليه القود1..
أنّ الحيوان في مثله إنّما هو كالآلة غير المانعة عن استناد القتل إلى المُلقي العالم بذلك .
كما أنّه مع العلم أو الإطمئنان بعدم التردّد واتّفاق تردّد بعض السباع وقتله فهو ليس من العمد ، بل شبهه الذي تثبت فيه الدية عليه ، وأمّا في صورة احتمال التردّد فإن كان الإلقاء مقروناً بقصد الافتراس ولو رجاءً فلا إشكال في ثبوت العمد ، وأمّا مع عدم الإقتران به فيظهر من المتن عدم الثبوت . والفرق بين هذه الصورة وصورة الإحتمال المتقدّمة في المسألة السابقة التي استظهر المتن فيها ثبوت القود ما أشرنا إليه ، من كون احتمال عدم الإفتراس في الأسد ونحوه احتمالاً مخالفاً لما هو طبيعته الأوّلية ، فلا يترتّب عليه المنع من قتل العمد ، وهذا بخلاف هذه المسألة فإنّ احتمال عدم تردّد السباع لا ينافيه شيء حتّى لا يترتّب عليه أثر ، وكون المفروض في المسألة هي الأرض المسبعة ليس معناه هو اشتمالها على السبع قطعاً ، بل معناه هو احتمال الإشتمال الجامع لجميع فروض المسألة ، فتدبّر .
ويمكن أن يكون المراد هو الاشتمال القطعي ، لكنّه لا يلزم التردّد عند الملقي ، ولا مانع عن احتمال عدم التردّد ، ولا ينافيه شيء .
1 ـ الوجه في ثبوت العمد ما تقدّم من ضمان سراية الجرح ، فإنّ العضّ المتحقّق من السبع بمنزلة الجرح الصادر من الجارح ، بعد كون الحيوان بمنزلة الآلة غير المانعة عن استناد القتل إلى المُلقي ، وعليه فيجري فيه ما ذكرنا من ضمان سراية الجرح ، ولكنّه لابدّ من تقييده حينئذ ـ كما هناك ـ بما إذا كان العضّ مؤثِّراً في السراية غالباً ، أو كان في البين قصد القتل .
(الصفحة 62)مسألة 27 ـ لو أنهشته حيّة لها سمّ قاتل بأن أخذها وألقمها شيئاً من بدنه فهو قتل عمد عليه القود ، وكذا لو طرح عليه حيّة قاتلة فنهشته فهلك ، وكذا لو جمع بينه وبينها في مضيق لا يمكنه الفرار ، أو جمع بينها وبين من لا يقدر عليه لضعف كمرض أو صغر أو كبر ، فإنّ في جميعها وكذا في نظائرها قوداً1.
مسألة 28 ـ لو أغرى به كلباً عقوراً قاتلاً غالباً فقتله فعليه القود ، وكذا لو قصد القتل به ولو لم يكن قاتلاً غالباً ، أو لم يعلم حاله وقصد ولو رجاء القتل فهو عمد2..
ويمكن أن يكون الوجه فيه هو أن نفس الإلقاء عند السبع مؤثِّراً في القتل غالباً ، غاية الأمر أنّ القتل قد يتحقّق بالإفتراس ، وقد يتحقّق بما ذكرنا ، وعليه فلايلزم التقييد المزبور .
1 ـ الوجه في ثبوت القصاص في الفروع المذكورة في هذه المسألة واضح ، بعد ملاحظة كون العمل مؤثِّراً في القتل غالباً ، وكون الحيّة القاتلة بمنزلة الآلة من دون فرق بين الانهاش والطرح والجمع ومثلها ، وقد عرفت مدخلية حال المجنيّ عليه من جهة القوّة والضعف في تحقّق العمد .
2 ـ الوجه في ثبوت القصاص في هذه المسألة أيضاً واضح ، لثبوت ضابطة قتل العمد التي هي كون العمل مؤثِّراً في القتل غالباً ، أو تحقّق قصد القتل ، ويظهر من المتن عدم تحقّق العمد في صورة الجهل بحال الكلب من جهة كونه قاتلاً غالباً وعدمه مع عدم قصد القتل . والوجه فيه ما أشرنا إليه من عدم كون الكلب كالأسد حتى يكون مقتضى طبعه الأوّلي الافتراس وكونه ضارياً ، وعليه فمجرّد احتمال
(الصفحة 63)مسألة 29 ـ لو ألقاه إلى الحوت فالتقمه فعليه القود ، ولو ألقاه في البحر ليقتله فالتقمه الحوت بعد الوصول إلى البحر فعليه القود ، وإن لم يكن من قصده القتل بالتقام الحوت بل كان قصده الغرق ، ولو ألقاه في البحر وقبل وصوله إليه وقع على حجر ونحوه فقتل فعليه الدية ، ولو التقمه الحوت قبل وصوله إليه فالظاهر أنّ عليه القود1..
كونه كذلك لا يوجب تحقّق قتل العمد إذا لم يقترن بقصد القتل .
1 ـ في هذه المسألة فروع:
الأوّل: ما لو ألقاه إلى الحوت فالتقمه ، بمعنى كون المقصود هو الإلقاء إلى الحوت الذي يكون قاتلاً بحسب الغالب ، ولا إشكال فيه في القود ، لكون العمل مؤثِّراً في القتل نوعاً ، وكون الحوت بمنزلة الآلة ، ولا فرق فيه بين صورة قصد القتل وعدمه .
الثاني: ما لو ألقاه في البحر بقصد قتله بالغرق ، فالتقمه الحوت بعد الوصول إلى البحر ، ويظهر من المتن ثبوت القود فيه جزماً ، كما أنّه يظهر من استظهاره ثبوت القود فيما لو التقمه الحوت قبل الوصول إلى البحر المناقشة فيه .
قال المحقّق في الشرائع: إذا ألقاه في البحر فالتقمه الحوت قبل وصوله فعليه القود ; لأنّ الإلقاء في البحر إتلاف بالعادة ، وقيل : لا قود لأنّه لم يقصد إتلافه بهذا النوع ، وهو قوي(1) .
وحكي عن الفاضل(2) التصريح بكون الأوّل عمداً ، والاستشكال في الثاني ، لوصوله قبله إلى المهلك .
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 974 .
- (2) قواعد الأحكام: 2 / 280 .