(الصفحة 367)مسألة 5 ـ المراد بالشلل هو يبس اليد بحيث تخرج عن الطاعة ولم تعمل عملها ولو بقى فيها حسّ وحركة غير اختيارية ، والتشخيص موكول إلى العرف كسائر الموضوعات ، ولو قطع يداً بعض أصابعها شلاّء ففي قصاص اليد الصحيحة تردّد ، ولا أثر للتفاوت بالبطش ونحوه فتقطع اليد القوية بالضعيفة ، واليد السالمة باليد البرصاء والمجروحة1..
الاستيفاء ، كما أنّه لا يبعد دعوى ثبوت القصاص مع قطع يد الجاني الصحيحة ، لأنّه قطع عدواني موجب للقصاص ، إلاّ أن يقال : بأنّ البذل الملازم للرضا بقطعه من دون قصاص يمنع عن ثبوته ، فتدبّر .
بقي في المسألة أمر واحد ، وهو أنّه لا مانع من قطع اليد الشلاء بالصحيحة ; لعدم اقتضاء شيء من الأدلّة اعتبار التساوي في السلامة من الشلل في كلّ من الطرفين ، بل غاية مفادها اعتباره من ناحية المقتصّ منه ، وعليه فمقتضى عموم دليل القصاص ثبوته هنا . والظاهر أنّه لا يضمّ إليها أرش ، كما في اقتصاص وليّ الرجل من المرأة في باب القتل . وما في جملة من الروايات من أنّ الجاني لا يجني على أكثر من نفسه(1) يجري في المقام أيضاً .
ثم إنّه وقع استدراك هذا الحكم في مثل المتن ، بما لو حكم أهل الخبرة بالسراية بل خيف منها بالاحتمال العقلائي المعتدّ به ، والوجه فيه لزوم التحفّظ على النفس التي هي أهمّ من الطرف في الشرع ، فاللاّزم الرجوع إلى الدية . والظاهر سقوط القطع في هذه الصورة في باب الحدود أيضاً ، كالسرقة والمحاربة .
1 ـ غير خفيّ أنّ عنوان «الشلل» المأخوذ في النصّ والفتوى ، إنّما هو كسائر
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 59 و61 و62 ، أبواب القصاص في النفس ب 33 ح1 و10 و18 .
(الصفحة 368)
العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام يرجع في معناه إلى العرف ، فالتشخيص موكول إليه فقط ، وعليه فالظاهر أنّ معناه عند العرف هو الحدّ المتوسط بين موت اليد الذي يوجب عدم تحقّق شيء من آثار الحياة فيها ، وبين ضعفها الموجب لثبوت حركة ضعيفة فيها ، فمعناه هو ما في المتن من اليبس بحيث تخرج عن الطاعة ولم تعمل عملها ، ولو بقي فيها حسّ وحركة اختيارية .
ثم إنّه لو قطع يداً ـ أي كفّاً مشتملاً على الأصابع ـ لكن كان بعض الأصابع شللاً ، ففي محكيّ القواعد(1) وكشف اللثام(2) بل المبسوط(3) انّه لم يقتصّ من الجاني الصحيح الأصابع في الكفّ ، بل في أربع أصابع الصحيحة ، ويؤخذ منه ثلث دية اصبع صحيحة عوضاً عن الشلاء ، وحكومة ما تحتها وما تحت الأصابع الأربع من الكفّ .
أقول: قد ورد في هذا الفرع رواية حسن بن صالح المتقدّمة في المسألة السابقة ، فإن عملنا بتلك الرواية وقلنا بظهورها في نفي القصاص ، فاللاّزم الحكم بعدم ثبوت القصاص في الأصابع الصحيحة أيضاً ; لدلالتها عليه على هذا الفرض ، وإلاّ فلا دليل على عدم ثبوت القصاص حتّى في الكفّ أيضاً ، لأنّ كون بعض الأصابع شلاّء لا يقتضي صدق كون اليد كذلك ، والمأخوذ في الفتوى والنصّ المتقدّم وهي رواية سليمان بن خالد هو اليد الشلاّء .
وأمّا الترديد في المتن في أصل القصاص في اليد في هذه الصورة فلعلّ منشأه الترديد في العمل برواية ابن صالح أو الترديد في شمول رواية ابن خالد ، فتدبّر .
- (1) قواعد الأحكام: 2 / 303 .
- (2) كشف اللثام: 2 / 471 .
- (3) المبسوط : 7 / 84 ـ 85 .
(الصفحة 369)مسألة 6 ـ يعتبر التساوي في المحلّ مع وجوده ، فتقطع اليمين باليمين واليسار باليسار ، ولو لم يكن له يمين وقطع اليمين قطعت يساره ، ولو لم يكن له يد أصلاً قطعت رجله على رواية معمول بها ولا بأس به ، وهل تقدّم الرجل اليمنى في قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى في اليد اليسرى أو هما سواء؟ وجهان ، ولو قطع اليسرى ولم يكن له اليسرى فالظاهر قطع اليمنى على إشكال ومع عدمهما قطع الرجل ، ولو قطع الرجل من لا رجل له فهل يقطع يده بدل الرجل؟ فيه وجه لا يخلو من إشكال ، والتعدّي إلى مطلق الأعضاء كالعين والأذن والحاجب وغيرها مشكل ، وإن لا يخلو من وجه ، سيّما اليسرى من كلّ باليمنى1..
ثمّ إنّك عرفت أنّ المستثنى هو خصوص الشلل ، وعليه فكون اليد المجنيّ عليها برصاء أو مجروحة أو ضعيفة في مقابل الأبطش لا يمنع عن ثبوت القصاص أصلاً .
1 ـ أمّا أصل اعتبار التساوي في المحلّ مع وجوده في الجملة فلا خلاف فيه ، بل ربّما ظهر من محكي الخلاف نفيه بين المسلمين(1) ، بل في كشف اللثام الاتّفاق عليه(2) ، وعليه فتقطع اليد اليمنى باليد اليمنى واليسرى باليسرى .
ولو لم يكن له يمين وقطع اليمين قطعت يساره ، كما عن الأكثر ، بل المشهور(3)، بل عن الخلاف والغنية إجماع الفرقة وأخبارهم(4) ، ولو لم يكن له يمين
- (1) الخلاف: 5 / 193 مسألة 59 .
- (2) كشف اللثام: 2 / 471 .
- (3) النهاية: 771 ، الكافي في الفقه: 389 ، المهذّب: 2 / 479 ـ 480 ، مختلف الشيعة: 9/403 ـ 404 مسألة 79 .
- وقد نسب هذا الترتيب الشهيد الثاني في المسالك: 15 / 271 إلى الأكثر ، وقال الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ج14 / 111 : انّه مشهور .
- (4) غنية النزوع: 410 .
(الصفحة 370)
ولا يسار أصلاً قطعت رجله ، خلافاً للحلّي(1) والفخر(2) والشهيد الثاني في بعض كتبه(3) .
والدليل على الأمرين رواية حبيب السجستاني قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قطع يدين لرجلين اليمينين ، قال: فقال: يا حبيب تقطع يمينه للذي قطع يمينه أولاً ، وتقطع يساره للرجل الذي قطع يمينه أخيراً ، لأنّه إنّما قطع يد الرجل الأخير ويمينه قصاص للرجل الأوّل . قال: فقلت إنّ عليّاً (عليه السلام) إنّما كان يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، فقال: إنّما كان يفعل ذلك فيما يجب من حقوق الله ، فأمّا يا حبيب حقوق المسلمين فإنّه تؤخذ لهم حقوقهم في القصاص اليد باليد إذا كانت للقاطع يد (يدان) ، والرجل باليد إذا لم يكن للقاطع يد .
فقلت له: أوما تجب عليه الدية وتترك له رجله؟ فقال: إنّما تجب عليه الدية إذا قطع يد رجل وليس للقاطع يدان ولا رجلان ، فثمّ تجب عليه الدية ; لأنّه ليس له جارحة يقاص منها(4) .
وربّما يناقش في الرواية بضعف السند نظراً إلى أنّ المرادي وهو حبيب لا نصّ على توثيقه بل ولا على مدحه ، غاية ماوقع في ترجمته أنّه كان شارياً ورجع إلى الباقر والصادق (عليهما السلام) وانقطع إليهما(5) .
ولكنّ الظاهر
أوّلاً إمكان توصيف الرواية بالصحّة ، نظراً إلى توصيف جماعة
- (1) السرائر: 3 / 396 ـ 397 .
- (2) إيضاح الفوائد: 4 / 573 ـ 574 .
- (3) مسالك الأفهام: 15 / 272 .
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 131 ، أبواب قصاص الطرف ب 12 ح2 .
- (5) انظر رجال الكشي: 347 ، الرقم 646 .
(الصفحة 371)
من الأصحاب الرواية بالصحّة ، كما عن المختلف(1) والإيضاح(2) والمهذب البارع(3) والتنقيح(4) ، بل في الروضة(5) نسبة وصفها بذلك إلى الأصحاب ، بل عن الوحيد البهبهاني (قدس سره) المتبحّر خصوصاً في الحديث والرجال عن جدّه أنّه حكم بأنّه ثقة(6) .
وثانياً انجبار الضعف على تقديره بالفتوى على طبقها والاستناد إليها من المشهور ، بل في الجواهر: لم نعثر على رادّ له غير الحلّي(7) وثاني الشهيدين في بعض المواضع(8) ،(9) بناء على مبناهما في باب خبر الواحد . وعليه فلا محيص عن الأخذ بالرواية والفتوى على طبقها في الانتقال من اليد اليمنى إلى اليسرى مع عدم اليمنى ، وفي الإنتقال إلى الرجل مع عدم اليد رأساً .
ثم انّه هل تقدّم الرجل اليمنى في قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى في اليد اليسرى ، أو هما معاً سواء؟ فيه وجهان كما في المتن : من أنّ مقتضى رعاية المماثلة في القصاص بعد تعذّر اليد على ما هو المفروض اعتبار اليمينية واليسارية ، ومن أنّ مقتضى إطلاق رواية حبيب الدالّة على الانتقال إلى الرجل في مورد تعذّر اليد عدم
- (1) مختلف الشيعة: 9 / 404 مسألة 79 .
- (2) إيضاح الفوائد: 4 / 573 .
- (3) المهذّب البارع: 5 / 173 .
- (4) التنقيح الرائع: 4 / 422 .
- (5) الروضة البهية: 10 / 78 .
- (6) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 136 ، بل حكاه في تعليقة منهج المقال: 91 عن خاله .
- (7) السرائر: 3 / 397 .
- (8) مسالك الأفهام: 15 / 272 .
- (9) جواهر الكلام: 42 / 352 ، وكذا في رياض المسائل: 10 / 279 .