(الصفحة 55)مسألة 21 ـ لوكان في بيته طعام مسموم فدخل شخص بلا إذنه فأكل ومات فلا قود ولا دية، ولو دعاه إلى داره لا لأكل الطعام فأكله بلاإذن منهوعدواناًفلا قود1..
القود كما في المتن لاستناد القتل إليه ، وكون السم مؤثّراً في القتل غالباً كما هو المفروض. فيتحقّق قتل العمد ، وقد مرّ أنّ الحكم بثبوت القود في هذه الصورة قرينة على عدم اعتبار كلا الأمرين في الفرض الأوّل ، وإلاّ يلزم التهافت ، كما لايخفى .
1 ـ الوجه في عدم ثبوت الضمان قوداً ودية في الفرض الأوّل أنّ الآكل متعدّ بالدخول بلا اذن والأكل من الطعام ، والظاهر ثبوت الحكم حتى مع العلم بدخول الشخص كذلك وأكله من الطعام ، فإنّ مجرّد العلم بذلك لا يوجب أن يستند القتل إليه ، بداهة أنّ العرف لا يرون استناد القتل إلاّ إلى الداخل الآكل . والفرق بين هذا الفرض وبين الفرع الثالث في المسألة المتقدّمة واضح ، لأنّ المفروض فيه جعل السمّ في الطعام الذي هو لصاحب المنزل ، فإذا علم بأنّه يأكل منه يتحقّق قتل العمد ولو لم يقصد قتله أصلاً . وأمّا المفروض هنا دخول الآكل بلا إذن وأكله كذلك ، فالعلم بذلك لا يوجب الاستناد إليه أصلاً .
بل في الجواهر: لو قصد قتله بذلك لم يكن عليه شيء ، مثل أن يعلم أنّ ظالماً يريد هجوم دار ، فيترك السم في الطعام ليقتله ، مع فرض توقف دفعه على ذلك(1) .
ويرد عليه إنّ عدم ثبوت شيء عليه في المثال إنّما هو لتوقّف دفعه على ذلك ، والمفروض كونه ظالماً يريد الهجوم ، وهذا لا يلازم نفي الضمان مطلقاً فيما إذا كان الغرض من دخوله غيرالمشروع مجرّدالأكل من طعامه ، كما لو فرض اطّلاعه على أنّ لصاحب البيت ضيوفاًفدخل هومعهموفرض أنّ الطعام الذي صارباختياره مسموماً،
- (1) جواهر الكلام: 42 / 39 .
(الصفحة 56)مسألة 22 ـ لو حفر بئراً ممّا يقتل بوقوعه فيها ودعا غيره الذي جهلها بوجه يسقط فيها بمجيئه ، فجاء فسقط ومات فعليه القود ، ولو كانت البئر في غير طريقه ودعاه لا على وجه يسقط فيها ، فذهب الجائي على غير الطريق فوقع فيها لا قود ولا دية1..
فأراد صاحب المنزل قتله بذلك ، فالظّاهر أنّ الحكم بنفي الضمان فيه مشكل جدّاً .
وأمّا الحكم بعدم ثبوت القود بل الدّية ـ كما هو ظاهر المتن وإن لم يقع التصريح بنفي الدية في الفرض الثاني ـ فالوجه فيه: أنّه أيضاً يكون متعدّياً بالأكل وإن كان الدخول مجازاً ، بل عن كشف اللّثام(1) تعميم الحكم لمن يجوز له الأكل من بيوتهم وهم الطوائف المذكورون في الآية الشريفة(2) ، ولكنّه محلّ نظر كما في الجواهر(3) ; لعدم تحقّق التعدّي في هذه الصورة .
1 ـ الحكم بثبوت القود في الصّورة الأولى إنّما هو لتحقّق موجبه وهو قتل العمد ، لأنّه بعد فرض كون البئر المحفورة ممّا يقتل الوقوع فيها بحسب الغالب ، وكون حفرها في الطريق الذي يسلكه مثل المدعوّ نوعاً بنحو يتحقّق السقوط فيها لا محالة مع الجهل بها ، فالقتل يكون مستنداً إلى الحافر ، لأنّ عمله المشتمل على الخصوصيات المذكورة لا يقصر عن تقديم الطعام المسموم إلى الآكل الذي تقدّم ثبوت القود فيه ، والعمدة ثبوت الاستناد وتحقّق ضابطة وصف العمد الّتي تقدّمت .
وأمّا الصورة الثانية فظاهر الجواهر(4) ثبوت الدية فيه ، واستظهر من إطلاق
- (1) كشف اللثام: 2 / 442 .
- (2) النور 24 : 61 .
- (3 و 4) جواهر الكلام : 42 / 39 .
(الصفحة 57)مسألة 23 ـ لو جرحه فداوى نفسه بدواء سمّيّ مجهز بحيث يستند القتل إليه لا إلى الجرح لا قود في النفس ، وفي الجرح قصاص إن كان ممّا يوجبه ، وإلاّ فأرش الجناية ، ولو لم يكن مجهّزاً لكن اتّفق القتل به وبالجرح معاً سقط ما قابل فعل المجروح ، فللوليّ قتل الجارح بعد ردّ نصف ديته1..
عبارة الشرائع ثبوت القود ، مع أنّ التأمّل فيها يقضي بعدم تعرّضها إلاّ للصورة الاُولى ، حيث قال: «لو حفر بئراً بعيدة في طريق ودعا غيره مع جهالته ، فوقع فمات ، فعليه القود لأنّه ممّا يقصد به القتل غالباً»(1) .
فإنّ المراد من الطريق هو الطريق الذي يسكله المدعوّ معمولاً ، والمفروض كون البئر بعيدة عميقة من جهة ، وكون المدعوّ جاهلاً من جهة أُخرى .
هذا ، مضافاً إلى أنّ التعليل المذكور في العبارة لا ينطبق إلاّ على الصورة الأُولى ، لعدم تحقّق القتل إلاّ بهذه الكيفية ، كما لايخفى .
والظّاهر عدم ثبوت الدية أيضاً ، لعدم استناد القتل في الصورة الثانية إلى الحافر أصلاً ، لأنّ حفر البئر في غير الطريق المسلوك بحسب المتعارف لا يوجب الاستناد ، ولو مع فرض جهل المدعوّ ، لأنّ الجهل لا يلزم أن يكون مستنداً بغيره .
فالظاهر حينئذ ما في المتن ، وإن كان يظهر من الجواهر(2) أنّه القدر المتيقّن من الضمان في المقام ، فتدبّر .
1 ـ الظّاهر أنّ المفروض في هذه المسألة صورة الجرح لا بقصد القتل ، بل كان
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 973 .
- (2) جواهر الكلام : 42 / 39 .
(الصفحة 58)
المقصود مجرّد تحقّق الجرح . فما في بعض الكلمات(1) من التقييد بصورة قصد القتل خارج عمّا هو المفروض في كلمات الأصحاب ، وما هو محطّ البحث في هذه المسألة .
فنقول: إنّ الجرح يتصوّر فيه فروض ثلاثة:
الأوّل: ما فرضه في المسالك من قوله: إن كان الجرح الأوّل متلفاً وقد انتهى المجروح إلى حركة المذبوح فالأوّل هو القاتل(2) . ومرجعه إلى عدم كون التداوي مؤثِّراً ومانعاً عن تحقّق التلف ، بل كان الجرح سبباً تامّاً لتحقّق التلف . ولا إشكال في ثبوت القود في هذا الفرض ، لكون الفعل مؤثِّراً في القتل وإن لم يقصد القتل ، كما هو المفروض .
الثاني: ما لو كان المؤثِّر في القتل هو التداوي بدواء سمّي مجهز ، ولم يكن الجرح مؤثِّراً فيه بوجه ، ولا خفاء في عدم ثبوت القصاص في النفس هنا بعد عدم استناد القتل إلاّ إلى ذلك الدواء ، وتفرّع التداوي به على الجرح لا يوجب الاستناد إلى الجارح ، وأمّا القصاص في الطرف فيثبت إن كان في الجرح قصاص ، وإلاّ فأرش الجناية .
الثالث: ما لو كان القتل مسبَّباً عن الجرح والتداوي بذلك الدواء معاً ، والظاهر فيه ثبوت القصاص كما في جميع موارد الشركة في القتل ، ومرجعه إلى أنّ المراد من الضابطة المذكورة في قتل العمد بملاحظة تأثير الفعل في القتل غالباً ليس هو التأثير بنحو الانفراد والاستقلال ، وإلاّ يلزم عدم ثبوت القصاص في موارد الشركة أصلاً; لأنّ القتل فيها لا يكون مستنداً إلى عمل كلٍّ من الشريكين مثلاً ، بل إلى مجموع
- (1) مباني تكملة المنهاج: 2 / 9 مسألة 10 .
- (2) مسالك الأفهام: 15 / 79 .
(الصفحة 59)مسألة 24 ـ لو ألقاه في مسبعة كزبية الأسد ونحوه ، فقتله السباع فهو قتل عمد عليه القود ، وكذا لو ألقاه إلى أسد ضار فافترسه إذا لم يمكنه الاعتصام منه بنحو ولو بالفرار ، ولو أمكنه ذلك وترك تخاذلاً وتعمّداً لا قود ولا دية ، ولو لم يكن الأسد ضارياً فألقاه لا بقصد القتل ، فاتّفق أنّه قتله لم يكن من العمد ، ولو ألقاه برجاء قتله فقتله فهو عمد عليه القود ، ولو جهل حال الأسد فألقاه عنده فقتله فهو عمد إن قصد قتله ، بل الظاهر ذلك لو لم يقصده1..
العملين ، فالمراد هو التأثير فيه نوعاً ولو لم يكن بنحو الاستقلال . والمقام من هذا القبيل ، كما أنّ الخصوصية الموجودة في موارد الشركة من جهة التنصيف مثلاً موجودة هنا ، فلا يلاحظ نسبة التأثير ، بل إذا كان هناك شخصان يحسب النصف على كلّ واحد منهما ، ولو كان مقدار تأثير عمله أزيد أو أقل .
وعليه فإذا أراد الولي في المقام القصاص يجب عليه أن يردّ نصف الدية ، كما أنّه إذا أراد أخذ الدية لا يجوز له إلاّ أخذ نصف الدية ، كما في سائر المقامات .
1 ـ هذه المسألة شروع في البحث عن عنوان ثالث من الجناية الموجبة لتحقّق الموت ، وهو ما لو انضمّ إلى عمل الجاني فعل من الحيوان ، وصار ذلك موجباً لتحقّق القتل ، فالإلقاء من الجاني والإفتراس من السبع الضاري مثلاً . وعليه فلو ألقى إنساناً في مسبعة كزبية الأسد ونحوه فقتله سبع من السباع فهو قتل عمد ، لاستناد القتل إلى الملقي ، وكون الحيوان المباشر بمنزلة الآلة كالسيف ونحوه ، وحيث يكون ذلك موجباً لتحقّق القتل غالباً فهو قتل العمد ، وإن لم يكن مقروناً بقصد القتل أصلاً .
وهكذا لو ألقاه إلى أسد ضار ولو لم يكن في مسبعة ، فإنّه مع العلم بكونه ضارياً