(الصفحة 67)مسألة 33 ـ لو أمسكه شخص وقتله آخر وكان ثالث عيناً لهم فالقود على القاتل لا الممسك ، لكنّ الممسك يحبس أبداً حتّى يموت ، والربيئة تسمل عيناه بميل محمى ونحوه1..
عدواناً وبنحو غير مشروع يكون الضمان على الحافر ، لقوّة السبب في هذا الفرض ، بخلاف المقام . وممّا ذكرنا يظهر وجه الحكم في الفرضين الآخرين .
ثمّ إنّ هذه المسألة شروع في عنوان رابع في الجناية الموجبة لتحقّق الموت ، وهو ما لو كانت متحقّقة بانضمام إنسان آخر ، واحد أو متعدّد ، غير المجنيّ عليه ، وبعبارة أُخرى كان عمل أزيد من إنسان واحدمؤثِّراً في تحقّق الجنايةوالموت،كالحفر والدفع في المثال الأوّل ، والإلقاء والضرب في المثال الثاني ، والإلقاء والقتل في المثال الثالث.
1 ـ وجه ثبوت القود على القاتل دون الممسك مضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة لاستناد القتل إليه دونه ، ما ورد من الروايات الدالّة عليه وعلى أنّ الممسك يحبس أبداً حتى يموت ، مضافاً إلى ما في الجواهر من قوله: بلا خلاف أجده في شيء من ذلك بل عن الخلاف(1) والغنية(2) وغيرهما الإجماع عليه(3) .
وأمّا الرّوايات :
فمنها: صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قضى علي (عليه السلام) في رجلين أمسك أحدهما وقتل الآخر ، قال: يقتل القاتل ، ويحبس الآخر حتى يموت غمّاً ، كما حبسه
- (1) الخلاف: 5 / 174 مسألة 36 .
- (2) غنية النزوع: 407 .
- (3) جواهر الكلام: 42 / 46 .
(الصفحة 68)
حتّى مات غمّاً . الحديث(1) .
ومنها: رواية سماعة قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل شدّ على رجل ليقتله ،
والرجل فارّ منه ، فاستقبله رجل آخر فأمسكه عليه حتّى جاء الرّجل فقتله ، فقتل الرجل الذي قتله ، وقضى على الآخر الذي أمسكه عليه أن يطرح في السجن أبداً حتى يموت فيه ، لأنّه أمسكه على الموت(2) .
والظاهر أنّ قتل الرجل القاتل إنّما كان بعنوان القصاص ، وعليه فالظّاهر اعتبار وجود الشرائط فيه التي منها اختيار وليّ المقتول .
وقد ورد في الممسك صحيحة حريز ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يخلّد في السجن إلاّ ثلاثة: الذي يمسك على الموت ، والمرأة ترتدّ عن الإسلام ، والسارق بعد قطع اليد والرجل(3) .
وأمّا ما ورد في الربيئة التي معناها هو الناظر المراقب لأن يتحقّق القتل فهو رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ ثلاثة نفر رفعوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) : واحد منهم أمسك رجلاً ، وأقبل الآخر فقتله ، والآخر يراهم ، فقضى في صاحب الرؤية أن تسمل عيناه ، وفي الذي أمسك أن يسجن حتّى يموت كما أمسكه ، وقضى في الذي قتل أن يقتل . ورواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) نحوه(4) ، وقد عمل بها الأصحاب ، بل في محكيّ الخلاف الإجماع عليه(5) ، والمراد من قوله:
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 35 ، أبواب القصاص في النفس ب 17 ح 1 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 35 ، أبواب القصاص في النفس ب 17 ح 2 .
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 550 ، أبواب حدّ المرتد ب 4 ح3 .
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 35 ، أبواب القصاص في النفس ب 17 ح 3 .
- (5) الخلاف : 5 / 174 مسألة 36 .
(الصفحة 69)مسألة 34 ـ لو أكرهه على القتل فالقود على المباشر إذا كان بالغاً عاقلاً دون المُكرِه ، وإن أوعده على القتل ، ويحبس الآمر به أبداً حتّى يموت ، ولو كان المُكرَه مجنوناً أو طفلاً غير مميّز فالقصاص على المُكرِه الآمر ، ولو أمر شخص طفلاً مميّزاً بالقتل فقتله ليس على واحد منهما القود ، والدّية على عاقلة الطفل ، ولو أكرهه على ذلك فهل على الرجل المُكرِه القود أو الحبس أبداً ، الأحوط الثاني1..
«تسمل» هو تفقأ أي تقلع بمثل الشوك ، ولكنّ الظاهر أنّه لا خصوصية فيه ، بل المراد هو العمل بعينيه بما يوجب العمى وانتفاء البصيرة ، فيجوز أن تكحل بمسمار محمىَ ونحوه .
1 ـ في هذه المسألة فروع:
الأوّل: ما لو تحقّق الإكراه على القتل وكان كلّ من المُكرِه والمُكرَه بالغاً عاقلاً ، سواء توعّده بالقتل إن لم يقتله أو بغيره ، والحكم فيه عندنا نصّاً وفتوى هو ثبوت القصاص على المباشر دون الآمر ، ومن العامّة من نفي القود والدية عنهما ، ومنهم من حكم بثبوت القود على المُكرِه وحده . والمحكيّ عن الشافعي قولان: الاشتراك في الجناية وثبوت القصاص عليهما ، ومع العفو الدية نصفين ، وثبوت القود على المُكرِه ونصف الدية على المباشر ، وفي صورة العفو على المُكرِه نصف الدّية أيضاً(1) .
ويدلّ على ما ذكرنا ـ مضافاً إلى دلالة النّصوص عليه التي منها الرواية الآتية في حكم المكره ملاحظة ـ أمرين:
- (1) راجع الأم: 6 / 41 ، والمجموع: 20 / 52 ، والمغني لابن قدامة 9 : 331 ، والخلاف: 5 / 167 مسألة 29 .
(الصفحة 70)
أحدهما: إنّ القتل مع الإكراه لا ينسب إلاّ إلى المُكرَه المباشر ، ولا يضاف إلاّ إليه ، والإكراه لا يوجب سلب الإضافة بعد صدور الفعل عن المُكرَه عن إرادة واختيار ، وترجيحه على الضرر المتوعَّد به من ناحية المُكرِه . ويدلّ عليه العرف والعقلاء واللغة أيضاً ، فكما أنّ الإكراه على شرب الخمر مثلاً لا ينافي الإسناد إلى المباشر والحكم بأنّه شارب الخمر ، كذلك الإكراه على القتل ، فالقاتل هو المباشر دون الآمر ، وهذا من الوضوح بمكان .
ثانيهما: إنّ حديث الرفع(1) وإن كان مشتملاً على رفع ما استُكرِهوا عليه ، ويدلّ على رفع الحكم التكليفي والوضعي المترتّب على العمل المُكرَه عليه مع قطع النظر عن الإكراه ، إلاّ أنّه لا يشمل الإكراه على القتل ، وإن توعّده بالقتل ، لما ورد في النص والإجماع من أنّه «إنّما جعلت التقية ليحقن بها الدم ، فإذا بلغ الدم فليس تقية»(2) بل قد ذكرنا في أوائل كتاب الحدود(3): إنّ إطلاق حديث الرفع لا يشمل كل محرَّم سوى القتل أيضاً ، ضرورة أنّه لا يكاد يسوغ بالإكراه والتوعّد بالضرر المالي مثلاً ـ وإن كان مضرّاً بحاله ـ الزنا ، خصوصاً إذا كان مقروناً بالإحصان ، ولا يخرج عن الحرمة مثل ذلك بمجرّد التوعيد بالإهانة الموجبة لهتك الحيثية وأشباههما .
وبالجملة: كما لا يسوغ قتل الشخص لأكله في المخمصة لأجل الاضطرار ، كذلك لا يجوز قتل الشخص لأجل الإكراه عليه ، فهو القاتل عمداً عدواناً ، والقود عليه لا على المُكرِه . نعم ورد في رواية صحيحة وجوب حبسه حتّى يموت ، وهي ما
- (1) وسائل الشيعة: 11 / 295 ، أبواب جهاد النفس ب 56 ح1 .
- (2) وسائل الشيعة: 11 / 483 ، كتاب الجهاد ، أبواب الأمر والنهي ب 31 ح1 و 2 .
- (3) تفصيل الشريعة ، كتاب الحدود : 20 ـ 21 .
(الصفحة 71)
رواه المشايخ الثلاثة بطرق صحيحة عن زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل أمر رجلاً بقتل رجل فقتله ، فقال: يقتل به الذي قتله ، ويحبس الآمر بقتله في الحبس حتى يموت . وفي رواية الصدوق: أمر رجلاً حرّاً(1) .
وقال صاحب الجواهر (قدس سره) بعد نقل الرواية: ولا بأس بالعمل بها بعد صحّتها وعمل غير واحد من الأصحاب بها ، فما عساه يظهر من المتن من التوقف في ذلك في غير محلّه(2) .
أقول: لعلّ منشأ توقف المحقّق في الشرائع(3) وجود صحيحة حريز المتقدّمة الدالّة على انحصار التخليد في السجن في الثلاثة ، وهذا المورد ليس منها ، لأنّها عبارة عن الممسك على الموت ، والمرأة المرتدّة ، والسارق في المرّة الثالثة . وهي أيضاً رواية صحيحة لابدّ من ملاحظتها ، وهل يمكن الجمع بينهما بحمل الحصر فيها على الحصر الإضافي ، أو بحمل هذه الرواية على مجرّد الرجحان دون خصوص الوجوب ، والظّاهر استبعاد كلا الجمعين ، فإنّ الحصر الإضافي مع كون الاُمور الثلاثة المذكورة فيها غير مرتبطة وغير مجتمعة تحت جامع في غاية البعد ، كما أنّ الرجحان في باب الحدود والقصاص لا مجال له ولا يقاس بباب العبادات ، كما لايخفى ، فالإنصاف أنّ للتوقّف في المسألة مجالاً .
الثاني: ما لو كان المُكرَه غير مميِّز كالمجنون والطفل غير المميِّزين ، ولا خفاء في ثبوت القصاص في هذا الفرض على المكره الآمر ، لأنّ غير المميِّز بمنزلة الآلة بالإضافة إلى الآمر ، والقتل ينسب إليه لا إلى غير المميِّز ، فالقود عليه .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 32 ، أبواب القصاص في النفس ب 13 ح 1 .
- (2) جواهر الكلام : 42 / 48 .
- (3) شرائع الإسلام: 4 / 975 .