(الصفحة 150)الشرط الثالث: انتفاء الأبوّة ، فلا يقتل أب بقتل ابنه ، والظاهر أن لا يقتل .
ثبوته بالنسبة إليه ، ولا يمنعها جواز القتل لخصوص الوليّ ، لعدم اقتضائه خروجه عن العصمة والاحترام مطلقاً ، كما لا يخفى .
وأمّا الحكم بعدم ثبوت القصاص والدية في الفرع الثاني فقد استدلّ عليه المحقّق في الشرائع بأنّ عليّاً (عليه السلام) قال لرجل قتل رجلاً وادّعى أنّه وجده مع امرأته: عليك القود إلاّ أن تأتي ببيّنة(1) .
ومراده من الرواية ما رواه سعيد بن المسيب قال: إنّ معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعري : إنّ ابن أبي الجسرين وجد رجلاً مع امرأته فقتله ، فاسأل لي عليّاً عن هذا ، قال أبو موسى: فلقيت عليّاً (عليه السلام) فسألته . قال: فقال علي (عليه السلام) : والله ما هذا في هذه البلاد يعني الكوفة ولا هذا بحضرتي ، فمن أين جائك هذا؟ قلت: كتب إليّ معاوية لعنه الله إنّ ابن أبي الجسرين وجد مع امرأته رجلاً فقتله ، وقد اُشكل عليه القضاء فيه فرأيك في هذا . قال: فقال: أنا أبو الحسن ، إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد ، وإلاّ دفع برمّته(2) .
فإنّ المستفاد منها أنّه مع الإتيان بأربعة يشهدون لا يترتّب على القتل شيء من القصاص أو الدية ، ولكنّ الرواية مضافاً إلى ضعفها من حيث السند غير قابلة للاستدلال بها من جهة الدلالة ، لاحتمال اختصاص الحكم المذكور فيها بالزوج ، كما سيأتي البحث فيه . وعليه فلا دلالة لها على العدم مطلقاً ، كما لا يخفى . وممّا ذكر ظهر وجه الترديد ، كما في المتن .
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 988 .
- (2) التهذيب: 10 / 314 ح1168 ، الفقيه : 4 / 150 ح447 ، وسائل الشيعة: 19 / 102 ، أبواب القصاص في النفس ب 69 ح2 .
(الصفحة 151)أب الأب ، وهكذا1..
1 ـ يدلّ على اعتبار هذا الشرط ـ مضافاً إلى ما في الجواهر(1) من نفي وجدان الخلاف فيه بل ثبوت الإجماع بقسميه عليهـ الروايات المستفيضة بل المتواترة من حيث المعنى ، كصحيحة حمران ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: لا يقاد والد بولده ، ويقتل الولد إذا قتل والده عمداً(2) .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يقتل ابنه أيقتل به؟ قال: لا(3) .
ومرسلة فضيل بن يسار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يقتل الرجل بولده إذا قتله ، ويقتل الولد بوالده إذا قتل والده . الحديث(4) .
ورواية العلاء بن الفضيل قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) : لايقتل الوالد بولده ، ويقتل الولد بوالده ، ولا يرث الرجل الرجل إذا قتله وإن كان خطأ(5) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يقتل الأب بابنه إذا قتله ، ويقتل الابن بأبيه إذا قتل أباه(6) .
وموثقة إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول: لا يقتلوالد بولده إذا قتله ، ويقتل الولد بالوالد إذا قتله ، ولا يحدّ الوالد للولد إذا قذفه ،
- (1) جواهر الكلام: 42 / 169 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 56 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح1 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 56 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح2 . ورواه في الباب ح7 بعنوان رواية أخرى ، ولكن الظاهر عدم التعدّد ، كما أشرنا إليه مراراً (المؤلّف) .
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 57 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح3 .
- (5) وسائل الشيعة: 19 / 57 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح4 .
- (6) وسائل الشيعة: 19 / 57 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح6 .
(الصفحة 152)مسألة 1 ـ لا تسقط الكفارة عن الأب بقتل ابنه ولا الدية ، فيؤدّي الدية إلى غيره من الورّاث ، ولا يرث هو منها1..
ويحدّ الولد للوالد إذا قذفه(1) .
وصحيحة ظريف ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: وقضى أنّه لا قود لرجل أصابه والده في أمر يعيب عليه فيه ، فأصابه عيب من قطع وغيره ، ويكون له الدية ولا يقاد(2) . ويظهر من هذه الرواية كون هذا الشرط أيضاً معتبراً في قصاص الطرف أيضاً ، ولا يختصّ بقصاص النفس ، وعليه فتفريع عدم القتل على هذا الشرط كما في المتن إنّما هو تفريع على البعض لا الكلّ .
ثمّ إنّ المشهور شهرة عظيمة(3) شمول الحكم لأب الأب وهكذا ، وحكي عن المحقّق في النافع الترديد فيه(4) ، ولكن مقتضى إطلاق كثير من الروايات وترك الاستفصال في بعضها كرواية الحلبي المتقدّمة الشمول لصدق الوالد لغة وعرفاً عليه ، كصدق الولد على ولد الولد ، والأظهر من ذلك ما عبّر فيه بالأب والإبن كرواية أبي بصير المتقدّمة أيضاً .
1 ـ أمّا عدم سقوط الكفارة فلترتّبها على قتل العمد المحرّم ، والمفروض تحقّقه ، وسقوط القصاص لا يستلزم سقوطها أيضاً ، كما أنّ الظاهر ثبوت الدية لاحترام
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 58 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح8 .
- (2) وسائل الشيعة: 19 / 58 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح10 .
- (3) المبسوط: 7 / 9 ، الخلاف: 10 / 152 مسألة 10 ، الوسيلة: 431 ، شرائع الإسلام: 4 / 988 ، كشف الرموز: 2 / 610 ، قواعد الأحكام: 2 / 291 ، تحرير الأحكام: 2 / 248 ـ 249 ، إرشاد الأذهان: 2 /203 ، اللمعة الدمشقية: 176 ، الروضة البهية: 10 / 64 ، رياض المسائل: 10 / 291 .
- (4) المختصر النافع: 314 .
(الصفحة 153)مسألة 2 ـ لا يقتل الأب بقتل ابنه ولو لم يكن مكافئاً ، فلا يقتل الأب الكافر بقتل ابنه المسلم1.
مسألة 3 ـ يقتل الولد بقتل أبيه ، وكذا الأمّ وإن علت بقتل ولدها ، والولد يقتل بأُمّه ، وكذا الأقارب كالأجداد والجدّات من قبل الأم ، والإخوة من الطرفين ، والأعمام والعمّات والأخوال والخالات2..
دم الولد ، ولم يدلّ دليل على كونه هدراً ولو بالإضافة إلى خصوص الوالد ، وسقوط القصاص لا يوجبه ، هذا مضافاً إلى التصريح به في صحيحة ظريف ، نعم لا يرث الأب المؤدّي للدية عنها ، لكون القتل المحرّم مانعاً عن ثبوت الإرث . والظاهر ثبوت التعزير أيضاً ، وإن كان عدم التعرّض له في المتن يشعر بعدم ثبوته ، والوجه في الثبوت ـ مضافاً إلى ثبوته في المعصية مطلقاً أو في خصوص الكبيرة ، وسقوط القصاص لا ينافيه ـ رواية جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الرجل يقتل ابنه أو عبده قال: لايقتل به ، ولكن يضرب ضرباً شديداً وينفى عن مسقط رأسه(1) ، بناء على حملها على كونه من مصاديق التعزير بما يراه الحاكم .
1 ـ الوجه فيه إطلاق الأدلّة والروايات الشامل لصورة عدم التكافؤ في الإسلام أو في الحرية .
2 ـ أمّا قتل الولد بقتل أبيه ، فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى عمومات أدلّة القصاص ـ صريح كثير من الروايات المتقدّمة الواردة في هذا الشرط ، والظاهر كون المسألة إجماعيّة أيضاً . وأمّا قتل الأمّ وإن علَتْ بقتل ولدها ، فقد خالف فيه من علمائنا
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 58 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح9 .
(الصفحة 154)
الإسكافي(1) الذي وافق العامّة على ذلك(2) ، ولا دليل على الالتحاق بالأب إلاّ القياس والاستحسان ، وأدلّة احترامها حتّى زائدة على الأب لا تقتضي مساواتها له في هذه الجهة أيضاً ، بعد عدم شمول دليل المخصِّص في مقابل عمومات أدلّة القصاص لها ، وبعد الاختلاف بينها وبين الأب في بعض الأحكام كالولاية ونحوها .
وأمّا قتل الولد بقتل أُمّه فيدلّ عليه مضافاً إلى العمومات ، خصوص صحيحة أبي عبيدة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل أُمّه ؟ قال: يقتل بها صاغراً ، ولا أظنّ قتله بها كفّارة له ، ولا يرثها(3) .
وقد احتمل المجلسي الأوّل في شرح «من لا يحضره الفقيه» في معنى قوله (عليه السلام) : «صاغراً» احتمالين:
أحدهما: كونه بمعنى عدم ردّ فاضل الدية ، وهو النصف عليه ، مع ثبوته في سائر موارد قتل الرجل المرأة .
وثانيهما: كونه بمعنى الضّرب الشديد قبل القتل ، ومعنى قوله (عليه السلام) : «لا أظنّ» هو عدم كون القصاص بمجرّده كفارة لذنب القتل المحرَّم الصّادر منه ، فلا ينافي كون التوبة مؤثِّرة في التكفير(4) .
وكيف كان فإن كان معنى قوله (عليه السلام) : «صاغراً» هو الاحتمال الأوّل ، فالرواية ناطقة بعدم رد فاضل الدية; وإن كان معناه هو الاحتمال الثاني فعدم الردّ يستفاد من
- (1) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9 / 451 مسألة 129 .
- (2) المغني لابن قدامة: 9 / 360 ، الحاوي الكبير: 15 / 163 .
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 57 ، أبواب القصاص في النفس ب 32 ح5 .
- (4) روضة المتقين: 10 / 329 ـ 330 .