(الصفحة 243)مسألة 5 ـ لو كان المدّعي أكثر من واحد فالظاهر كفاية خمسين قسامة ، وأمّا لو كان المدّعى عليه أكثر ففي كفاية خمسين قسامة وعدمها إشكال ، والأوجه تعدّد القسامة حسب تعدّد المدّعى عليه ـ فلو كان اثنين يحلف كلّ منهما مع قومه خمسين قسامة على ردّ دعوى المدّعي ـ وإن كان الاكتفاء بالخمسين لا يخلو عن وجه ، لكن الأوّل أوجه1..
المتقدّمة ، ومن الواضح أنّه لا مجال في مثل المقام ممّا يحتمل فيه خصوصية الرجولية لدعوى إلغاء الخصوصية كما في بعض المقامات ، مثل: رجل شكّ بين الثلاث والأربع في ركعات الصلاة الرباعية ، ومنه يظهر اعتبار كونهم بالغين أيضاً ، كما لا يخفى .
1 ـ يظهر منهم التسالم على كفاية خمسين قسامة فيما إذا كان المدّعي أكثر من واحد ، وأمّا إذا كان المدّعى عليه كذلك فالمشهور عدم الاكتفاء ، بل لزوم التعدّد حسب تعدّد المدّعى عليه(1) ، خلافاً لما حكي عن الشيخ (قدس سره)في الخلاف من الاكتفاء بالخمسين منهم أجمع ، مدّعياً عليه الإجماع(2) .
أقول: أمّا المدّعي ـ فمع قطع النظر عن التسالم والإجماع وعن الدليل الاعتباري الذي مرجعه إلى عدم الاختلاف بين المدّعين أو المدعيين في الدعوى ; لأنّ ادّعاء كون زيد مثلاً قاتلاً للمقتول أمر مشترك بينهم أو بينهما ، ولا اختلاف فيه أصلاً ـ
- (1) المبسوط: 7 / 222 ، شرائع الإسلام: 4 / 998 ، إرشاد الأذهان: 2 / 219 ، تحرير الأحكام: 2 / 253 ، إيضاح الفوائد: 4 / 616 ، مسالك الأفهام: 15 / 207 .
- (2) الخلاف: 5 / 314 مسألة 13 .
(الصفحة 244)
يشكل استفادته من الروايات ، وإن كان يظهر من الجواهر دلالتها عليه(1) ; لأنّ الظاهر أنّ محطّ نظره هي الروايات الحاكية لقصّة خيبر المشتملة على حكمه(صلى الله عليه وآله)بأنّه على تقدير حلف خمسين رجلاً من الأنصار يثبت القتل ، ويترتّب عليه آثاره ، نظراً إلى تعدّد المدّعي فيها ، وهم الأنصار ، مع أنّ في هذه الروايات إعضالاً وإشكالاً ، وهو أنّه يعتبر في المدّعي كما عرفت أن يدّعي جزماً وبصورة اليقين ، ولا تسمع الدعوى إذا لم تكن جازمة ، والأنصار إذا كانوا مدعين بهذا النحو فكيف امتنعوا من الحلف؟ معلِّلاً بأنّا نكره أن نقسم على ما لم نره ، ومن المعلوم أنّ مرادهم من عدم الرؤية عدم العلم واليقين ، لأنّه لا يعتبر في الحلف إلاّ اليقين ، ولا تعتبر الرؤية بوجه ، وإذا لم يكونوا مدّعين لعدم الجزم ، فكيف طلب رسول الله(صلى الله عليه وآله)منهم الحلف مع عدم وجود مدّع في البين؟ وقد عرفت أنّ اعتبار القسامة إنّما هو في صورة الدّعوى ووجود المدّعي .
ودعوى أنّه يمكن وجود المدّعي بين الأنصار مدفوعة ـ مضافاً إلى أنّها حينئذ لا دلالة لها على تعدّد المدعي الذي هو محلّ البحث ـ بأنّه على هذا التقدير كان اللاّزم مطالبة خمسين يميناً من ذلك المدّعي بعد عدم حلف غيره معه ، فالانصاف أنّه لا مجال لاستفادة ما في الجواهر .
وأمّا المدّعى عليه فمقتضى الدليل الاعتباري فيه التعدّد حسب تعدّده ، لأنّ حلف كلّ قسامة إنّما يرجع إلى براءة من أحضر تلك القسامة وعدم ارتباط القتل إليه . وهذا لا ينافي الاستناد بالمدّعى عليه الآخر ، فبراءة الجميع يتوقّف على إحضار كلّ واحد منهم قسامة يحلفون بالبراءة ، كما أنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على
- (1) جواهر الكلام: 42 / 250 ـ 251 .
(الصفحة 245)
لزوم إقامة المدّعى عليه القسامة التعدّد ، لانطباق هذا العنوان على كلّ واحد منهم ، ولو وصلت النوبة إلى يمين شخص المدّعى عليه ، كما لو لم يكن له قسامة أو امتنعوا من الحلف لا محيص عن اعتبار خمسين بالإضافة إلى كلّ واحد منهما أو منهم ، ضرورة أنّه لا يكفي يمين واحد إلاّ لنفسه ، كما في سائر المقامات التي كان المدّعى عليه فيها متعدّداً ، فإنّه يجب أن يحلف كلّ واحد ولا يكفي يمين واحدة .
أضف إلى ذلك أنّه لو فرض اعتبار القرابة أو الاشتراك في القومية في القسامة يمكن أن لا يكون بين المدّعى عليهما قرابة أو اشتراك في القومية أصلاً ، فاللاّزم على كلّ واحد منهما إحضار قسامة خاصّة .
وأمّا ما ذكره الشيخ في الخلاف فربّما يستدلّ عليه برواية أبي بصير المتقدّمة ، المشتملة على قول الصادق (عليه السلام) : فإذا ادّعى الرّجل على القوم أنّهم قتلوا كانت اليمين لمدّعي الدّم قبل المدّعى عليهم ، فعلى المدّعي أن يجيء بخمسين يحلفون أنّ فلاناً قتل فلاناً ، فيدفع إليهم الّذي حلف عليه ، فإن شاؤوا عفوا ، وإن شاؤوا قتلوا ، وإن شاؤوا قبلوا الدية ، وإن لم يقسموا فإنّ على الذين اُدّعي عليهم أن يحلف منهم خمسون ما قتلنا ولا علمنا له قاتلاً الحديث(1) ، نظراً إلى ظهوره في تعدّد المدّعى عليه وكفاية حلف خمسين .
ولكن فيه : أنّه وإن وقع التعبير عن المدّعى عليه في صدر العبارة بـ «القوم» ، وفي الذيل بـ «الذين ادّعي عليهم» ، إلاّ أنّ الظاهر كون المدّعى عليه شخصاً معيَّناً وواحداً مشخَّصاً من القوم ، والشاهد عليه قوله (عليه السلام) : يحلفون أنّ فلاناً قتل فلاناً . وقوله عقيبه: فيدفع إليهم الذي حلف عليه . وإسناده إلى القوم إنّما هو باعتبار كون
(الصفحة 246)مسألة 6 ـ لو لم يحلف المدّعي أو هو وعشيرته فله أن يردّ الحلف على المدّعى عليه ، فعليه أيضاً خمسون قسامة ، فليحضر من قومه خمسين يشهدون ببراءته وحلف كلّ واحد ببراءته ، ولوكانوا أقلّ من الخمسين كرّرت عليهم .
القاتل منهم ومن قبيلتهم وعشيرتهم .
ويستدلّ عليه أيضاً ببعض النصوص الواردة في قصّة خيبر ، الظاهر في كون الدّعوى على اليهود والاكتفاء بحلف خمسين منهم ، ولكنّ الظاهر أنّ الإسناد فيه إلى اليهود إنّما هو لما ذكرنا . ويؤيّده بل يدلّ عليه التصريح في بعضها ـ كما في صحيحة بريدالمتقدّمة ـ بأنّ فلان اليهودي قتل صاحبنا(1) ، وكذا قول رسول الله(صلى الله عليه وآله)في بعضها الآخر: فليقسم خمسون رجلاً منكم على رجل ندفعه إليكم(2) .
نعم يمكن التمسّك لذلك بصحيحة مسعدة المتقدّمة المشتملة على قوله (عليه السلام) : حلّف المتّهمين بالقتل خمسين يميناً بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلاً(3) . وإن لم يتمسك به صاحب الجواهر(4) ، لظهوره في تعدّد المتّهمين ، خصوصاً مع قوله (عليه السلام) قبله: «ولم يقسموا بأنّ المتّهمين قتلوه» الظاهر في أنّ الجمع ليس باعتبار تعدّد القضايا ، كما لايخفى .
ولكنّ الجواب أنّه يلزم رفع اليد عن هذا الظهور ، والحمل على لزوم الخمسين على كلّ واحد من المتّهمين بقرينة النصّ والفتوى ، فتدبّر .
ويمكن أن يكون الجمع باعتبار المدّعى عليه وقومه .
- (1) تقدّمت في ص219 .
- (2) تقدّم في ص221 .
- (3) تقدّمت في ص222 .
- (4) جواهر الكلام: 42 / 250 .
(الصفحة 247)الأيمان حتّى يكملوا العدد ، وحكم ببراءته قصاصاً ودية ، وإن لم يكن له قسامة من قومه يحلف هو خمسين يميناً ، فإذا حلف حكم ببراءته قصاصاً ودية ، وإن لم تكن له قسامة ونكل عن اليمين اُلزم بالغرامة ، ولا يردّ في المقام اليمين على الطرف1..
1 ـ بعد تطابق النصّ والفتوى على أنّه لو لم يحلف المدّعي أو هو وعشيرته ، له أن يردّ الحلف على المدّعى عليه ، يقع الكلام في جهات:
الجهة الأُولى: أنّه إذا كان للمدّعى عليه إحضار قومه للحلف ممكناً ، فهل يجب عليه ذلك أم يجوز له الاكتفاء بحلف نفسه خمسين ، من دون حاجة إلى إحضار القوم بوجه ، كما في ناحية المدّعي ، حيث يجب عليه ذلك كما مرّ؟
ربّما يقال كما عليه بعض الأعلام : بأنّ الأوّل وإن كان هو المشهور شهرة عظيمة بل ادّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد من الفقهاء ، إلاّ أنّ ذلك لم يرد في شيء من الروايات ، وأمّا رواية أبي بصير المتقدّمة(1) فهي مضافاً إلى أنّها ضعيفة سنداً بعلي بن أبي حمزة لا تدلّ على أنّ المدّعى عليه يحضر من قومه من يحلف معه لإكمال العدد، بل المفروض فيها طلب الحلف من المدّعى عليهم، بل مقتضى صحيحة مسعدة المتقدّمة أيضاً أنّ الباقر (عليه السلام) كان يحلّف المتّهمين بالقتل خمسين يميناً(2) . وأمّا مافي صحيحة بريد: وإلاّ حلف المدّعى عليه قسامة خمسين رجلاً ما قتلنا ولا علمنا قاتلاً(3) فلا دلالة فيه على لزوم حلف غير المدّعى عليه ، بل تدلّ على أنّ المدّعى عليه لابدّ وأن يكون هو الحالف ، ولكن لا يكتفى بحلفه مرّة واحدة ، بل لابدّ وأن
- (1) تقدّمت في ص220 .
- (2) تقدّمت في ص222 .
- (3) تقدّمت في ص219 .