(الصفحة 412)مسألة 37 ـ لو قلع سنّ الصبي ينتظر به مدّة جرت العادة بالإنبات فيها ، فإن عادت ففيها الأرش على قول معروف ، ولا يبعد أن يكون في كلّ سنّ منه بعير ، وإن لم تعد ففيها القصاص1..
وكيف كان فإن قلنا بحجّية ما ورد في الاُذن المشتمل على التعليل المذكور ، فاللاّزم الالتزام بجواز الإزالة أبداً ، وإلاّ فاللاّزم الأخذ بمقتضى القاعدة ، وربّما يقال بالابتناء على كون العائدة هبة من الله تعالى فلا تجوز الإزالة ، أو بدل الفائت فتجوز . ولكنّ الظاهر أنّه بناء على البدليّة لا تجوز الإزالة أيضاً ، لأنّ العود بمنزلة اندمال الجرح الواقع قصاصاً ، فكما أنّه لا يوجب مشروعية القصاص ثانياً فكذلك العود ، وعدم مشروعية القصاص في سنّ المثغر إذا كانت الجناية على سنّ غير المثغر لا يستلزم جواز الإزالة في المقام بوجه .
ثم إنّه لو قلنا بعدم جواز الإزالة في سنّ الجاني العائدة ، فعدم جوازها في سن المجنيّ عليه العائدة يكون بطريق أولى ، كما لا يخفى .
1 ـ أمّا صورة العود ففي الجواهر بعد حكم المتن فيها بثبوت الحكومة: بلا خلاف أجده فيه أيضاً(1) ـ أي كأصل وجوب الانتظار ـ بل عن الخلاف(2)والسرائر(3) الاجماع عليه .
والوجه في عدم ثبوت القصاص فيها بل الأرش فكأنّه ـ مضافاً إلى مقتضى التعليل الوارد في رواية الاُذن المتقدّمة، وهو قوله (عليه السلام) : «إنّما يكون القصاص من
- (1) جواهر الكلام: 42 /389 .
- (2) الخلاف: 5 / 244 مسألة 39 .
- (3) السرائر: 3 / 386 ـ 387 .
(الصفحة 413)
أجل الشين» لاقتضائه ثبوت القصاص مع عدم عود السن ـ مرسلة جميل، عن بعض أصحابه، عن أحدهما (عليهما السلام) أنّه قال في سنّ الصبي يضربها الرجل فتسقط ثم تنبت ، قال: ليس عليه قصاص وعليه الأرش(1) . ورواها في الوسائل في باب آخر أيضاً مع إضافة قال علي ـ أي علي بن حديد الراوي عن جميل ـ : وسأل جميل كم الأرش في سنّ الصبي وكسر اليد؟ قال: شيء يسير ولم يُرو فيه شيئاً معلوماً(2) .
والظاهر أنّ المراد بالأرش في نفسه هو تفاوت ما بين كونه فاقد السنّ وزمن ذهابها وواجدها لو كان عبداً ، لكن حكي عن المبسوط أنّ المراد بها حكومة الجرح وإسالة الدم ، حيث قال: فأمّا إسالة الدم فإن كان عن جرح في غير مغرزها وهو اللّحم الذي حول السنّ ومحيط بها ففيه حكومة لأنّها جناية على محلّ السنّ(3) . والظاهر اعتبار كلا الأمرين ورعاية الجهتين على تقدير ثبوت الأرش ، وإن كان يمكن المناقشة في أصل الثبوت نظراً إلى كون الرواية مرسلة ، وأنّه لا فرق في عدم حجّية الروايات المرسلة بين الرواة المرسلين لها ، وإنّ ما اشتهر من المعاملة مع بعض المراسيل معاملة المسند غير صحيح كما حقّقناه في كتاب الحدود(4) ، ولم يعلم في المقام استناد المشهور إلى الرواية حتى يكون جابراً لها ، بل يحتمل أن يكون حكمهم بذلك مستنداً إلى اقتضاء القاعدة لثبوت الأرش ، وعليه فلابدّ من ملاحظتها . ويمكن أن يقال حينئذ بعدم الاقتضاء لما أشرنا إليه من أنّ كون العبد أصلاً إنّما هو في مورد الجراحات لا فيما يشمل المقام ، فتدبّر .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 258، أبواب ديات الأعضاء ب 33 ح1 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 134 ، أبواب قصاص الطرف ب 14 ح2 .
- (3) المبسوط : 7 / 97 .
- (4) تفصيل الشريعة ، كتاب الحدود ، 353 ـ 357 .
(الصفحة 414)
ثمّ إنّ هنا روايتين آخرتين:
إحداهما: رواية مسمع ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّ عليّاً (عليه السلام) قضى في سنّ الصبي قبل أن يثغر بعيراً في كلّ سنّ(1) .
ثانيتهما: رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في سنّ الصبي إذا لم يثغر ببعير(2) .
ويظهر من المتن أنّه حمل هاتين الروايتين على خصوص صورة العود التي هي مورد المرسلة المتقدّمة ، ولعلّ الوجه فيه كون الغالب في سنّ الصبيّ غير المثغر العود ، لأنّ طبعه يقتضي السقوط ثم الإنبات . وعليه فإن كان قوله في المتن: «بعير» منصوباً كما هو المحتمل قويّاً وإن كان على خلاف النسخة الموجودة عندي ، يكون الظاهر منه أنّ الأرش الذي هو مدلول المرسلة مفسَّر في الروايتين بالبعير ، ولا مانع من أن يكون مقدّراً في بعض الموارد ، وإن كان لولا التفسير لكان المراد منه ما ذكرنا من التفاوت والجرح .
وإن كان قوله في المتن: «بعير» مرفوعاً كما في النسخة الموجودة عندي فربّما يشعر المتن بثبوت الأرش بمعناه العرفي والبعير معاً ، وهو في غاية البعد ، لعدم كون الجناية المتحقّقة بالقلع بالغة في الشدّة حدّاً يترتّب عليها الجمع بين الأمرين ، كما لا يخفى . هذا ما يتعلّق بصورة العود .
وأمّا صورة عدم العود فقد اعترف غير واحد بأنّ المشهور بين الأصحاب ثبوت القصاص فيه(3) ، بل في الجواهر: لا أجد فيه خلافاً محقّقاً، وإن حكى في
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 258 ، أبواب ديات الأعضاء ب 33 ح2 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 258، أبواب ديات الأعضاء ب 33 ح3 .
- (3) رياض المسائل: 10 / 365 .
(الصفحة 415)
المسالك قولاً بالعدم(1) ، لأنّ سنّ الصبيّ فضلة في الأصل نازلة منزلة الشعر الذي ينبت مرّة بعد اخرى(2) وحكى في الشرائع بعد حكمه بثبوت الأرش في صورة العود والقصاص في صورة العدم ، قولاً بأنّ في سنّ الصبي بعيراً مطلقاً(3) ، وفي الجواهر نقل هذا القول عن المهذَّب(4) والغنية(5) والكافي(6) والوسيلة(7)والإصباح(8) وديات المبسوط(9) ، بل حكى عن ظاهر الغنية الإجماع عليه ، وعن المختلف أنّ عليه عمل الأكثر(10) .
وظاهر حكاية المحقّق إنّ هذا القول في مقابل القول بثبوت الأرش مع العود والقصاص مع عدمه ، وعليه فمقتضاه ثبوت البعير في قلع سنّ الصبي مطلقاً ، وتنطبق هذه الفتوى على الروايتين الأخيرتين بضميمة دعوى كون المراد من موردهما هو سنّ الصبيّ غير المثغر أعم من صورة العود وعدمه .
ولكن يرد عليه ـ مضافاً إلى ضعف الروايتين وعدم ثبوت جابر لهما ـ أنّه كيف يجتمع ثبوت الشهرة وتحقّقها على الأرش والقصاص ، مع دعوى الإجماع على هذا
- (1) مسالك الأفهام: 15 / 289 .
- (2) جواهر الكلام: 42 /390 .
- (3) شرائع الإسلام: 4 / 1011 .
- (4) المهذّب: 2 / 483 .
- (5) غنية النزوع: 418 .
- (6) الكافي في الفقه: 398 .
- (7) الوسيلة: 448 .
- (8) إصباح الشيعة: 505 .
- (9) المبسوط: 7 / 138 .
- (10) مختلف الشيعة: 9 / 389 مسألة 67 .
(الصفحة 416)مسألة 38 ـ يثبت القصاص في قطع الذكر ، ويتساوى في ذلك الصغير ولو رضيعاً والكبير بلغ كبره ما بلغ ، والفحل والذي سلّت خصيتاه إذا لم يؤدّ إلى شلل فيه ، والأغلف والمختون ، ولا يقطع الصحيح بذكر العنين ومن في ذكره شلل ، ويقطع ذكر العنين بالصحيح والمشلول به ، وكذا يثبت في قطع الحشفة ، فتقطع الحشفة بالحشفة ،وفي بعضها أو الزائد عليها استوفى بالقياس إلى الأصل ، إن .
القول ، أو كون عمل الأكثر عليه كما في المختلف ، بل كيف تجتمع هاتان الروايتان مع المرسلة الدالّة على الأرش مع العود ، وهل وجه الجمع حملهما على صورة العدم أو الحكم بالجمع بين البعير والأرش ، كما حكي احتماله عن الشيخ (قدس سره)(1) ؟ لا مجال للثاني لكونه واضح الفساد كما في الجواهر(2) ، كما أنّه لا مجال للأوّل لأنّه ـ مضافاً إلى عدم التنافي المقتضي للتقييد لكون الطرفين مثبتين ـ يلزم حمل الروايتين على الفرد النادر ، وهي صورة عدم العود .
هذا، ومقتضى القاعدة بعد ضعف الروايتين وعدم ثبوت الجابر الرجوع إلى عمومات أدلّة القصاص ، والحكم بثبوته مع عدم العود كما هو المفروض .
ثمّ إنّ تقييد مدّة الانتظار بما جرت العادة بالإنبات فيها إنّما هو في مقابل مثل القواعد(3) لأنّ ظاهرها تعيين مدّة الانتظار بالسّنة ، لأنّه لا دليل عليه بوجه . وعن الشهيد في غاية المراد(4) أنّه غريب جدّاً ، نعم وقع التحديد بالسَّنة فيما إذا ضربت السنّ ولم تقلع في بعض الروايات ، ولكنّه غير المقام .
- (1) المبسوط : 7 / 138 .
- (2) جواهر الكلام: 42 / 391 .
- (3) قواعد الأحكام: 2 / 309 .
- (4) غاية المراد: 376 (مخطوط) .