(الصفحة 80)للسقوط غالباً على إشكال1.
مسألة 39 ـ لو شهد اثنان بما يوجب قتلاً كالارتداد مثلاً ، أو شهد أربعة بما يوجب رجماً كالزنا ، ثم ثبت أنّهم شهدوا زوراً بعد إجراء الحدّ أو القصاص لم .
1 ـ المهمّ في هذه المسألة ملاحظة أنّ ما ذكرنا من ضابطة قتل العمد الموجب للقصاص ، وهي ما لو كان العمل مؤثِّراً في القتل غالباً ، أو كان مقروناً بقصد القتل وإن لم يكن مؤثِّراً فيه كذلك ، هل يختصّ بما إذا كان هناك مباشرة الجاني ، أو يجري في صورة الإكراه أيضاً؟ فإذا كان العمل المكرَه عليه مؤثِّراً في القتل غالباً ، أو كان قصد المكرِه القتل وإن لم يكن المكرَه عليه كذلك ، يثبت القصاص على المكرِه ، لتحقّق قتل العمد منه . يظهر من صاحب الجواهر الوجه الثاني وان احتمل الأوّل أيضاً(1) .
والظاهر أنّه لا مجال للإحتمال الثاني ; لأنّ الإكراه لا يوجب الاستناد إلى المكرِه بحيث كان هو الفاعل بنظر العرف ، وإلاّ يلزم أن يكون في مورد الإكراه على القتل أن يثبت القود على المكرِه ، مع أنّك قد عرفت عدم ثبوته عليه في الإكراه على قتل الغير ، بل الثابت هو الحبس مؤبَّداً . وفي الإكراه على قتل النفس يحتمل ثبوت الحبس كذلك ، ويحتمل عدم ثبوت شيء عليه أصلاً . فمن ذلك يظهر أنّ الإكراه لا يصحّح الإستناد بوجه .
والفرق بين الإكراه على القتل والإكراه على غيره ، بعدم كون الإكراه موجباً للمشروعية في الأوّل دون الثاني ـ مضافاً إلى إمكان منعه فيما إذا كان الصعود على شاهق كالجبل والشجر ونحوهما مستلزماً للسقوط غالباً ـ لا يوجب الفرق من
- (1) جواهر الكلام: 42 / 56 .
(الصفحة 81)يضمن الحاكم ولا المأمور من قبله في الحدّ ، وكان القود على الشهود زوراً مع ردّ الدية على حساب الشهود ، ولو طلب الوليّ القصاص كذباً وشهد الشهود زوراً ، فهل القود عليهم جميعاً أو على الوليّ أو على الشهود؟ وجوه ، أقربها الأخير1..
جهة الاستناد وعدمه ، فإنّ المشروعية وعدمها لا دخل لها في هذه الجهة ، فالظاهر حينئذ عدم ثبوت القصاص في مفروض المسألة على المكره ، نعم لايبعد ثبوت الدية كما تقدّم .
1 ـ لو شهد شاهدان بما يوجب القتل حدّاً أو قصاصاً ، كالإرتداد ، أو قتل العمد الموجب للقصاص ، أو شهد أربعة بما يوجب الرجم كالزنا المقرون بالإحصان ، ثمّ ثبت بالإقرار أو بغيره أنّهم شهدوا زوراً ، بعضاً أو كلاًّ ، بعد استيفاء الحدّ أو القصاص ، فالكلام يقع في مقامين:
المقام الأوّل: في الحدّ كالارتداد والزّنا ، والكلام فيه تارة مع قطع النظر عن الروايات الواردة في الباب ، وأُخرى مع ملاحظتها .
أمّا مع قطع النظر عنها ، فالظاهر أنّ مقتضى القاعدة ثبوت القود على شهود الزّور ، ولا مجال لثبوته على الحاكم الآمر ولا المأمور المباشر ، لأنّ الحكم بالنسبة إلى الأوّل ، والإجراء والتصدّي بالإضافة إلى الثاني كان أمراً مشروعاً راجحاً بل واجباً ، ولا معنى لثبوت القصاص فيه ، وأمّا شهود الزور الّذين كانوا عالمين بكذبهم في مقام أداء الشهادة ، وأنّ المشهود عليه بريء ممّا يوجب القتل من الارتداد والزنا ونحوهما ، فالقتل يكون منسوباً إليهم لأقوائية السبب في مثل المقام من المباشر عند العرف والعقلاء ، وحيث يكون القتل عدواناً لعلمهم بكذبهم
(الصفحة 82)
فالقود ثابت عليهم ، غاية الأمر أنّه إذا كان شاهد الزور واحداً يثبت القود عليه ، وليس على الوليّ ردّ الدية أو شيء منه ، وإذا كان أزيد من واحد يجري حكم الشريكين أو الشركاء في القتل ، فيجب عليه ردّ الدية إذا أراد قتل الاثنين ، أو ديتين إذا أراد قتل الثلاثة ، وهكذا .
وأمّا مع ملاحظتها فقد ورد في المسألة روايات:
منها: مرسلة ابن محبوب ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزّنا ، ثم رجع أحدهم بعدما قتل الرجل ، فقال: ان قال الرابع (الراجع ـ ظ): وهمت ضرب الحدّ وغرم الدّية ، وإن قال: تعمّدت قتل(1) .
ومثلها موثقة مسمع كردين ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في أربعة شهدوا على رجل بالزنا فرجم ، ثم رجع أحدهم فقال : شككت في شهادتي ، قال: عليه الدّية قال: قلت: فإنّه قال: شهدت عليه متعمّداً ، قال: يقتل(2) .
وظاهرهما وإن كان ثبوت تمام الدية على الراجع وإن كان واحداً ، إلاّ أنّه لابدّ من حملها على الرّبع إذا كان واحداً ، وربعين إذا كان اثنين ، وهكذا ، بقرينة الروايات الآتية .
ومنها: رواية أُخرى لمسمع ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في أربعة شهدوا على رجل أنّهم رأوه مع امرأة يجامعها ، فيرجم ، ثم يرجع واحد منهم . قال: يغرم ربع الدية إذا قال: شبّه عليّ ، فإن رجع اثنان وقالا: شبّه علينا غرما نصف الدّية ، وإن رجعوا وقالوا : شبّه علينا ، غرموا الدية ، وإن قالوا: شهدنا
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 96 ، أبواب القصاص في النفس ب 63 ح1 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 240 ، كتاب الشهادات ب 12 ح3 .
(الصفحة 83)
بالزّور قتلوا جميعاً(1) . ومثلها رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام)(2) .
ومنها: رواية الفتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسن (عليه السلام) في أربعة شهدوا على رجل أنّه زنى فرجم ، ثم رجعوا وقالوا : قد وهمنا ، يلزمون الدية ، وإن قالوا: إنّما تعمّدنا ، قتل أيّ الأربعة شاء وليّ المقتول ، وردّ الثلاثة ثلاثة أرباع الدية إلى أولياء المقتول الثاني ، ويجلد الثلاثة كلّ واحد منهم ثمانين جلدة ، وإن شاء وليّ المقتول أن يقتلهم ردّ ثلاث ديات على أولياء الشهود الأربعة ، ويجلدون ثمانين كلّ واحد منهم ، ثم يقتلهم الإمام . الحديث(3) .
والظاهر أنّ الحدّ المذكور في مثل هذه الرواية هو حدّ القذف الذي هو ثمانون جلدة ، غاية الأمر وجود الاختلاف بين الرّوايات من جهة ظهور المرسلة في ثبوت هذا الحدّ في صورة الوهم دون العمد ، وظهور الرواية الأخيرة في عدم ثبوته في غير صورة التعمّد ، بل في التفصيل في صورة التعمّد بين ما إذا اختار قتل واحد من الأربعة ، وبين ما إذا اختار قتلهم جميعاً ، بعدم ثبوته فيه ، دونهم ، واللاّزم في هذه الجهة ملاحظة موارد ثبوت القذف ، وقد تقدّم التفصيل في كتاب الحدود ، فراجع .
المقام الثاني: في القصاص ، ويتصوّر فيه من جهة علم الوليّ بالكذب كالشهود وجهله ، ومن جهة تصدّيه لاستيفاء حق القصاص بالمباشرة أو اقتصاره على مجرّد المطالبة فروض:
أحدها: ما إذا كان الوليّ جاهلاً بكذب الشهود ، وقد طلب القصاص باعتقاد
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 97 ، أبواب القصاص في النفس ب 64 ح1 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 243 ، كتاب الشهادات ب 14 ح2 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 97 ، أبواب القصاص في النفس ب 64 ح2 .
(الصفحة 84)مسألة 40 ـ لو جنى عليه فصيّره في حكم المذبوح بحيث لا يبقى له حياة مستقرّة ، فذبحه آخر ، فالقود على الأوّل وهو القاتل عمداً ، وعلى الثاني دية .
كونه مستحقّاً له عقيب حكم الحاكم ، ولا خفاء في هذا الفرض في عدم ثبوت القود على الوليّ بوجه ، وإن تصدّى للقصاص بالمباشرة ، لعدم كون عمله صادراً عدواناً وغير مشروع ، فلا يوجب القصاص بوجه ، فالقود في هذا الفرض على شهود الزور فقط .
ثانيها: ما إذا كان الوليّ عالماً بكذب الشهود وعدم كون حق القصاص ثابتاً له بوجه ، ومع ذلك يتصدّى للإستيفاء بالمباشرة ، ويتحقّق منه القتل متعمّداً ، ولا تنبغي المناقشة في ثبوت القود في هذا الفرض على خصوص الوليّ ، لصدور القتل منه متعمّداً عالماً بكونه غير مشروع ، وأنّه يصدر عدواناً ، ولا وجه للإستناد إلى الشهود أيضاً ، وإن كانت شهادتهم صارت موجبة لفتح هذا الباب عليه ، إلاّ أنّه لا يوجب بمجرّده الاستناد بوجه .
وعلى تقدير التنزّل عمّا ذكرنا ، لا مجال لإخراج الوليّ عن دائرة القصاص رأساً واحتمال كون القود ثابتاً على خصوص الشهود ، لا أقلّ من التشريك ، كما لا يخفى .
ثالثها: ما إذا كان الوليّ عالماً بالكذب ، ولكنّه لم يتحقّق منه إلاّ مجرّد المطالبة من دون أن يتحقّق منه الإستيفاء ، بل المباشر له هو المأمور من قبل القاضي ، ويجري فيه احتمال ثبوت القود على الوليّ والشهود معاً ، لكون كلّ من الشهادة والمطالبة مؤثِّرة في تحقّق القتل ، فهو مستند إلى كليهما ، وعلى هذا الاحتمال يمكن أن يكون التشريك بنحو التنصيف ، بأن يعدّ الشهود واحداً والوليّ واحداً ، ويمكن أن يكون بنحو التقسيط على الرؤوس ، لما مرّ من أنّه لا يحسب في الشركة على القتل إلاّ الرؤوس ، ولا ينظر إلى مقدار تأثير العمل كمّاً وكيفاً .