(الصفحة 232)مسألة 5 ـ لو تعارضت الأمارات الظنّية بطل اللّوث ، كما لو وجد بالقرب من القتيل ذو سلاح ملطّخ بالدّم وسبع من شأنه قتل الإنسان ، ولم تكن أمارة لحصول القتل بأيّهما وفي كلّ طرف شكّ محض ، فلابدّ في مثله فصل الخصومة بالطرق .
بقي أمران :
الأوّل: أنّه لا ينافي الروايات المتقدّمة رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ليس في الهايشات عقل ولا قصاص ، والهايشات الفزعة تقع بالليل والنهار فيشجّ الرجل فيها ، أو يقع قتيل لا يدرى من قتله وشجّه(1) .
والظاهر أنّ تفسير الهايشات من كلام الصادق (عليه السلام) ، وهي جمع هيش بمعنى الفتنة .
والوجه في عدم المنافات أنّ نفي العقل والقصاص في الفتن لايستلزم عدم الثبوت على بيت المال ، ولا أقلّ من كون الروايات المتقدّمة شاهدة على ذلك .
ويؤيّد بل يدلّ على عدم المنافاة قول السكوني: وقال أبو عبدالله (عليه السلام) في حديث آخر: رفع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فودّاه من بيت المال(2) .
الثاني:أنّ ظاهر الروايات المتقدّمة وإن كان الثبوت في بيت المال مطلقاً من دون فرق بين وجود اللّوث وعدمه ، إلاّ أنّ الظاهر كون الإطلاق فيها مبنيّاً على الغالب ، وهو عدم ثبوت اللّوث بالنسبة إلى فرد معيّن أو أفراد معيّنين ، وفي الحقيقة يكون الإطلاق منصرفاً عن موارد ثبوت اللّوث ، ففي هذه الموارد تجري القسامة وأحكامها; كما هو ظاهر .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 110 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 6 ح 3 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 110 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 6 ح 4 .
(الصفحة 233)المعهودة غير القسامة1.
مسألة 6 ـ لا يشترط في اللّوث وجود أثر القتل على الأقوى بعد قيام الأمارة الظنّية على أصل القتل ، ولا يشترط في القسامة حضور المدّعى عليه ، كما في سائر المقامات على الأصحّ2..
1 ـ الوجه في بطلان اللّوث أنّك عرفت أنّ معناه هي الأمارة الموجبة للظّن الشخصي للحاكم بصدق المدّعي في دعواه ، ومن الواضح أنّه مع تعارض الأمارة الموجبة لذلك ـ لولا المعارض ـ مع الأمارة الموجبة للظن بالخلاف كذلك لا يتحقّق هناك ظنّ بالصدق المذكور ، لأنّ تعارض الأمارتين يوجب تساقطهما وجعلهما كأنّه لم يكن في البين أمارة ، وعليه فلا يتحقّق اللّوث مع التعارض بوجه ، بل لابدّ في مثله فصل الخصومة بغير القسامة بعد اشتراط مشروعيتها بخصوص صورة اللّوث ، كما عرفت .
2 ـ قال في الجواهر: لا أجد فيه ـ أي في أنّه لا يشترط في اللّوث وجود أثر القتل ـ خلافاً بيننا لاّ من أبي علي(1) . نعم حكي عن أبي حنيفة من العامة الاشتراط حيث قال: إن لم يكن جراحة ولا دم فلا قسامة ، وإن كان جراحة ثبتت ، وإن لم يكن وكان دم فإن خرج من أذنه ثبتت ، لا إن خرج من أنفه(2)وحكي عن مبسوط الشيخ (قدس سره)(3) تقويته(4) .
- (1) مختلف الشيعة: 9 / 445 مسألة 118 .
- (2) بدائع الصنائع: 6/356، الحاوي الكبير: 16/254،المبسوط للسرخسي: 26/114، الخلاف:5/310مسألة 8.
- (3) المبسوط : 7 / 215 .
- (4) جواهر الكلام: 42 / 241 ـ 242 .
(الصفحة 234)مسألة 7 ـ لو ادّعى الوليّ إنّ فلاناً من أهل الدار قتله بعد أن وجد مقتولاً فيها حصل اللّوث ، وثبتت الدعوى بالقسامة بشرط ثبوت كون المدّعى عليه في الدار حين القتل ، وإلاّ فلا لوث بالنسبة إليه ، فلو أنكر كونه فيها وقت القتل كان القول قوله مع يمينه1..
ولكنّه كما ترى واضح الضعف ، لأنّ الملاك في اللّوث تحقّق أمارة ظنّية كذائية على صدق المدّعي ، ولا دليل على اشتراط أثر القتل من دم أو جرح أو أثر خنق وشبهها بعد تحقّق اللّوث بغير ذلك .
وأمّا عدم اشتراط حضور المدّعى عليه في القسامة ، فلأنّه لا دليل على خصوصية للمقام ، بعد جواز الحكم على الغائب في سائر المقامات ، والاحتياط في الدم لا يقتضيه خصوصاً بعد كون مشروعية القسامة لحقن دماء المسلمين ، وعدم تحقّق القتل غير المشروع من الفاسق الفاجر الذي ينتظر الفرصة لاغتيال عدوّه وقتله ، كما عرفت في بعض الروايات المتقدّمة .
1 ـ المهم في هذه المسألة أمران:
الأوّل: إنّ وجدان الشخص قتيلاً في دار غيره وإن كان يوجب تحقّق اللّوث بالإضافة إلى جميع أهالي تلك الدار ممّن يصلح أن يصدر القتل منه بلحاظ السنّ وغيره من الجهات الدخيلة ، إلاّ أنّه حيث يكون جريان القسامة إنّما هو فيما إذا كانت هناك دعوى ، ضرورة أنّه بدون الدعوى لا يترتّب على اللّوث ومجرّد وجود الأمارة الظنّية شيء; لعدم حجية هذه الأمارة بوجه كما عرفت (1) ، وعليه فإذا كانت الدعوى بالنسبة إلى فرد خاص من أهالي تلك الدار يجوز إثبات الدعوى
(الصفحة 235)المقصد الثاني : في كمّية القسامة
وهي في العمد خمسون يميناً ، وفي الخطأ وشبهه خمس وعشرون على الأصحّ1..
حينئذ بالقسامة ، لوجود الدّعوى وتحقّق اللّوث ، وأمّا سائر الأفراد فهم وإن كانوا مشتركين مع المدّعى عليه في اللوث إلاّ أنّهم باعتبار عدم كونهم طرفاً للدعوى لا تجري القسامة بالنسبة إليهم .
الثاني: إنّ تحقّق اللّوث في الفرض المذكور إنّما هو مع ثبوت كون المدّعى عليه في الدار حين القتل بالاقرار أو بالبيّنة ، ضرورة أنّه مع عدم كونه في الدار حين القتل لا مجال لتحقّق اللّوث أصلاً ، وعليه فلو أنكر المدّعى عليه كونه فيها في تلك الحال يكون القول قوله مع يمينه ، لموافقة قوله لاستصحاب عدم كونه حال القتل في الدار ، أو لكونه منكراً بحسب نظر العرف ، ولو فرض عدم كون قوله موافقاً للأصل كما لو فرض العلم بكونه في الدار ساعة قبل القتل ، ولو فرض العلم بكونه في الدار في زمان وتحقّق القتل فيها في زمان أيضاً يجري استصحاب عدم كونه فيها في حال القتل ، ويترتّب عليه الأثر ، ولا مجال لاستصحاب عدم القتل في حال كونه في الدار ، لعدم ترتّب الأثر عليه ، من غير فرق بين صورة العلم بتاريخ أحدهما وصورة الجهل بتاريخ كليهما ، فتدبّر .
1 ـ حكي الخلاف في العمد عن ابن حمزة فقط ، حيث قال: إنّها خمسة وعشرون في العمد إذا كان هناك شاهد واحد(1) ، وربّما يقال في وجهه: إنّه مبنيّ على أنّ الخمسين بمنزلة البيّنة التي هي الشاهدان ، فيقع في مقابل كلّ شاهد خمسة
(الصفحة 236)
وعشرون .
ومن الواضح ضعف هذا الوجه ، لعدم الدليل على المحاسبة المذكورة ، ومشروعية القسامة مع عدم البيّنة لا يقتضي ذلك بوجه ، خصوصاً بعد ملاحظة أنّ الشاهد الواحد لا يترتّب عليه الأثر لإثبات القتل أصلاً ، كما يدلّ عليه نفس دليل حجّية البيّنة ، كما لا يخفى .
وربّما يقال: إن الإطلاق أيضاً ينفي هذا القول ، ولكنّه إنّما يتمّ على تقدير ثبوت كونه في مقام البيان ولو من هذه الجهة ، وأمّا لو كان في مقام بيان مجرّد الأعتبار وأصل المشروعية فلا مجال للأخذ به ، هذا في العمد .
وأمّا في الخطأ وشبهه ، فالمشهور كما اعترف به العلاّمة(1) بل عن الغنية نسبته إلى رواية الأصحاب ، مشعراً بالإجماع عليه(2) ، بل عن الشيخ دعوى الإجماع عليه صريحاً أنّها خمسة وعشرون(3) ، ولكنّ المحكيّ عن المفيد(4) والديلمي(5)والحلّي(6) والفاضل(7) وولده(8) والشهيدين(9) هو الحكم بالتسوية بينهما وبين العمد في اعتبار الخمسين .
- (1) قواعد الأحكام: 2 / 297 .
- (2) غنية النزوع: 441 .
- (3) الخلاف: 5 / 308 مسألة 4 .
- (4) المقنعة: 736 .
- (5) المراسم: 233 .
- (6) السرائر: 3 / 338 .
- (7) تحرير الأحكام: 2 / 252 ـ 253 ، ولكن اختار في المختلف: 9 / 311 مسألة 19 «أنها خمسة وعشرون» .
- (8) إيضاح الفوائد: 4 / 615 .
- (9) اللمعة الدمشقية: 177 ، الروضة البهية: 10 / 73 ـ 74 .