(الصفحة 361)
القسم الثاني
في
قصاص ما دون النفس
1
.
1 ـ جعل العنوان ما دون النفس أولى من جعله الطرف كما في الشرائع(1) ، لشموله لغير الأطراف المشهورة من البطن والظهر ونحوهما . والدليل على ثبوت القصاص في هذا القسم عموم مثل قوله تعالى:
{وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ}(2) بعد التعرّض لثبوته في العين والأنف والأُذن والسنّ ، مضافاً إلى الروايات المتواترة الآتية أكثرها ، وإلى أنّه لا خلاف فيه من حيث الفتوى ، بل كما في الجواهر(3) الإجماع بقسميه عليه ، كما أنّه لا إشكال في أنّ الموجب له خصوص الجناية العمدية ، لدلالة الروايات عليه .
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 1006 .
- (2) المائدة 5 : 45 .
- (3) جواهر الكلام: 42 / 343 .
(الصفحة 362)مسألة1 ـ الموجب له ها هنا كالموجب في قتل النفس، وهو الجناية العمدية مباشرة أو تسبيباً حسب ما عرفت ، فلو جنى بما يتلف العضو غالباً فهو عمد ، قصد الإتلاف به أولا، ولو جنى بما لايتلف به غالباً فهو عمد مع قصد الإتلاف ولو رجاءً1.
مسألة 2 ـ يشترط في جواز الاقتصاص فيه ما يشترط في الاقتصاص في النفس من التساوي في الإسلام والحرّية وانتفاء الأبوّة وكون الجاني عاقلاً بالغاً ، فلا يقتصّ في الطرف لمن لا يقتصّ له في النفس2..
1 ـ قد مرّ مقتضى التحقيق في معنى العمد في أوّل كتاب القصاص وأنّه يعتبر فيه أحد أمرين على سبيل منع الخلو ، إمّا كون الآلة مؤثِّرة في القتل هناك وفي تلف العضو هنا بحسب النوع والغالب ، سواء كان مقروناً بقصد القتل أو الإتلاف أم لم يكن كذلك; وإمّا كون العمل مقروناً بالقصد المذكور وإن لم تكن الآلة مؤثِّرة في تحقّق المقصود غالباً ، غاية الأمر تعلّق القصد به رجاء واحتمالاً ، كالضرب بالعصا مع قصد القتل ثم تحقّقه .
2 ـ الدليل على اعتبار الشرائط المذكورة هناك في المقام مضافاً إلى إطلاق بعض الأدلّة النافي لعدم القود في الوالد بالنسبة إلى ولده ، أو المسلم بالإضافة إلى الذمّي مثلاً الشامل للقصاص في الطرف أيضاً ، التصريح بذلك في بعض الروايات ، مثل ما في صحيحة محمد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) من قوله: لا يقاد مسلم بذمّي في القتل ولا في الجراحات ، ولكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمّي على قدر دية الذمّي ثمانمائة درهم(1) .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 127 ـ 128 ، أبواب قصاص الطرف ب 8 ح1 .
(الصفحة 363)مسألة 3 ـ لا يشترط التساوي في الذكورة والأُنوثة ، فيقتصّ فيه للرجل من الرجل ومن المرأة من غير أخذ الفضل ، ويقتصّ للمرأة من المرأة ومن الرجل لكن بعد ردّ التفاوت فيما بلغ الثلث كما مرّ1.
مسألة 4 ـ يشترط في المقام زائداً على ما تقدّم التساوي في السلامة من الشلل ونحوه على ما يجيء أو كون المقتصّ منه أخفض ، والتساوي في الأصالة والزيادة وكذا في المحلّ على ما يأتي الكلام فيه ، فلا تقطع اليد الصحيحة مثلاً بالشلاّء ولو بذلها الجاني ، وتقطع الشلاّء بالصحيحة ، نعم لو حكم أهل الخبرة بالسراية بل خيف منها يعدل إلى الدية2..
1 ـ قد تقدّم البحث في هذه المسألة مفصّلاً في المسألة الثانية من مسائل الشرائط المعتبرة في قصاص النفس ، فراجع .
2 ـ أمّا اعتبار التساوي في السلامة من الشلل وعدم قطع اليد الصحيحة مثلاً بالشلاّء ، والرجل الصحيحة كذلك بالعرجاء فهو المشهور ، بل ادّعى في الجواهر نفي وجدان الخلاف فيه(1) ، بل حكى الاجماع عن ظاهر بعض الكتب بل صريحه(2) ، واللاّزم إقامة الدليل عليه بعد اقتضاء قوله تعالى:
{وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ}(3) لثبوت القصاص في المقام كثبوته في القتل ، حيث لا فرق فيه بين كون المقتول صحيحاً بأعضائه وجوارحه أو غير صحيح كذلك .
فنقول: يمكن الاستدلال على تخصيص عموم الآية بأُمور ثلاثة:
- (1) جواهر الكلام: 42 / 348 .
- (2) في ظاهر المبسوط: 7 / 80 ، وصريح الخلاف: 5 / 194 مسألة 61 .
- (3) المائدة 5 : 45 .
(الصفحة 364)
أحدها: قوله تعالى:
{فَاعتَدُوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدَى عَلَيْكُم}(1) نظراً إلى ظهوره في لزوم المماثلة وهي غير متحقّقة في المقام; لعدم كون قطع اليد الصحيحة مماثلاً لقطع اليد الشلاّء ، فاللاّزم الرجوع إلى الدية .
ويرد عليه : أنّ المراد من المماثلة في الآية هي المماثلة في أصل الاعتداء ، لا المماثلة في الكيفية ، فلا دلالة له على جواز الشتم في مقابل الاعتداء بالشتم ، وجواز الغصب مثلاً في مقابل الاعتداء بالغصب ، بل مفاده عدم كون الاعتداء بلا جواب ، بل يجري في مقابله الجزاء والعقوبة ، وأمّا كيفيتها فلا دلالة له عليه ، وعليه فلا ينافي الآية المتقدّمة الدالّة بعمومها على ثبوت القصاص في المقام .
ثانيها: ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب ، عن حمّاد بن زياد ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل قطع يد رجل شلاّء ، قال: عليه ثلث الدية(2) .
وضعف السند ـ بحمّاد ، حيث إنّه مجهول ولم يذكر بتوثيق ولا مدح ، ورواية الحسن عنه لا تدلّ على الوثاقة بوجه ـ ينجبر باستناد المشهور إليها في مقابل القاعدة المقتضية للقصاص ، لكن الكلام في الدلالة ، فنقول: الظاهر أنّ المراد من الدية المضاف إليها الثلث هي دية يد واحدة صحيحة التي هي نصف الدية الكاملة ، وعليه فدية اليد الشلاّء سدس الدية الكاملة ، ويدلّ على ذلك الرواية الآتية الصريحة في أنّ دية الأصابع الشلل ثلث دية الصحاح منها .
وأمّا الاستدلال بالرواية فيبتنى على ثبوت الإطلاق لها ، بأن كان المراد ثبوت
- (1) البقرة 2 : 194 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 253 ، أبواب ديات الأعضاء ب 28 ح1 .
(الصفحة 365)
الدية مطلقاً ، سواء أراد المجني عليه القصاص أم لم يرد ذلك ، فيرجع ذلك إلى نفي ثبوت القصاص في مورد السؤال . وقد استفاد الأصحاب من الرواية هذا المعنى ، ولذا أفتوا بخلاف ما هو مقتضى عموم دليل القصاص ، ولكنّ الظاهر أنّ ثبوت الإطلاق للرواية مبنيّ على كونها في مقام البيان من هذه الجهة ، مع أنّه يحتمل قويّاً أن يكون المراد بيان مقدار دية اليد الشلاّء من غير نظر إلى ثبوت القصاص وعدمه ، وليس في السؤال ما يدلّ بظاهره على كون محطّه هو السؤال عن ثبوت القصاص وعدمه ، وإلاّ كان المناسب التعرّض لذلك لا تعيين مقدار الدية ، خصوصاً مع عدم التصريح في السؤال بكون يد القاطع صحيحة ، واستناد المشهور إلى الرواية وإن كان جابراً لضعفها ومخرجاً لها عن عدم الحجية إليها إلاّ أنّ فهم المشهور واستفادتهم من الرواية شيئاً لا دليل على حجيته بوجه .
ثالثها: رواية الحسن بن صالح قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن عبد قطع يد رجل حرّ وله ثلاث أصابع من يده شلل ، فقال: وما قيمة العبد؟ قلت: اجعلها ما شئت ، قال: إن كانت قيمة العبد أكثر من دية الإصبعين الصحيحتين والثلاث الأصابع الشلل ردّ الذي قطعت يده على مولى العبد ما فضل من القيمة وأخذ العبد ، وإن شاء أخذ قيمة الإصبعين الصحيحتين والثلاث الأصابع الشلل ، قلت : وكم قيمة الإصبعين الصحيحتين مع الكفّ والثلاث الأصابع الشلل؟ قال: قيمة الإصبعين الصحيحتين مع الكفّ ألفا درهم ; وقيمة الثلاث أصابع الشلل مع الكف ألف درهم ، لأنّها على الثلث من دية الصحاح ، قال: وإن كانت قيمة العبد أقلّ من دية الإصبعين الصحيحتين والثلاث الأصابع الشلل دفع العبد إلى الذي قطعت يده أو يفتديه مولاه ويأخذ العبد(1) .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 253 ، أبواب ديات الأعضاء ب 28 ح2 .