(الصفحة 171)مسألة 4 ـ لو ادّعى الجاني صغره فعلاً وكان ممكناً في حقّه فإن أمكن إثبات بلوغه فهو ، وإلاّ فالقول قوله بلا يمين ، ولا أثر لإقراره بالقتل إلاّ بعد زمان العلم ببلوغه وبقائه على الإقرار به1.
مسألة 5 ـ لو قتل البالغ الصبيّ قتل به على الأشبه ، وإن كان الاحتياط أن لا يختار ولي المقتول قتله بل يصالح عنه بالدية ، ولا يقتل العاقل بالمجنون وإن كان أدوارياً مع كون القتل حال جنونه ، وتثبت الدية على القاتل إن كان عمداً أو .
يعهد للقاتل حال جنون . وقد استظهر فيه في المتن أنّ القول قول الولي ، والوجه فيه كون قوله موافقاً لأصالة السلامة التي هي أصل عقلائي . ولعلّ منشأها غلبة السلامة في أفراد الإنسان ، كالسلامة من سائر العيوب فيها وفي جميع الأشياء . وعليها يبتنى خيار العيب الذي هو من الخيارات السبعة المعروفة مع عدم اشتراط السلامة في متن العقد نوعاً .
1 ـ الوجه في قبول قوله كونه موافقاً لأصالة عدم البلوغ مع إمكانه في حقّه كما هو المفروض ، والوجه في عدم اليمين عدم إمكانها ، لأنّ التحليف لإثبات المحلوف عليه ، ولو ثبت صباه بطلت يمينه ، فلا وجه لما عن الشهيد الأوّل (قدس سره)(1) من احتمال تحليفه بل القول به ، كما أنّ إقراره في هذه الحالة لا يترتّب عليه أثر إلاّ إذا بقي عليه إلى زمان العلم بالبلوغ وثبوته ، فإذا بلغ ومضى على إقراره اُخذت منه الدية ، لأنّ المقرّ به هو القتل في حال الصغر ، ولا يوجب ذلك الثبوت على العاقلة ، كما مرّ .
- (1) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 30 .
(الصفحة 172)شبهه ، وعلى العاقلة إن كان خطأ محضاً ، ولو كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فلا شيء عليه من قود ولا دية ، ويعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين1..
1 ـ في هذه المسألة فروع:
الأوّل: ما إذا قتل البالغ الصبيّ ، والمشهور فيه شهرة محقَّقة عظيمة(1) ، بل لم يحك الخلاف إلاّ عن الحلبي(2) من القدماء هو ثبوت القصاص فيه . والوجه فيه ـ مضافاً إلى عمومات أدلّة القصاص وإطلاقاتها ـ خصوص ما رواه الشيخ بإسناده عن ابن فضال ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كلّ من قتل شيئاً صغيراً أو كبيراً بعد أنّ يتعمّد فعليه القود . قال في الوسائل: ورواه الصدوق بإسناده عن ابن بكير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) إلاّ أنّه قال: «كلّ من قتل بشيء»(3) . وربّما نسب الوسائل إلى الاشتباه وسهو القلم باعتبار عدم وجود هذه الرواية في الفقيه ، ولكن في حاشية الوسائل بالطبعة الجديدة قد عيّن محلّه في الفقيه فراجع .
وكيف كان فالرواية على تقدير الإرسال منجبرة بالشهرة المذكورة ، ولا مجال للإشكال فيها من حيث السند ، كما أنّ دلالتها واضحة .
وأمّا ما يمكن أن يستدلّ به على عدم القصاص في هذا الفرع ـ فمضافاً إلى أنّه لا يقتصّ من الكامل للناقص ـ صحيحة أبي بصير يعني المرادي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل رجلاً مجنوناً ، فقال: إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه
- (1) راجع مسالك الافهام: 15 / 164 ورياض المسائل: 10 / 295 .
- (2) الكافي في الفقه: 384 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 56 ، أبواب القصاص في النفس ب 31 ح4 .
(الصفحة 173)
فقتله فلا شيء عليه من قود ولا دية ، ويعطى ورثته ديته من بيت مال المسلمين . قال: وإن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده فلا قود لمن لا يقاد منه ، وأرى أنّ على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون ، ويستغفر الله ويتوب إليه(1) .
فإنّ الرواية وإن كانت واردة في المجنون إلاّ أنّ قوله في جزاء القضية الشرطية: «فلا قود لمن لا يقاد منه» ربّما يستفاد منه ضابطة كلّية ، وهي عدم ثبوت القصاص لمن لايقتصّ منه، فيشمل قتل الصبيّ أيضاً، لأنّه لايقتصّ منه إذاكان قاتلاً،كما عرفت.
هذا ، والظاهر أنّ هذه الاستفادة تكون تامّة لو كانت الضابطة واردة بعنوان التعليل ،وأمّا لو كانت واردة بمثل ما في الرواية من كونها جزاء للشرط المفروض فيه المجنون فلا مجال لها ، نعم لا وجه لإنكار إشعاره بذلك ، ولكن مجرّد الإشعار لا ينهض في مقابل الأدلّة العامّة والخاصّة . نعم يوجب تحقّق موضوع الاحتياط بأن لا يختار ولي المقتول القصاص ، بل يصالح عنه بالدية ، كما في المتن .
وأمّا أنّه لا يقتصّ من الكامل للناقص ، فهو أوّل الكلام ، وإن أُريد به مطلق الكمال والنقص فهو ممنوع ، بداهة أنّه يقتصّ من العالم للجاهل وشبهه .
الثاني: ما إذا قتل العاقل المجنون ، ولا خلاف في عدم ثبوت القصاص فيه ، بل في محكيّ كشف اللّثام نسبته(2) إلى قطع الأصحاب ، بل عن كشف الرموز الإجماع عليه(3) ، ويدلّ عليه صحيحة أبي بصير المتقدّمة آنفاً في الفرع الأوّل ، كما أنّها تدلّ على ثبوت الدية في مال القاتل ، وأنّه يدفعها إلى ورثة المجنون .
والظّاهر أنّه لا فرق في المجنون بين الاطباقي والادواريّ ، كما أنّ الظاهر أنّه لو
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 51 ، أبواب القصاص في النفس ب 28 ح1 .
- (2) كشف اللثام: 2 / 456 .
- (3) كشف الرموز: 2 / 611 .
(الصفحة 174)
كان القاتل أدواريّاً أيضاً بأن كان القتل في دور عقله لا يثبت عليه القصاص ، لإطلاق الرّواية من الجهتين .
الثالث: ما لو كان المجنون أراده بسوء بأن يقتله وكان دفعه متوقّفاً على قتله ، فدفعه بقتله ، فلا إشكال ولا خلاف في أنّه لا قصاص فيه ، ولا دية على القاتل ولا على عاقلته ، إنّما الخلاف في أنّه هل يثبت الدية على غيرهما من بيت مال المسلمين أم لا؟ فالمحكيّ عن كثير من الكتب الفقهية(1) التي وقع فيها التعرّض لهذه الجهة هو الثاني ، بل عن غاية المرام نسبته إلى المشهور(2) ، وعن المفيد(3) والجامع(4) هو الأوّل كما في المتن . ويدلّ عليه صدر صحيحة أبي بصير المتقدّمة في الفرع الأوّل ، حيث وقع فيها التصريح بأنّه يعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين ، والظاهر أنّه لم تبلغ الشهرة في المسألة إلى حدّ الإعراض عن الرواية حتّى يكون ذلك قادحاً في حجيّتها ، لكن في مقابلها روايتان:
إحداهما: رواية أبي الورد قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) أو لأبي جعفر (عليه السلام) : أصلحك الله رجل حمل عليه رجل مجنون فضربه المجنون ضربة ، فتناول الرجل السيف من المجنون فضربه فقتله ، فقال: أرى أن لا يقتل به ولا يغرم ديته ، وتكون ديته على الإمام ، ولا يبطل دمه(5) .
- (1) كالنهاية: 759 ـ 760 والسرائر: 3 / 368 والمهذّب: 2 / 514 ـ 515 والقواعد: 2/292 والإرشاد: 2/202 وكشف الرموز : 2 / 611 .
- (2) غاية المرام: 4 / 387 .
- (3) حكى عنه في التنقيح الرائع: 4 / 431 ، ولم نجده في المقنعة .
- (4) الجامع للشرائع: 575 .
- (5) وسائل الشيعة: 19 / 52 ، أبواب القصاص في النفس ، ب 28 ، ح2 .
(الصفحة 175)
ولكنّها ـ على تقدير كون المراد من قوله: «فتناول» هو توقف الدفع على الضرب والقتل ، وإن كان يبعّد ذلك أنّه بعد صيرورة السيف في يد العاقل لا يتحقّق التوقف نوعاً ، كما لا يخفى ـ محمولة على كون المراد من الامام هو بيت المال ، خصوصاً مع عدم قائل بما هو ظاهره .
ثانيتهما: الأخبار المتعدّدة الواردة في مطلق الدفاع عن النفس ، الظاهرة في أنّه إذا توقّف الدفاع على قتل المهاجم لا يكون في هذا القتل شيء أصلاً ، ويكون دمه هدراً ، فتنافي مع رواية أبي بصير في المقام .
والجواب: أنّ تلك الأخبار لا تخلو من أحد أمرين: إمّا أن تكون مطلقة شاملة لما إذا كان الحامل والمهاجم مجنوناً ، وإمّا أن لا تكون شاملة للمقام ، فعلى التقدير الأوّل تكون صحيحة أبي بصير مقيِّدة لها وموجبة لإخراج المجنون ، وعلى التقدير الثاني لا ارتباط بين المقام وبين تلك الروايات ، لاختلافهما من حيث المورد .
ودعوى: أنّه على تقدير الاختصاص بغير المجنون ، يكون شمول الحكم له بطريق أولى ، لأنّه إذا كان دم العاقل المهاجم هدراً ، فدم المجنون كذلك بطريق أولى ، لعدم تحقّق القصاص فيه دونه .
مدفوعة: بأنّه يمكن أن يكون للعقل مدخلية في كون دم المهاجم هدراً ، خصوصاً بعد ملاحظة أنّ الغرض عدم تكرّر التهاجم من غيره ، وهذه الجهة غير متحقِّقة في المجنون ، ولأجله تحقّق الفرق بين قتل العمد وقتل الخطأ مثلاً في الحكم مع اشتراكهما في تحقّق القتل وصدوره من القاتل . وعليه فيمكن أن لا يكون دم المجنون المهاجم هدراً مطلقاً ، بل يلزم أن يعطى ديته من بيت مال المسلمين ، فالأولوية ممنوعة جدّاً ، والتساوي فاقد للدليل ، فلا محيص عن الأخذ بالصحيحة في المقام .