(الصفحة 47)مسألة 16 ـ لو قدّم له طعاماً مسموماً ممّا يقتل مثله غالباً أو قصد قتله به ، فلو لم يعلم الحال فأكل ومات فعليه القود ، ولا أثر لمباشرة المجنيّ عليه ، وكذا الحال لو كان المجنيّ عليه غير مميّز ، سواء خلطه بطعام نفسه وقدّم إليه ، أو أهداه ، أو خلطه بطعام الآكل1..
الإتّفاق عليه ، من أنّ إطلاقهم يشمل كلّ جراحة قصد بها القتل أم لا ، كانت ممّا تسري غالباً أم لا(1) .
وعليه فيحتمل ثبوت الإتفاق في هذا الفرض أيضاً ، ولكنّه حيث لم يثبت الإطلاق خصوصاً مع كون الإجماع من الأدلّة اللّبيّة التي يقتصر فيها على القدر المتيقّن فالأقرب عدم ثبوت القصاص فيه ، بل فيه دية شبه العمد .
1 ـ إلى هنا كان العنوان المشترك بين المسائل المتقدّمة هو انفراد الجاني بالتسبيب ، ومن هنا يتبدّل العنوان ويصير هو التسبيب المنضمّ إليه مباشرة المجني عليه ، بحيث لو لم تتحقّق المباشرة من ناحيته لما كان يمكن تحقّق الجناية المؤثرة في القتل .
وكيف كان ففي مفروض المسألة ـ التي يكون المقدِّم للطّعام إمّا قاصداً للقتل بتقديم الطّعام ، وإمّا عالماً بكون الطعام المقدَّم إليه مؤثِّراً في القتل غالباً ـ إذا كان الآكل جاهلاً بالحال فأكلومات يتحقّق قتل العمد من ناحية المقدِّم، فعليه القصاص ولا أثر للأكل الاختياري الصادر من المجنيّ عليه; لأنّ استناد القتل في هذا الفرض إنّماهو إلى المقدِّم ، وحكم المباشرة يسقط بالغرور ، كما صرّح به المحقّق في الشرائع(2)
- (1) كشف اللثام: 2 / 441 .
- (2) شرائع الإسلام: 4 / 973 .
(الصفحة 48)مسألة 17 ـ لو قدم إليه طعاماً مسموماً مع علم الآكل بأنّ فيه سمّاً قاتلاً ، فأكل متعمّداً وعن اختيار فلا قود ولا دية ، ولو قال كذباً: إنّ فيه سمّاً غير قاتل وفيه علاج لكذا ، فأكله فمات فعليه القود ، ولو قال : فيه سمّ وأطلق فأكله فلا قود ولا دية1..
خلافاً للشافعي(1) حيث حكي عنه أنّه اختار نفي القود ترجيحاً للمباشرة .
وبالجملة: لا خفاء في أنّ العرف والعقلاء يرون المقدِّم قاتلاً وأنّ القتل مستند إليه ، وحيث أنّه كان المفروض تحقّق أحد الأمرين في ضابطة العمد فلا محالة يثبت القصاص ، ومنه يظهر ثبوت القصاص فيما لو كان المجنيّ عليه غير مميّز بطريق أولى ، كما لايخفى .
1 ـ في هذه المسألة فروع:
الفرع الأوّل: ما لو قدّم إليه طعاماً مسموماً وعلم الآكل بأنّ فيه سمّاً قاتلاً فأكل متعمّداً وعن اختيار فلا ضمان فيه على المقدِّم ، لا بعنوان القصاص ولا بعنوان الدية ، لاستناد القتل في هذه الصورة إلى نفس الآكل ، ولا أثر للتقديم في هذه الجهة وإن كان لا يختار الآكل مع عدمه ، إلاّ أنّ اختياره مع وجوده يمنع عن الاستناد إلى غيره ، فهو كتقديم السكّين إلى من يريد قتل نفسه اختياراً ، فإنّ هذا العمل وإن كان يمكن أن يقال بحرمته وعدم المشروعية مع العلم بترتّب القتل عليه ، إلاّ أنّ الحرمة أمر وكونه القاتل أمراً آخر; لأنّه من الواضح عدم كون المقدِّم قاتلاً في المثال ، فكذا المقام .
ثمّ إنّه حكي عن مجمع البرهان للمقدس الأردبيلي أنّه قال: لو قدّم شخص إلى
- (1) الأم: 6 / 43 ، المجموع: 20 / 49 ـ 50 .
(الصفحة 49)
غيره طعاماً مسموماً فأكله ذلك الغير عالماً بالسمّ وكونه قاتلاً ، لا شيء على المقدِّم من القصاص والدية ، لأنّه السبب القوي بل المباشر ، فهو القاتل نفسه لا غير ، وإن جهل أحدهما يكون المقدِّم قاتل عمد ، فعليه القصاص مع علمه بهما والدية عليه مع جهله بأحدهما(1) .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى اضطراب عبارة الذيل الظّاهرة في ثبوت قتل العمد مع الدية أيضاً ، إلاّ أن يقال: بأنّ مراده الأعمّ من العمد ومن شبه العمد ـ أنّ الظاهر إنّ قوله: «وإن جهل أحدهما» له مصداقان : أحدهما العلم بكونه سمّاً والجهل بكونه قاتلاً نوعاً ، وثانيهما العلم بكونه قاتلاً مع الجهل بكون سببه السمّ الموجود فيه .
ومن الواضح إسناد القتل في المصداق الثاني إلى الآكل دون المقدِّم; لأنّ مجرّد العلم بكونه قاتلاً وإن لم يعلم سببه يكفي في عدم صحّة الإضافة إلى المقدِّم . إلاّ أن يقال بخروج هذا المورد عن كلامه كما لا تبعد دعويه . وأمّا المصداق الأوّل فيمكن المناقشة فيه أيضاً بأنّه مع احتمال كون السمّ الموجود فيه المعلوم عنده قاتلاً ، يمكن أن يقال: بأنّ إقدامه حينئذ على الأكل يوجب انتساب القتل إليه لا إلى المقدِّم .
وأمّا قوله في الذيل: «والدية عليه مع جهله بأحدهما» فالظاهر عدم تمامية الإطلاق فيه ، فإنّه يكون الثابت في بعض فروض الجهل هو القصاص لا الدية ، وفي بعض الفروض لا مجال لثبوت الدية أيضاً فضلاً عن القصاص ، نعم تثبت الدية فقط في بعض الفروض الاُخر .
أمّا ما كان الثابت فيه هو القصاص ، فإنّه لو كان المقدِّم جاهلاً بوجود السمّ في الطعام ، ولكنّه كان عالماً بكون الطعام مؤثِّراً في القتل غالباً ، ومع ذلك قدّم الطّعام
- (1) مجمع الفائدة والبرهان: 13 / 385 .
(الصفحة 50)
إليه وفرض جهل الآكل بكلا الأمرين ، فالظّاهر فيه ثبوت القصاص ، لتحقّق الضابطة في قتل العمد فيه بعد ضعف المباشرة بالغرور وجهل الآكل ، والجهل بالسمّ لا تأثير له في ارتفاع هذا العنوان بوجه ، لأنّ الملاك هو العلم بتأثيره في القتل لا العلم بعنوانه .
كما أنّه لو كان جاهلاً بكون السمّ المعلوم له مؤثراً في القتل غالباً ولكنه كان التقديم مقروناً بقصد القتل ، فالظاهر بمقتضى ما ذكرنا ثبوت القصاص فيه أيضاً .
وأمّا ما لا مجال للحكم بثبوت الدية فيه أيضاً فهو ما إذا كان المقدِّم جاهلاً بكلا الأمرين وكان وضع السمّ في الطعام فعلاً لغيره ، أو كان الطعام صار مسموماً بسبب الفساد الناشيء من حرارة الهواء أو غيرها ، فإنّه مع جهل المقدِّم بهما وجهل الآكل أيضاً كما هو المفروض لا ترجيح للحكم باستناد القتل إلى المقدِّم بعد كونه مسبَّباً عن التقديم المقرون بالجهل والأكل كذلك ، لو لم نقل بأولويّة المباشر مع التساوي لكونه الجزء الأخير لتحقّق القتل .
فالمقام ـ كما في الجواهر(1) ـ نظير ما ذكروه من الحكم بعدم ضمان الدافع الجاهل لشخص إذا وقع في البئر المحفورة في الطريق عدواناً ، بل المقام أولى من ذلك ، لأنّ الدفع في المثال مؤثِّر في القتل من دون واسطة فعل اختياري من المقتول ، وفي المقام تكون الواسطة متحقّقة ، فإذا لم يضمن فيه فهنا لا يكون ضمان بطريق أولى .
ولا وجه لتنظير المقام بما ذكره جماعة من الأصحاب كالمحقّق(2) والعلاّمة(3)وجمع آخر من ثبوت الدية على من حفر بئراً في داره فدعا غيره فوقع في البئر ،
- (1) جواهر الكلام : 42 / 37 .
- (2) شرائع الإسلام: 4 / 1028 .
- (3) قواعد الأحكام: 2 / 317 ، تحرير الأحكام: 2 / 266 .
(الصفحة 51)
وإن كان ناسياً ، للفرق بأنّ الحافر في المثال إنّما هو الفاعل للسبب وإن كان قد نسيه ، وفي المقام لم يتحقّق من المقدِّم مثله ، بل وقع عمل مقرون بالجهل ليس استناد القتل إليه بأولى من الإستناد إلى التناول الذي هو عمل الآكل كما عرفت .
ودعوى أنّ هذه الصورة خارجة عن مفروض كلام المحقّق الأردبيلي; لأنّ المفروض في كلامه صورة الجهل بأحد الأمرين وهذه صورة الجهل بكليهما ، مدفوعة بأنّ الظاهر أنّ مراده الجهل بأحد الأمرين أو كليهما ، وإلاّ يلزم عدم اشتمال كلامه على التعرّض لهذه الصورة بعد التعرّض لصورة العلم بهما وصورة الجهل بأحدهما . وبعبارة أُخرى ظاهر كلامه أنّ المراد بالجهل هو ما يقابل صورة العلم بكلا الأمرين ، فيشمل كلتا الصورتين ، فتدبّر .
وأمّا ما تثبت فيه الدية فهو غير الفرضين اللّذين ذكرنا ، كما إذا جهل بكون السمّ في الطعام مؤثِّراً في القتل ، ولم يكن قاصداً للقتل أيضاً ، فإنّ الظاهر فيه ثبوت الدية ، كما لايخفى .
الفرع الثاني: ما لو قال المقدِّم كذباً ـ أي مع علمه بخلافه ـ أنّ فيه سمّاً غير قاتل وفيه علاج لكذا ، فأكله فمات . وقد حكم في المتن بثبوت القصاص عليه ، والوجه فيه هو الوجه في ثبوته في المسألة السادسة عشر ، وهو ضعف المباشرة بسبب الغرور الناشئ عن التقديم المقرون بإظهار الكذب ، وإعلام أنّ فيه سمّاً غير قاتل ، مع علمه بكونه قاتلاً غالباً ، وليس مجرّد الإعلام بثبوت السمّ فيه رافعاً لاستناد القتل إليه عمداً ، بعد توصيفه بأنّه مداو ومعالج ، ولا يتحقّق فيه وصف القاتلية بوجه .
وبالجملة: اسناد القتل إليه عند العقلاء وكذا كونه من مصاديق قتل العمد ممّا لا خفاء فيه أصلاً .