(الصفحة 362)مسألة1 ـ الموجب له ها هنا كالموجب في قتل النفس، وهو الجناية العمدية مباشرة أو تسبيباً حسب ما عرفت ، فلو جنى بما يتلف العضو غالباً فهو عمد ، قصد الإتلاف به أولا، ولو جنى بما لايتلف به غالباً فهو عمد مع قصد الإتلاف ولو رجاءً1.
مسألة 2 ـ يشترط في جواز الاقتصاص فيه ما يشترط في الاقتصاص في النفس من التساوي في الإسلام والحرّية وانتفاء الأبوّة وكون الجاني عاقلاً بالغاً ، فلا يقتصّ في الطرف لمن لا يقتصّ له في النفس2..
1 ـ قد مرّ مقتضى التحقيق في معنى العمد في أوّل كتاب القصاص وأنّه يعتبر فيه أحد أمرين على سبيل منع الخلو ، إمّا كون الآلة مؤثِّرة في القتل هناك وفي تلف العضو هنا بحسب النوع والغالب ، سواء كان مقروناً بقصد القتل أو الإتلاف أم لم يكن كذلك; وإمّا كون العمل مقروناً بالقصد المذكور وإن لم تكن الآلة مؤثِّرة في تحقّق المقصود غالباً ، غاية الأمر تعلّق القصد به رجاء واحتمالاً ، كالضرب بالعصا مع قصد القتل ثم تحقّقه .
2 ـ الدليل على اعتبار الشرائط المذكورة هناك في المقام مضافاً إلى إطلاق بعض الأدلّة النافي لعدم القود في الوالد بالنسبة إلى ولده ، أو المسلم بالإضافة إلى الذمّي مثلاً الشامل للقصاص في الطرف أيضاً ، التصريح بذلك في بعض الروايات ، مثل ما في صحيحة محمد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) من قوله: لا يقاد مسلم بذمّي في القتل ولا في الجراحات ، ولكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمّي على قدر دية الذمّي ثمانمائة درهم(1) .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 127 ـ 128 ، أبواب قصاص الطرف ب 8 ح1 .
(الصفحة 363)مسألة 3 ـ لا يشترط التساوي في الذكورة والأُنوثة ، فيقتصّ فيه للرجل من الرجل ومن المرأة من غير أخذ الفضل ، ويقتصّ للمرأة من المرأة ومن الرجل لكن بعد ردّ التفاوت فيما بلغ الثلث كما مرّ1.
مسألة 4 ـ يشترط في المقام زائداً على ما تقدّم التساوي في السلامة من الشلل ونحوه على ما يجيء أو كون المقتصّ منه أخفض ، والتساوي في الأصالة والزيادة وكذا في المحلّ على ما يأتي الكلام فيه ، فلا تقطع اليد الصحيحة مثلاً بالشلاّء ولو بذلها الجاني ، وتقطع الشلاّء بالصحيحة ، نعم لو حكم أهل الخبرة بالسراية بل خيف منها يعدل إلى الدية2..
1 ـ قد تقدّم البحث في هذه المسألة مفصّلاً في المسألة الثانية من مسائل الشرائط المعتبرة في قصاص النفس ، فراجع .
2 ـ أمّا اعتبار التساوي في السلامة من الشلل وعدم قطع اليد الصحيحة مثلاً بالشلاّء ، والرجل الصحيحة كذلك بالعرجاء فهو المشهور ، بل ادّعى في الجواهر نفي وجدان الخلاف فيه(1) ، بل حكى الاجماع عن ظاهر بعض الكتب بل صريحه(2) ، واللاّزم إقامة الدليل عليه بعد اقتضاء قوله تعالى:
{وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ}(3) لثبوت القصاص في المقام كثبوته في القتل ، حيث لا فرق فيه بين كون المقتول صحيحاً بأعضائه وجوارحه أو غير صحيح كذلك .
فنقول: يمكن الاستدلال على تخصيص عموم الآية بأُمور ثلاثة:
- (1) جواهر الكلام: 42 / 348 .
- (2) في ظاهر المبسوط: 7 / 80 ، وصريح الخلاف: 5 / 194 مسألة 61 .
- (3) المائدة 5 : 45 .
(الصفحة 364)
أحدها: قوله تعالى:
{فَاعتَدُوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدَى عَلَيْكُم}(1) نظراً إلى ظهوره في لزوم المماثلة وهي غير متحقّقة في المقام; لعدم كون قطع اليد الصحيحة مماثلاً لقطع اليد الشلاّء ، فاللاّزم الرجوع إلى الدية .
ويرد عليه : أنّ المراد من المماثلة في الآية هي المماثلة في أصل الاعتداء ، لا المماثلة في الكيفية ، فلا دلالة له على جواز الشتم في مقابل الاعتداء بالشتم ، وجواز الغصب مثلاً في مقابل الاعتداء بالغصب ، بل مفاده عدم كون الاعتداء بلا جواب ، بل يجري في مقابله الجزاء والعقوبة ، وأمّا كيفيتها فلا دلالة له عليه ، وعليه فلا ينافي الآية المتقدّمة الدالّة بعمومها على ثبوت القصاص في المقام .
ثانيها: ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب ، عن حمّاد بن زياد ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل قطع يد رجل شلاّء ، قال: عليه ثلث الدية(2) .
وضعف السند ـ بحمّاد ، حيث إنّه مجهول ولم يذكر بتوثيق ولا مدح ، ورواية الحسن عنه لا تدلّ على الوثاقة بوجه ـ ينجبر باستناد المشهور إليها في مقابل القاعدة المقتضية للقصاص ، لكن الكلام في الدلالة ، فنقول: الظاهر أنّ المراد من الدية المضاف إليها الثلث هي دية يد واحدة صحيحة التي هي نصف الدية الكاملة ، وعليه فدية اليد الشلاّء سدس الدية الكاملة ، ويدلّ على ذلك الرواية الآتية الصريحة في أنّ دية الأصابع الشلل ثلث دية الصحاح منها .
وأمّا الاستدلال بالرواية فيبتنى على ثبوت الإطلاق لها ، بأن كان المراد ثبوت
- (1) البقرة 2 : 194 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 253 ، أبواب ديات الأعضاء ب 28 ح1 .
(الصفحة 365)
الدية مطلقاً ، سواء أراد المجني عليه القصاص أم لم يرد ذلك ، فيرجع ذلك إلى نفي ثبوت القصاص في مورد السؤال . وقد استفاد الأصحاب من الرواية هذا المعنى ، ولذا أفتوا بخلاف ما هو مقتضى عموم دليل القصاص ، ولكنّ الظاهر أنّ ثبوت الإطلاق للرواية مبنيّ على كونها في مقام البيان من هذه الجهة ، مع أنّه يحتمل قويّاً أن يكون المراد بيان مقدار دية اليد الشلاّء من غير نظر إلى ثبوت القصاص وعدمه ، وليس في السؤال ما يدلّ بظاهره على كون محطّه هو السؤال عن ثبوت القصاص وعدمه ، وإلاّ كان المناسب التعرّض لذلك لا تعيين مقدار الدية ، خصوصاً مع عدم التصريح في السؤال بكون يد القاطع صحيحة ، واستناد المشهور إلى الرواية وإن كان جابراً لضعفها ومخرجاً لها عن عدم الحجية إليها إلاّ أنّ فهم المشهور واستفادتهم من الرواية شيئاً لا دليل على حجيته بوجه .
ثالثها: رواية الحسن بن صالح قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن عبد قطع يد رجل حرّ وله ثلاث أصابع من يده شلل ، فقال: وما قيمة العبد؟ قلت: اجعلها ما شئت ، قال: إن كانت قيمة العبد أكثر من دية الإصبعين الصحيحتين والثلاث الأصابع الشلل ردّ الذي قطعت يده على مولى العبد ما فضل من القيمة وأخذ العبد ، وإن شاء أخذ قيمة الإصبعين الصحيحتين والثلاث الأصابع الشلل ، قلت : وكم قيمة الإصبعين الصحيحتين مع الكفّ والثلاث الأصابع الشلل؟ قال: قيمة الإصبعين الصحيحتين مع الكفّ ألفا درهم ; وقيمة الثلاث أصابع الشلل مع الكف ألف درهم ، لأنّها على الثلث من دية الصحاح ، قال: وإن كانت قيمة العبد أقلّ من دية الإصبعين الصحيحتين والثلاث الأصابع الشلل دفع العبد إلى الذي قطعت يده أو يفتديه مولاه ويأخذ العبد(1) .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 253 ، أبواب ديات الأعضاء ب 28 ح2 .
(الصفحة 366)
وتقريب الاستدلال بها وكذا الجواب عنه ما تقدّم في الرواية السابقة ، ويؤيّد عدم كون الرواية متعرّضة للقصاص بوجه اشتمال اليد المقطوعة على إصبعين صحيحتين ، لأنّه من البعيد كون الثلاث الأصابع الشلل مانعاً عن جريان القصاص فيهما وكونهما محكومين بحكمها ، كما لا يخفى .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم تماميّة شيء من الاُمور الثلاثة التي استدلّ بها على أنّه لا تقطع اليد الصحيحة باليد الشلاّء ، وعليه فتصير المسألة مشكلة جدّاً من جهة ما ذكرنا ، ومن جهة أنّه لم يحك خلاف ولو من أحد في المسألة . وقد عرفت أنّ ظاهر الجواهر كون المسألة مفروغاً عنها عندهم ، ومقتضى الاحتياط أيضاً ما ذكره الأصحاب .
ثمّ إنّه يرد عليهم أنّه لو سلّمنا دلالة الروايتين فغاية مدلولهما عدم قطع اليد الصحيحة باليد الشلاّء ، وأمّا شمول الحكم لسائر الأعضاء والأطراف بحيث يستفاد منهما قاعدة كلّية وهي اعتبار التساوي في السلامة من الشلل ونحوه بحيث لا يجوز قطع الرجل الصحيحة بالرجل العرجاء كما مثّلنا به أيضاً في أوّل البحث فلا شاهد له ، لأنّه بعد كون الحكم في الروايتين على خلاف القاعدة المقتضية للقصاص فاللاّزم الاقتصار على خصوص موردهما كما في نظائر المسألة ، وعلى ما ذكرنا تصير توسعة الحكم كأصله مورداً للإشكال أيضاً ، فتدبّر .
ثم إنّه وقع في المتن ونحوه تعميم الحكم بعدم جواز قطع الصحيحة بالشلاّء لصورة ما إذا بذلها الجاني أيضاً ، والغرض إنّ بذل الجاني ورضاه بالقطع لا يؤثِّر في الجواز ، فإنّه كما لا يجوز للإنسان أن يقطع شيئاً من أعضاء بدنه كذلك لا يجوز له بذله لقطع غيره مع عدم كون القطع مجازاً ومشروعاً ، وفي المقام يكون الثابت خصوص الدية . ومنه يظهر عدم استيفائه بغيرها ولا يكون البذل مؤثِّراً في تحقّق