(الصفحة 161)الشرط الرّابع والخامس: العقل والبلوغ ، فلا يقتل المجنون سواء قتل عاقلاً أو مجنوناً ، نعم تثبت الدية على عاقلته ، ولا يقتل الصبيّ بصبي ولا ببالغ وإن بلغ عشراً ، أو بلغ خمسة أشبار ، فعمده خطأ حتى يبلغ حدّ الرجال في السنّ أو سائر الأمارات ، والدية على عاقلته1..
منها . الحديث(1) .
فإنّ مقتضى عموم التعليل عدم ثبوت القصاص في المقام ، خصوصاً بملاحظة صدر الرواية الظاهر في الملازمة بين القصاص وحدّ القذف ، فإذا لم يثبت الحدّ في الفرض المذكور في الذيل ، فالظاهر عدم ثبوت القصاص أيضاً .
ودعوى كون مجرى التعليل هو حقّ الحدّ ولا وجه لتعميمه بالإضافة إلى القصاص ، مدفوعة بظهور التعليل في أنّ الانتقال إلى الولد مانع عن الثبوت بالنسبة إلى الوالد من دون فرق بين الحدّ وبين القصاص ، كما لا يخفى .
والظاهر تماميّة هذا الدليل ، واقتضاؤه عدم ملك الاقتصاص من الوالد ، كعدم ثبوت حدّ القذف في مشابه المسألة ، فتدبّر .
1 ـ والدّليل على اعتبار العقل في حال تحقّق الجناية وصدور القتل ـ مضافاً إلى عموم حديث رفع القلم المجمع عليه كما عن السرائر(2) ، ومقتضاه رفع القلم مطلقاً ، ولا ينافي ذلك ثبوت الدية على العاقلة الثابتة في قتل الخطأ ، وذلك للتصريح به في ذيل الحديث ، ومضافاً إلى أنّه حكم على العاقلة ـ الروايات المستفيضة ، كصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يجعل جناية المعتوه
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 447 ، أبواب حدّ القذف ، ب 14 ح1 .
- (2) السرائر: 3 / 324 .
(الصفحة 162)
على عاقلته خطأً كان أو عمداً(1) .
ورواية إسماعيل بن أبي زياد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : أنّ محمّد بن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) : يسأله عن رجل مجنون قتل رجلاً عمداً ، فجعل الدّية على قومه ، وجعل خطأه وعمده سواء(2) .
ورواية أبي البختري ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي (عليهم السلام) أنّه كان يقول في المجنون والمعتوه الذي لا يفيق ، والصبي الذي لم يبلغ : عمدهما خطأ تحمله العاقلة ، وقد رفع عنهما القلم(3) .
ورواية بريد العجلي قال: سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل رجلاً عمداً فلم يقم عليه الحدّ ولم تصحّ الشهادة عليه حتّى خولط وذهب عقله ، ثمّ إنّ قوماً آخرين شهدوا عليه بعدما خولط أنّه قتله؟ فقال: إن شهدوا عليه أنّه قتله حين قتله وهو صحيح ليس به علّة من فساد عقل قتل به ، وإن لم يشهدوا عليه بذلك وكان له مال يعرف دفع إلى ورثة المقتول الدية من مال القاتل ، وإن لم يكن له مال اُعطي الدية من بيت المال ، ولا يبطل دم امرىء مسلم(4) ، فإنّها ظاهرة في ترتّب القصاص على إحراز كون القاتل عاقلاً حين القتل ، وليس به علّة من فساد العقل .
وأمّا قوله (عليه السلام) : «وإن لم يشهدوا عليه بذلك» ، فالظاهر أنّ المراد به عدم الشهادة على عقله ، مع ثبوتها على أصل تحقّق القتل منه ، غاية الأمر أنّه لا يعلم كونه عاقلاً أو مجنوناً حينه ، وحينئذ فالحكم بثبوت الدية في مال القاتل دون القصاص ودون
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 307 ، كتاب الديات ، أبواب العاقلة ب11 ح1 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 307 ، كتاب الديات ، أبواب العاقلة ب 11 ح 5 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 66 ، أبواب القصاص في النفس ب 36 ح2 .
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 52 ، أبواب القصاص في النفس ب 29 ح1 .
(الصفحة 163)
الثبوت على العاقلة إنّما هو لعدم الطريق إلى إحراز شيء من العقل أو الجنون ولو بالاستصحاب ، لعدم العلم بالحالة السابقة . ومع عدم إحراز العقل لا يثبت القصاص لعدم إحراز شرطه ، كما أنّه مع عدم إحراز الجنون لا يثبت على العاقلة ، للزوم إحرازه فيه ، فاللاّزم ثبوت الدية على القاتل ; لئلاّ يبطل دم امرىء مسلم .
وممّا ذكرنا يظهر بطلان ما عن كشف اللّثام(1) من دلالة الرواية على أنّه إذا لم يكن للمجنون عاقلة فالدية على بيت المال ، وذلك لأنّ مورد فرض الثبوت على بيت المال في الرواية صورة كون القاتل مشكوك الجنون ، وحكمه في صورة وجود المال ثبوت الدية في ماله ، ففرض عدم العاقلة لا يرتبط بالرواية أصلاً . هذا كلّه في اعتبار العقل .
وأمّا اعتبار البلوغ حال الجناية كما عليه المشهور(2) ، بل في الجواهر: عليه عامّة المتأخّرين(3) ، بل نسبه بعض إلى الأصحاب مشعراً بالإجماع عليه(4) ، بل عن الغنية دعواه عليه صريحاً(5) ، بل عن الخلاف: عليه إجماع الفرقة وأخبارهم(6)فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى حديث رفع القلم(7) ـ روايات مستفيضة أيضاً مثل:
صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: عمد الصبيّ وخطأه واحد(8) .
- (1) كشف اللثام: 2 / 456 .
- (2) مفتاح الكرامة: 11 / 28 .
- (3) جواهر الكلام: 42 / 178 .
- (4) مجمع الفائدة والبرهان: 14 / 7 ، رياض المسائل: 10 / 292 .
- (5) غنية النزوع: 403 .
- (6) الخلاف : 5/176 مسألة 39 .
- (7) وسائل الشيعة : 1 / 32 ، أبواب مقدّمة العبادات ب 4 ح11 .
- (8) وسائل الشيعة: 19 / 307 ، كتاب الديات ، أبواب العاقلة ب 11 ح2 .
(الصفحة 164)
وموثقة إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول: عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة(1) . ورواية أبي البختري المتقدّمة في اعتبار العقل .
وفي مقابل ما ذكر روايات لابدّ من التعرّض لها وملاحظة حالها مع ما ذكر:
إحداها: رواية مرسلة في الكتب الفقهية مشتملة على قوله: «يقتصّ من الصبيّ إذا بلغ عشراً» . وحكي عن الشيخ الفتوى بمضمونها في النهاية(2) والمبسوط(3)والاستبصار(4) . وذكر صاحب الجواهر ـ بعد الاعتراف بعدم الظفر بها مسندة ـ قوله: نعم النصوص المسندة بجواز طلاقه ووصاياه وإقامة الحدود عليه موجودة ، ولعلّ من رواها أراد هذه النصوص بإدخال القصاص في الحدود ، أو أنّ مبنى ما تضمّنته على ثبوت البلوغ بذلك ، ولا فرق بينه وبين القصاص(5) .
وأشار بذيل قوله إلى إمكان كون المراد من الرواية تحقّق البلوغ بالعشر والخروج عن الرفع بسببه ، وعليه فتنافي هذه الرواية مع الروايات المذكورة في كتاب الحجر(6) ، الدالّة على عدم تحقّق البلوغ السنّي بأقل من خمسة عشر . ولكنّه يرد على صاحب الجواهر عدم إقامة الحدود على الصبيّ البالغ عشراً ، كما تحقّق في كتاب الحدود . وليس هنا رواية دالّة عليه ، والقائل به إنّما حكم بذلك للاستفادة من الطلاق والوصية ، لا لقيام الدليل عليه بالخصوص .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 307 ، كتاب الديات ، أبواب العاقلة ب 11 ح3 .
- (2) النهاية: 733 و 761 .
- (3) المبسوط : 7 / 44 .
- (4) الإستبصار: 4 / 287 .
- (5) جواهر الكلام: 42 / 180 .
- (6) وسائل الشيعة: 13 / 142 ، كتاب الحجر ب 2 .
(الصفحة 165)
ويمكن أن يكون مستند الشيخ (قدس سره) في الفتوى المذكورة صحيحة أبي أيّوب الخزّاز قال: سألت إسماعيل بن جعفر متى تجوز شهادة الغلام؟ فقال: إذا بلغ عشر سنين ، قلت: ويجوز أمره؟ قال: فقال : إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) دخل بعائشة وهي بنت عشر سنين ، وليس يدخل بالجارية حتى تكون امرأة ، فإذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره وجازت شهادته(1) .
ومن الواضح عدم حجّية الرواية; لعدم اعتبار قول إسماعيل ، خصوصاً مع وضوح بطلان قياسه واستدلاله . وعلى ما ذكرنا فلا مجال لهذا القول ، سواء أُريد به حصول البلوغ به أو أُريد ثبوت القصاص في العشر ، وإن لم يتحقّق البلوغ .
ثانيتها: صحيحة سليمان بن حفص ، عن الرجل (عليه السلام) قال: إذا تمّ للغلام ثمان سنين فجائز أمره ، وقد وجبت عليه الفرائض والحدود ، وإذا تمّ للجارية تسع سنين فكذلك(2) . ومثلها ما رواه حسن بن راشد في الصحيح ، عن العسكري (عليه السلام) ، إلاّ أنه قال: وإذا تمّ للجارية سبع سنين فكذلك(3) .
ولا مجال للأخذ بهما ، سواء كان المراد بهما تحقّق البلوغ بذلك ، أو كان المراد ثبوت الأحكام ولو لم يتحقّق البلوغ ، لمخالفتهما على التقدير الأوّل للروايات الواردة في البلوغ السنّي ، وعلى التقدير الثاني للروايات الواردة في المقام الحاكمة بأنّ عمد الصبيّ خطأ ، مضافاً إلى عدم القائل بهما .
ثالثتها: رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل وغلام اشتركا في قتل رجل فقتلاه ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إذا بلغ الغلام
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 252 ، كتاب الشهادات ب 22 ح3 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 526 ، أبواب حدّ السرقة ب 28 ح13 .
- (3) التهذيب: 9 / 183 ح736 .